بغض النظر عن ظروف تشكيل الوزارة الجديدة وعن مهامها الملحة واحتمالات مستقبلها بعد إجراء انتخابات البرلمان المقبل يبقي ان اختيار الاستاذ حلمي النمنم لشغل منصب وزير الثقافة هو أمر طيب ومناسب للغاية نظرا لعدة عوامل من أهمها: الاستاذ حلمي النمنم مثقف متميز ينتمي إلي الجماعة الثقافية المصرية وهو كاتب صحفي مرموق واسع الخبرة عمل في منابر صحفية عديدة وترأس بعضا من أبرزها مثل مؤسسة الهلال العريقة وفي كل كتاباته الصحفية كان يصدر عن موقف وطني واضح وانتماء حقيقي لمصر لا تصنع فيه ولا مزايدة. والاستاذ حلمي النمنم ابن من ابناء وزارة الثقافة المصرية تدرج في مراكزها وخبر دهاليزها وعرف مشكلاته وتقلد العديد من المواقع القيادية فيها علي رأسها رئاسة دار الكتب والمخطوطات المصرية والهيئة المصرية العامة للكتاب وغيرهما أي انه علي دراية كافية بمشكلات الأجهزة الثقافية المصرية وسبل حلها. وهو مناضل حقيقي ضد الإرهاب والتطرف الديني وفي مواجهة نزعات التكفير والتخوين والقتل والترويع باسم المقدس وله في ذلك اسهامات فكرية عميقة ومئات المقالات والدراسات والعديد من الكتب ومنها دراسته. عن "الحسبة" وكتابيه الاخيرين عن سيد قطب وحسن البنا وهو بهذا الوعي من أنسب الافراد المدركين لتهديدات اللحظة الراهنة التي تواجه فيه مصر تحديا وجوديا واسع المدي من قوي الارهاب والتطرف كما انه يتمتع بالشجاعة الواجبة في هذه المرحلة المهمة من حياة بلادنا ويمتلك سيرة شخصية نزيهة تجعله عصيا علي الابتزاز قادرا علي قول كلمته بصراحة وحسم. وهناك عنصر آخر لا يقل أهمية عما سبق وربما يفوقها اهمية واعتبارا الا وهو ان الاستاذ حلمي النمنم يكاد ان يكون الوزير السياسي الوحيد في وزارة عنوانها الاساسي هي انها وزارة منزوعة السياسة جل عناصرها من التكنوقراطيين أو رجال المال أو المنتمين لمؤسسات اقتصادية خاصة وليس هذا وحسب بل ان الاستاذ حلمي وهو لا يخفي هذا الأمر ينتمي إلي المدرسة الوطنية الاجتماعية التي تنحاز إلي الملايين الغفيرة من فقراء هذا الوطن ويؤمن بأن لا تقدم ولا خروج من مستنقع الفقر والتخلف الا بتعليم وتثقيف هذه الملايين ورفعها إلي وضعية الإنسان الفاهم الذي يسعي إلي تغير مصيره! فلهذا كله جاء اختيار الاستاذ النمنم مصدرا لارتياح وسط العديد من رموز الفكر والثقافة والسياسة المصريين وكان الترحيب بوجوده علي رأس وزارة الثقافة حارا وحميميا ولعلي لا اطلب المستحيل حينما اتوجه بالنداء إلي الجماعة الثقافية الوطنية المصرية والتي مازالت رغم ضعفها والضربات المستمرة التي توجه لها من قوي التسلط والارهاب ذات وضعية اعتبارية مهمة ولها تأثير قوي ونفوذ ملحوظ في الدولة والمجتمع بأن يتجاوزوا أية ملاحظات شكلية أو انتقادات غير موضوعية وان يمدوا يد التعاون والمساندة للوزير الجديد وان يتوافقوا معه علي برنامج محدد للعمل الثقافي الوطني ومحاوره الاساسية التي تستهدف دحر الارهاب في الفكر والثقافة وكشف وتعرية فكر الارهابيين والسرابات التي يروجون لها والتبشير بالفكر العقلاني الرشيد الذي طالما كان السمة الاساسية للحضارة الاسلامية في عصورها الذهبية الغابرة! لكننا في المقابل نطلب من وزير الثقافة الجديد طرح رؤيته المحددة لواقع ومشكلات الثقافة المصرية والعربية وآلات وخطط مواجهة أوضاعها البائسة الراهنة في حدود المتاح من الوقت والموارد واشراك المثقفين المصريين من العاصمة والمحافظات في التعاون من أجل حل هذه المشكلات والتساند في اعادة نشر الثقافة الجادة والرصينة في ارجاء البلاد ومناطقها النائية والعمل علي مواجهة التطرف والارهاب بالفن الجميل والفكر الأصيل والابداع الراقي.