على مكتب وزير الثقافة الجديد، الكاتب والصحفي حلمي النمنم، قضايا وملفات عفى عليها الزمن، وفُقد الأمل في إنجازها، لكن لا يكل المثقفون عن تجديد المطالبة بحلها. وبالرغم من أن عمر الحكومة الجديدة لا يتجاوز ثلاثة أشهر، فإن كونها مؤقتة لا يصح أن يتخذ ذريعة للتواني عن إصلاح ما يُمكن إصلاحه. حلمي النمنم وزير الثقافة رقم 13 خلال 5 أعوام، مارس الكتابة الصحفية، واتخذت كتاباته طابعًا سياسيًا، رسخها لكشف أكذوبة الإسلام السياسي، ورفع شعار "العلمانية هى الحل"، وتنقل بين هيئات وزارة الثقافة. تُرى ماذا يطلب المثقفون من حلمي النمنم، وزير الثقافة الجديد، وماذا بإمكانه تحقيقه في تصورهم؟ لا يعبأ الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، بإيدولوجية من يتولى وزارة الثقافة، كونه ليبراليًا أو علمانيًا أو حتى محافظًا، مادمت تلك الإيدولوجية لا يزج بها في عمله الثقافي المنوط به. وعلى ذلك فقد تساءل: ما الذي يستطيع أن يقدمة وزير الثقافة الجديد لوزارته؟ وما المشكلات التي تعاني منها الوزارة؟ وكيف يمكن أن يتصدى لها؟ وحلمي النمنم، كما يراه حجازي، شخص متفتح ولديه مخزون من الخبرة والمعرفة، استطاع أن يكشف الوجه القبيح للإسلام السياسي، بخاصة ما كتبه عن سيد قطب، بالإضافة إلى كتاباته الصحفية، وهو ما يُطمئننا عن أفكاره بشأن الديمقراطية والدولة المدنية. لكن لا يعيب "النمنم" كونه مناصرًا لمؤسسة الأزهر، إلا إذا تحولت مناصرته للأزهر إلى مجاراة في سياساتها، كسياسات المنع والمصادرة والخطوط الحمراء التي تضعها المؤسسة. وطالب حجازي "النمنم" بأن يقدم للرأي العام المثقف رؤية لما سوف يفعله في وزارة الثقافة، لنستطيع أن ننقاشه فيها. فإن وزارة الثقافة تحتاج أولًا وقبل أي شيء إلى دراسة لما قدمته في الماضي، ولما تقدمه الآن، وماالذي نجحت في تقديمه وأخفقت فيه؟ كما لابد من إعادة النظر في ميزانية الوزارة ومرتبات الموظفين، وما يُنفق على العمل الثقافي. ويرى الناقد الدكتور مدحت الجيار، أن حلمي النمنم، وزير الثقافة الجديد، قادر على تصريف أمور وزارة الثقافة، باعتباره عمل بأغلب مؤسساتها قبل ذلك بفترة طويلة، ويمتلك رؤية ثقافية، ستنضج إن جمع حوله أمانة من المتخصصين في مجالات متعددة، ليحوطوه بتشكيل رؤية لمستقبل وزارة الثقافة. واستشف الجيار رؤيته للثقافة المصرية من كتابه "طه حسين والصهيونية"، وتمنى الجيار، لو أن يعقد مؤتمرًا متخصصًا لمن يكتبون في الإسلام السياسي، ومؤتمرًا آخر لمن يكتبون في الأدب والثقافة، ليشكّل المؤتمران، مادة خصبة تعاونه في تجديد الخطابين الثقافي والديني. ويرى الشاعر أحمد الشهاوي، أن "النمنم" مغامر وجاد ومثقف وقارئ ودؤوب، يعرف الحياة الثقافية جيدًا ككاتب وصحفيٍّ ، فمصر لم تعد تحتمل التجريب ولا العند والتعنت في الاختيار، وإهمال المثقفين، فهو يعرف كل الملفات، وتربطه صداقات كثيرة بالجماعة الثقافية، وإن كانت هناك اعتراضات فهي تبقى داخل البيت ويمكن تداركها. وكون "النمنم" له مواقف من الإخوان والسلفيين والطوائف المتشددة المتزمتة لا يعني أن نقول إنه معاد للإسلام أو ضد الدين، فهو وأنا وغيرنا ننطلق من أرض واحدة، أرض تسعى إلى الحرث والتجديد، وتنقية الشوائب، ورش دودها بالمبيدات دون تركها تهلك الزروع. ويضيف الشهاوي: موقف "النمنم" من الحركات الراديكالية التي تلبس الإسلام رداءً واضح وجلي ، ولا ينتقص منه، وكتبه متنوعة ومتعددة، وهو آت من خلفيةٍ فلسفية، وكان من المفترض أن يكمل دراساته الأكاديمية (الماجستير والدكتوراة في الفلسفة ) لكن انشغالات الحياة سرقته من ذلك، لكنه عمق قراءاته واجتهد وكتب وأصدر كتبا يقف المرء أمامها مقدرا جهده واجتهاده، وكونه "عدوا" للمتاجرين بالدين فهي ميزة تحسب له لا عليه. ويتصور الشهاوي أن أغلب من تولوا وزارة الثقافة منذ تأسيسها كانوا من المثقفين المستنيرين ذوي الرأي والموقف، لأننا لم نسمع أن في الإخوان كاتبا أو شاعرا أو روائيا أو مبدعا له أثر، لأنهم بطبيعة تكوينهم وتنظيمهم ضد الثقافة والفنون كارهون لها بالفطرة. وعلى حلمي النمنم وهو العارف بوزارته أن يسعى نحو التجديد والتغيير ، بمعنى تغيير الرؤى لا تغيير الأسماء فقط ، وأن يرأب الصدوع التي فلقها سلفه في بيت الوزارة وأهلها، لأنني حتى الآن لا أدري كيف جاء هذا السلف إلا إذا كان الأمر ليس سوى الانتقام من "جابر عصفور" الذي لم ترض عنه العمائم. ويقول الروائي والباحث الدكتور عمار على حسن: لست مشغولًا بشخصية وزير الثقافة الجديد، لكني مشغول بمهمته، وما إذا كان أداؤه مختلفا عن ما يحول الوزارة من وزارة المثقفين إلى وزارة للثقافة، بمعنى ألا يضعف أمام جماعات الضغط الموجودة في الوزارة، وتكون قراراته كلها لصالح هؤلاء على حساب المصالح العامة، أو العكس، ويحولهم إلى مجموعات فاعلة من أجل أن تصل الثقافة إلى جموع الناس، لا سيما أن الوعي الثقافي في بلادنا متدن ويحتاج إلى إعادة تشكيل وهيكلة. ويتصور عمار علي حسن أن الوزارة الحقيقية هى "هيئة قصور الثقافة" التي يتعدى عدد قصورها 550 قصرا على مستوى الجمهورية، لابد أن تُحوّل إلى منابر ثقافية قوية، وهذه القصور شبكة ثقافية معطلة أو فاسدة أو غير مستغلة، يجب أن يضعها الوزير صوب أولوياته. وعليه أيضًا أن يشرع في مساعدة المثقفين والمفكرين في وضع استراتيجية لمحاربة التطرف الديني والارهاب، لا تقتصر على البيانات، والندوات فحسب، لكن لابد من استراتيجية حقيقية لها أُسس، لتتحول الثقافة إلى حائط صد، ولا يكون ذلك إلا بالتعاون مع عدد من الوزارات المعنية بالثقافة، ومنها وزارة التربية والتعليم. فمن الضرروري أن يحدث تنسيق بين الوزارتين في وضع المناهج والتصورات، وعلى وزير الثقافة أن يتجرد من الفكرة السائدة في الوزرات السابقة، وهى أن الوزير موظف كبير يدير عددا من الموظفين الأصغر في شكل روتيني بحت. ويعتقد عمار على حسن أن الانتخابات البرلمانية يُمكن أن تؤجل، ويطول عمر الحكومة، أو تُعرض الحكومة على البرلمان ويقرها، أو تُعرض ويتغير بعض الوزراء، ربما يحدث ذلك، وأيًّا كانت المدة، فإن على أي وزير أن يصنع المعجزات في أيام قليلة. ووجه الكاتب إبراهيم عبد المجيد جملة مطالب لحلمي النمنم، أولها، أن يجتمع بموظفي الهيئات الثقافية ومثقفيها، لمناقشة الإخفاقات، والإيجابيات، ووضع ملف الثقافة الجماهيرية، على رأي الأولويات لاستعادة انتعاشه، لأن مواجهة الإرهاب لا تكون إلا بثقافة موازية تنويرية، ولا يواجه "بالكلام"، كما طالبه بعقد برتوكولات مع الجمعيات الأهلية الثقافية والفنية. ودعاه إلى أن يجيّش نفسه بجيل جديد من المثقفين من أدباء وفنانين، وأن يوفر عناء عام كامل باجتماعه مع المثقفين والإنصات لرؤياهم. فيما رأت الناقدة الدكتور أماني فؤاد، أن حلمى النمنم ليس الشخص الأمثل لتولى حقيبة بحجم وزارة الثقافة، فإن الثقافة تحتاج إلى شخصية قيادية، قادرة على اتخاذ القرار والحسم، بعكس النمنم الذي يغلب عليه الطابع الإداري. فنحن بحاجة إلى وزير يمتلك الرؤية والشجاعة، له شخصية المقاتل، لأن المواجهات تتطلب نقاشات مفتوحة وعقلانية مع مؤسسات قديمة لم تطور من إمكاناتها الفكرية ومقولاتها ولها ثقل في الوجدان الشعبي لدي المجتمع المصري. وقالت: أفلح إن استطاع، فإن قضايا خطيرة ومهمة تنتظر وزير ثقافة مصر في المرحلة الحرجة القادمة، ولو استطاع أن يقف وراءها بالمواجهة الفكرية والفنية سيلتف الجميع حوله، وضرورة التصدي لقضية الإصلاح للخطاب الديني وغربلة مقولاته بالنقاش الموضوعي، وإحلال الثقافة بفروعها الفنية كلها محل فائض الكراهية والتوجس والإرهاب في خطاب الشعب الذي سيطر عليه السلفيون والجماعات الإسلامية. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :