يتحدث باعتباره مكلفًا من محلب للإطاحة بالكفاءات.. ويعيِّن مسؤولين مجهولين في المناصب البارزة. فمنذ قيام ثورة يناير وحتى الآن، يعترض المثقفون على وزراء الثقافة باختلاف توجهاتهم، ربما الاستثناء الوحيد كان الدكتور عماد أبو غازي، الذي لم يستمر سوى بضعة أشهر في منصبه، واستقال اعتراضا على أحداث «محمد محمود» فى نوفمبر 2011. جاءت حكومة شفيق بجابر عصفور، ثم محمد عبد المنعم الصاوي، ووزراء لم يقدموا كثيرًا للوزارة، بل سعوا للسيطرة من خلال رجالهم، وكما يقول الشاعر عبد المنعم رمضان: "اعتدنا من وزارة الثقافة، أن يرحل وزير سيئ فيأتي الأسوأ"، لتقذف لنا حكومة محلب بالوزير المجهول عبد الواحد النبوي، ليسير على خطى من سبقوه، ويفرغ الوزارة من كفاءاتها، ويأتى برجاله بها. جاء النبوى وهو يعلم أنه وزير مؤقت، أشهر قليلة وترحل الحكومة، ولذلك ينفذ النبوي الخطة المحددة مُسبقًا بتسرع ورعونة شديدة، وبشكل أقل حكمة من وزير الثقافة الإخواني علاء عبد العزيز، لتعود إلى الأذهان ذكرى اعتصام المثقفين، وهو الخطوة الأولى في الإطاحة بنظام الإخوان بالكامل، ليتساءل كثيرون ومن بينهم المثقفون.. هل يتسبب النبوي في اعتصام جديد لإنقاذ الوزارة من مخططه؟ بمجرد إعلان رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، عن التغيير الوزاري، الذي يضم وزيرًا جديدًا للثقافة يدعى عبد الواحد النبوي، بحث الكثيرون باسمه على محرك البحث الشهير "جوجل"، ولم يجدوا شيئًا تقريبًا سوى عمله لفترة كأستاذ في قطر، ثم بدأ البعض يضيف المعلومات، بعضها إيجابي والآخر سلبي. اختيار وزير للثقافة من الأزهر بدا غريبًا، وفسرَه البعض بمصالحة الأزهر الغاضب من وزير الثقافة السابق الدكتور جابر عصفور، بعد أزمة فيلم "نوح"، إلا أن عددًا ليس بقليل دعا إلى متابعة تحركات الرجل التي ستكشف عن أفكاره، لكن بعد أسابيع قليلة من توليه المنصب سخر من الفنانة عزة عبد المنعم أمين متحف "محمود سعيد" في الإسكندرية، وتجاهل الأزمة تمامًا، حتى تدخل محلب واعتذر إليها نيابةً عن وزير الثقافة. غير بعض الافتتاحات والمشاريع الوهمية، آخرها مشروع "صيف بلدنا"، وهو المشروع المتكرر دائمًا تحت أسماء مختلفة فى عهد كل الوزراء، لا إنجازات للوزير سوى الإطاحة بقيادات وزارة الثقافة، واستبدال آخرين مجهولين مثله تمامًا بهم. في ظروف غامضة أُقيل الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق، ليأتى محلب ب"المجهول" عبد الواحد النبوي، ليمحو أي أثر لعصفور بعد الصدام مع الأزهر، وكان الجانب الأبرز في عملية المحو، هو الإطاحة بقيادات جاء بهم عصفور على رأسهم الدكتور محمد عفيفي، أمين المجلس الأعلى للثقافة، والدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، وأخيرًا، الذي ينتظر قرار إنهاء ندبه، الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، الذي قال عنه عصفور "باعامله زي ابني". قرار إنهاء ندب عفيفي، واختيار الدكتور محمد أبو الفضل بدران خلفًا له، جاء منذ شهر تقريبًا، ومن وقتها لم ينظم المجلس فاعلية واحدة، وخرج بدران، رجل النبوي المجهول، بتصريح غريب يقول إن هدفه الوصول بالثقافة إلى الأقاليم، وهو تصريح صحفي "كليشيه" يقوله كل من يتولى منصبًا في الوزارة، لكنه يكشف عن عدم معرفة بدران بمهام أمين المجلس، التي لا علاقة لها بنشر الثقافة في الأقاليم، بل هي مهمة قصور الثقافة بالأساس بينما دوره، كأمين للمجلس، التخطيط للوزارة. جاء محمد عفيفي أمينًا للمجلس الأعلى للثقافة ليعلن بعدها بأيام قليلة وقف الطبع في المجلس، بعد تراكم مئات الكتب مما يعني إهدارًا للمال العام، وجدولة قوائم الكتب المنتظر طبعها، وهو القرار الذي هاجمه البعض وأصر عليه عفيفي لصالح المجلس، ثم بدأ عفيفي بتنظيم مجموعة كبيرة من الندوات واللقاءات الفكرية في مناسبات عدة، وتفاعل معها الوسط الثقافي، وكذلك وسائل الإعلام بشكل كبير. قبل قرار عدم التجديد للدكتور محمد عفيفى، بدأ عفيفى في التحضير لحوار مجتمعي حول شكل لجان المجلس الأعلى للثقافة وتشكيلها، بعد كثير من الاعتراضات على عدم تفعيل دورها بشكل كبير، إلا أن النبوي لم يُتِح له الفرصة لإكمال طريق إصلاح واحدة من أهم هيئات الوزارة. الدكتور أنور مغيث هو الآخر، ولأنه فقط محسوب على جابر عصفور، لم يعطه النبوي فرصة للاستمرار في خطته الخاصة بإشراك مترجمين جدد بالمركز ونشر الكتب المهمة وتوسيع خطة توزيع إصدارات المركز، وأرسل إليه خطاب شكر، ليستبدل به الدكتور شكري مجاهد، وهو مجهول آخر، لا ذكر له إطلاقًا في الوسط الثقافي. التجديد فقط لحلمي النمنم، كرئيس لدار الكتب والوثائق، أرجعه مصدر مسؤول في وزارة الثقافة، إلى أن النمنم كان رئيسًا للنبوي في الدار، قبل أن يصبح الأخير وزيرًا، ولذلك هو يجامله بالإبقاء عليه وحده، مضيفًا أن النبوي قال في اجتماع مع بعض المقربين منه في الوزارة، إن محلب هو من أعطاه الضوء الأخضر للتخلص من بعض القيادات، واختيار بدلاء لهم حسب رغبته الخاصة. المثقفون يرفعون «الكارت الأحمر» للنبوي بعد الاعتراض على قرارات وزير الثقافة، الدكتور عبد الواحد النبوى، وقّع أكثر من مئة مثقف بيانا بعنوان «لا لدعم وزير الثقافة للإرهاب»، كخطوة تصعيدية ضد الوزير. عددٌ كبير من المثقفين وقّعوا البيان، من بينهم الروائى إبراهيم عبد المجيد، والكاتب خليل كلفت، والفنان أحمد إسماعيل، والناقد وليد سيف، والمخرج عصام السيد، والكاتب محمد عبد الرحمن، بالإضافة إلى الدكتور محمد يحيى الرخاوى، والمطربة مروة ناجى، والمترجم كمال مغيث. وبدأ المثقفون بيانهم: «نعلن نحن جموع المثقفين من المبدعين والكتّاب والفنانين الموقّعين على هذا البيان، رفضنا الكامل غير المنقوص لسياسات التفريغ والإهمال والتخبط التى تشهدها وتعانيها وزارة الثقافة المصرية فى الأشهر الأخيرة على يد وزير الثقافة، عبد الواحد النبوى، تلك السياسات التى تشى بدعم واضح من الوزير للإرهاب والتطرف، حيث إن دعم الإرهاب لا ينحصر فحسب فى تمويله أو المشاركة فى أحداثه أو الدفاع عن مجرميه، وإنما يُعدّ التواطؤ ضد مجابهته بتفريغ الوعى والتقصير عن حمل الأمانة وأداء الواجب شكلا رئيسيا من أشكال الدعم والرعاية». البيان أضاف: «ففى الوقت الذى تجابه فيه مصرنا الحرة عبر جنودها البواسل خطر الإرهاب فى سيناء وعلى الثغور كافة، نجد وزارة الثقافة المصرية -ممثلةً فى سياسات وزيرها- تعمد إلى إقصاء القيادات الواحد تلو الآخر، دونما رؤية واضحة ولا علّة شافية سوى تنفيذ أجندة كانت هى جدول أعمال وزير الثقافة الإخوانى، الأسبق الدكتور علاء عبد العزيز، تلك الأجندة التى احتشد ضدها المثقفون والمبدعون فى اعتصامهم الشهير بمقر الوزارة بشارع شجرة الدر بالزمالك حتى اندحر ذاك الوزير واندحر معه نظامه ورئيسه ومرشده». البيان تابع: «لقد كان غياب الفاعليات الثقافية أو تغييبها عمدا فى شهر رمضان المنتهى علامة رئيسية على الخطة المشبوهة التى تستهدف غلّ يد الثقافة المصرية، وإهدار طاقاتها فى مواجهة الإرهاب والتطرف، لتخلو الساحة تماما لدعاة الفتنة والتطرف فى كثير من المساجد والمواقع بالقرى والنجوع والمدن، ناهيك بالتغافل عن الاحتفاء بذكرى المثقفين والمبدعين المصريين الذين وقفوا عمرهم على مجابهة الفكر الفاسد، كالدكتور نصر حامد أبو زيد، والتعامل باستخفاف من قبل الثقافة ووزيرها مع رحيل قامةٍ فنية كالفنان المصرى العالمى عمر الشريف، وهما مثالان إن دلا فإنما يدلان على سياسة فاسدة تنتهجها الوزارة فى عهد هذا الوزير ضد الإبداع والفن وضد التنوير والتجديد». واختتم المثقفون بيانهم بمطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، بإقالة وزير الثقافة، لوقف هذه المهزلة التى باتت واضحة للعيان، بعد أن كانت مجرد شكوك نخشاها فى انتماءات الوزير الفكرية بعد عمله لسنوات فى إحدى دول الخليج التى تقف ضد مصر داعمة لأعدائها، حسب ما جاء فى البيان.. عبد المنعم رمضان يكتب: منحدر وزارة الثقافة اعتدنا أن ننتقل مع وزارة الثقافة من وزير سيئ إلى وزير أسوأ، وبالنسبة إلى آخر وزير للثقافة فهو أسوأ وزير ثقافة فى تاريخ مصر، وعلى الرغم من أنه أتى وهو يدرك أنه أتى لفترة قصيرة لحين انتخاب برلمان جديد، فإنه كلّف نفسه بمهمة القضاء على كل أجهزة وزارة الثقافة فى صورة تنحية كل قيادات الوزارة، والإتيان بقيادات لا نعرفهم ولا تعرفهم الثقافة من قبل. مَن جاء به وزير الثقافة بديلًا للدكتور أنور مغيث، شخص مجهول، وأمين المجلس الأعلى للثقافة شخص مجهول، والمجهول هو شخص لا خلفية ثقافية له، ولم نسمع له رأيًا فى أى قضية ثقافية. وزير الثقافة نفسه شخص مجهول، وجرّبناه لأشهر عدة، وما زال مجهولًا، وأصبح مجهولًا أكثر بعدما عرفناه خلال الأشهر الماضية. أعترف أننى فى شهر رمضان الماضى لم أذهب للاحتفال فى جريدة أخبار الأدب بجائزتها، على الرغم من أنى كنت أحد المحكمين فى جائزة الشعر، لأننى تخيلتنى سأقف بجوار هذا الوزير، وعندها شعرت بالخجل، تخيّلت أننى أحييه وأسلم عليه، وهو أمر مخجل كثيرًا. هذا الرجل لا علاقة له بالثقافة، وعلى مجلس الوزراء التحرك لإنقاذ الثقافة منه، والحقيقة أن المثقفين لن يستطيعوا إعادة ما فعلوه ضد علاء عبد العزيز، لأن ما فعلوه كان محمولًا على رغبة كل الشعب المصرى للإطاحة بنظام الإخوان، أما الوزير الحالى فجاءت به حكومة دون استراتيجية أو تكتيك، وحتى اختيار وزير الثقافة جاء دون أى معايير. كل ما حدث أن صابر عرب محبوب هؤلاء المسؤولين، وهو أحد أسوأ وزراء الثقافة، اقترح على مجلس الوزراء هذا الرجل، لأنه أحد تلاميذه، هذه هى كل المعايير التى بناءً عليها اختار محلب، رئيس الحكومة، واحدًا من وزرائه، ولذلك لا ثقة فى أن هذا الرجل قد يتخذ قرارًا صائبًا. نحن نقف فوق قمة منحدر، والمثقفون يتصورون أن محاربة الإرهاب لا تأتى إلا بالسلاح، الجيش والشرطة، ولكن الجيش والشرطة لن يمنعا وجود الإرهاب، هناك حرب أخرى، حرب ثقافية، ووزير الثقافة الحالى لا يملك هذه الثقافة، ووزارة الثقافة لا تملك أدوات هذه الحرب. الإرهاب سيظل مستمرًّا إذا لم نحاربه فى العمق، بينما رئيس الحكومة يحس بالحرج ويتحرَّك سريعًا لحل أزمة الأهلى والزمالك، ولكن لا أظنه سيتحرك فى أزمة وزير الثقافة الحالى، ولن يهتم حتى بها. هذا هو المأزق الحقيقى. يوسف شعبان يكتب: وزير ثقافة «30 يونيو».. طبعة معدلة من وزير ثقافة الجماعة منذ أن ترك أو أقيل الدكتور جابر عصفور من منصب وزير الثقافة، دون أى تصريحات معقولة من السيد رئيس الوزراء، واستدعاء واحد من الصفوف الوظيفية الخلفية، وهو الدكتور عبد الواحد النبوى، وجماعة المثقفين فى اندهاش تام. ولن أكون بعيدًا عن الحقيقة عندما أقول -واستشعرت ذلك منذ البداية وكتبته فى حينه- أن الإطاحة بجابر عصفور، لم تكن إلا عربون محبة لجماعات الإسلام السياسى المتطرف، هذه الجماعات التى تعمل داخل مؤسسة الدولة نفسها ولها ممثلون معلومون وغير معلومين، وكذلك خارجها، حيث إن الدكتور عصفور لم يكن على هواهم. كان لا بد أن يأتى وجه غير معروف لجماعة المثقفين، فكان الدكتور عبد الواحد النبوى، وتساءل الجميع: «مَن الدكتور عبد الواحد النبوى؟»، وتبرع كثيرون بالإدلاء بمعلومات إيجابية وأخرى سلبية، ولكن قلنا، بأن خطوات الرجل وسلوكه سيفصح عن هويته. وبدأ النبوى حركته بزيارة عبد الرحمن الأبنودى فى المستشفى، حتى يستقطب الرأى العام الثقافى، ورغم أن الأخطاء الصغيرة الشخصية التى وقعت -نتيجة الحركة الواسعة التى كان يفعلها- مثل سخريته من الموظفة البدينة وغير ذلك من أخطاء، فإنه راح يتغلغل بشكل ما بين الندوات والمؤتمرات ليكسب ودّ المثقفين. وبعد أن استتب له الأمر، وتوطدت علاقاته ببعض المراكز الصحفية عبر مشرفى الإعلام بعد إطاحته بمحمد بغدادى الذى كتب تقريرًا يدين فيه مسألة حرق الكتب، راح النبوى يتحرك فى الوزارة كأنه «عزبة» يقرر لها أمورها دون أى تصريحات مفهومة. وبدأ يتخلص من قيادات الوزارة بشكل هادئ ومفاجئ، بدأ هذا الأمر مع د.محمد عفيفى، دون أن يقول لنا: «لماذا أطاح به؟»، رغم أن عفيفى لم تبد عليه علامات الثراء الفاحش فجأة، لنقول إنه اختلس، كما أن المجلس الأعلى للثقافة لم ينحدر فى أدائه ليهبط بنشاطه فى عهد عفيفى، بل العكس، راح عفيفى يعقد صلات وعلاقات فاعلة مع بعض الكيانات المستقلة لانتشال أنشطة المجلس من بيروقراطية كونه مؤسسة حكومية، وراح يستقبل ألوان الطيف الثقافى والفكرى والسياسى كافة. وما حدث مع محمد عفيفى، حدث مع الدكتور أنور مغيث، وكل من يتابعون مسيرة أنور مغيث، يدركون على الفور أن مكانته العلمية أكبر بكثير من أن يكون رئيسًا للمركز القومى للترجمة، ولكنه نال جزاء سنمار كما يقولون، وتمت الإطاحة به دون أدنى توضيح لذلك. وهذا ما جرى للدكتور طارق النعمانى فى دار الكتب، رغم أن هناك بعض التحفظات التى أبداها البعض على النعمانى، فإنها ملاحظات خارج سياق إدارته للمناصب التى تقلدها. جدير بالذكر أن من أتى بهم السيد الوزير -مع احترامنا الكامل لأشخاصهم- ليسوا منخرطين بأى شكل من الأشكال فى العمل الثقافى العام والقومى، ولا ندرك لهم إنجازات تؤهلهم ليقودوا تلك المراكز الحساسة، ثم من قال إن أى وزير له مطلق الحرية فى الحذف والإضافة دون أى ضابط أو رابط، ووفق أجندة سرية لا نعلمها ولا يعلمها المثقفون. كذلك المستقبل القريب جدا الذى ينتظر واحدا من ألمع قيادات وزارة الثقافة، وهو الدكتور أحمد مجاهد، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب، والذى سينتهى ندبه فى 27 يوليو الحالى. أقرر وأنا مطمئن لما وصلت إليه، أن قرارات الإطاحة كلها بتلك القيادات، هى ما كان يصبو إليها واحد مثل الدكتور علاء عبد العزيز، وزير جماعة الإخوان، والفارق أن علاء عبد العزيز اتخذ قراراته فى ظل نظام مكره سلفا، وبطريقة مسرحية لافتة، على غرار «شو» تمثيلى، جرّ عليه كل أشكال الاحتجاج، أما ما فعله النبوى، فجاء من منطلق هادئ وخبيث، ولكنه يحاول التخلص من وجوه تنويرية واضحة، وقفت بقوة فى وجه الرجعية الدينية، ومواقف تلك الوجوه معروفة ومتاحة، والمدهش أن رئيس الوزراء ليس مشغولا بتلك القصة، رغم التصريحات الدائمة التى توحى بأننا على قدم وساق لمحاربة الرجعية والإرهاب، والسعى لتجديد الخطاب الدينى، ولكن فى وزارة الثقافة يتم التخلص من الوجوه والقيادات التى يمكن أن تعمل على تنفيذ الشعارات التى ترفعها تلك الحكومة الغائبة أو المغيّبة. فريد أبو سعدة يكتب: هل يستطيع وزير الثقافة أن يحوِّل قوى مصر الناعمة إلى قبضة؟! يبدو أنه علينا أن نعيش نادمين على ما فات، إذ لا نعرف ما نريده حقا حتى نفقده بالفعل!! لقد عايشنا أهم وزيرين للثقافة منذ إنشاء هذه الوزارة: ثروت عكاشة، وفاروق حسنى، فقد أسسا البنية التحتية اللازمة لأداء ثقافى وإبداعى هائل، هيئات مثل: الثقافة الجماهيرية، هيئة الكتاب، ومعاهد للباليه، والتمثيل، والموسيقى العربية، والكونسرفتوار، والسينما، والتذوق الفنى، فضلاً عن الأوبرا، والمركز القومى للترجمة، ومهرجانات السينما، والمسرح التجريبى، والفنون الشعبية، ومؤتمرات دورية للرواية العربية وأخرى للشعر العربى، ومعرض ومنح جوائز لهما، ومعرض سنوى للكتاب… إلخ، مما لا أستطيع حصره! ومع كل هذا يجب تقدير جملة فاروق حسنى الكاشفة: «الوزارة لا تصنع الثقافة، الثقافة يصنعها المثقفون، الوزارة فقط تهيئ المناخ للمثقفين والكتاب والمبدعين». وكان هذا فى نظرى عادلا، كنا نطمح إلى أكثر من ذلك بالتأكيد، وراح كثيرون ينتقدون فاروق حسنى، ويمكن تفهم هذا بقياس المتحقق الذى يتآكل بالفساد والبيروقراطية إلى الطموح النبيل للجادين من الكتاب والمبدعين! ولكن منذ رحل فاروق حسنى لم نجد وزيرًا يمكن الرهان عليه، بعضهم لأن تكوينه تكوين تلميذ مجتهد، لا يستطيع إلا أن يكون جنديا مجهولا، يختفى تحت ظل فاروق، ولا يعمل أو يجتهد إلا لينال إعجاب الأستاذ، فإذا لم يكن الأستاذ موجودًا فقدَ قدرته وحافزه على العمل والاجتهاد! وبعضهم لغياب أية رؤية للعمل الثقافى لديه، وبعضهم لعدم قدرتهم الإدارية، وبعضهم لعدم معرفتهم بالواقع الثقافى أصلاً ولا الكوادر فيه. هكذا رأينا عبد الواحد، وهو خامس شخص يتولى الوزارة وبعض من تولاها قبله تولاها عدة مرات! يبدو تائها وجاهلا بالواقع الثقافى، وليظهر ديناميكية ما، فهو يتحرك فى المكان دون تقدم (محلّك سر) فلا رؤية له ولا إلمام بعمل الوزارة، وعلى رأى البعض لا يعرف حتى من هو بهاء طاهر! وليبدوَ جادًّا فهو يغير قادة ثقافيين مرموقين من مواقعهم دون مبرر، غيّر فى المركز القومى للترجمة، والمجلس الأعلى للثقافة، ويتلمظ لتغيير قيادة الأوبرا، وهيئة الكتاب، كان الأولى به أن يدعو إلى مؤتمر عام للمثقفين، يناقش كما كان يفعل فاروق حسنى ومن بعده أمين عام المجلس الأسبق «توفيق» وضع سياسة ثقافية تنويرية ديمقراطية وطنية تليق بمصر، وتمضى قدما فى محاربة الإرهاب والتطرف والتمييز بكل أشكاله، وأن يفعّل برتوكولات التعاون مع وزارات التعليم، والأوقاف، والشباب والرياضة، والسياحة، لتكون بيئات حاضنة للديمقراطية والتنوير وليس للإرهاب والتدمير.. "عبد الواحد" أستاذ تاريخ، قد يكون مجيدًا فى تخصصه، ولكنه أصغر من مهمة كهذه، مهمة جعل قوى مصر الناعمة تتحول إلى قبضة! عصام السيد يكتب: سيناريو الإخوان المتكرر نحن ساكنى مصر المحروسة- لم نعلم، فى كل العصور، لماذا أقيل وزير، ولا لماذا أتى آخر، باستثناء فترة قصيرة فى عهد عبد الناصر عندما كانت الدولة تتأرجح بين ثقافة الكم وثقافة الكيف، فكنا نرى تغيير الوزير بتغير نظرة الدولة، ولذا انحصر منصب وزير الثقافة فى معظم سنوات ذلك العهد بين الدكتور ثروت عكاشة والدكتور عبد القادر حاتم. وكنا نظن أن الأمر سيختلف بعد «30 يونيو» بالذات، ولكنه استمر كما هو، بل إن أول وزير بعد «30 يونيو» كان معظم المثقفين والفنانين المعتصمين بوزارة الثقافة -الذين يعتبر اعتصامهم الشرارة الأولى للثورة- معترضين على اختياره، وبذلت محاولات كثيرة من أطراف متعددة لجعل الجماعة الثقافية تقبل بوجوده. لا أنكر أن الجماعة الثقافية نفسها لم ولن تتفق على شخص واحد، وأذكر أن رئيس إحدى وزارات ما بعد الثورة سأل مرشحًا لوزارة الثقافة: هل لو اخترتك للمنصب لن يعترض عليك أحد؟ وكان المرشح صريحًا فى إجابته، وبدلا من أن تحسب له صراحته لم ينَل المنصب. والحقيقة أنه من الضرورى أن نعترف أنه لا أحد يجمع عليه الناس إلا لو كان منافقا، ولكن الأهم هو مدى تلك المعارضة، وحجمها، وأبطالها. هل لمجرد أن يكتب على إحدى صفحات التواصل الاجتماعى اعتراض على الدولة أن تأخذ به؟ نحن جميعًا نعلم أن هناك صفحات يقودها أشخاص مبتزون أو أصحاب مصالح تلقى بتهم الفساد جزافًا، وهو فساد لم يثبت من خلال قضية واحدة، ألا تستطيع الدولة أن تفرز هذا من ذاك؟ هناك صفحات تتكلم باسم الثقافة والمثقفين، فهل هم فعلا مثقفون أم موظفون أم أصحاب مصالح؟ ألا تملك الرقابة الإدارية تقييما لتلك الصفحات؟ ألا تملك أيضا تقييما لحجم تأثيرها ولمدى تعبيرها عن جموع المثقفين؟ وإذا كانت الدولة قد أساءت اختيار وزير ما -بناء على خوفها أو تقاعسها أو عجزها عن قياس رأى الجماعة الثقافية قياسا حقيقيا أو لأسبابها الخفية التى لا نعلمها- فلماذا تسمح له بأن يستبدل بالمناصب الكبرى فى وزارته من هم أدنى؟ نعم، مصر لم تعدم الكفاءات ولا أحد سيخلد فى منصبه، ولكن السؤال الملح: لماذا التغيير والمسؤول ناجح فى مكانه؟! السؤال الأخير: لماذا لم نعترض من قبل؟ الإجابة ببساطة أن التغيير الأول كانت له أسبابه النفسية التى من الممكن تفهمها، ولكننا فوجئنا بنفس سيناريو وزير ثقافة الإخوان يتكرر وكأنه «متفق عليه»، إلى جانب افتقار الوزارة إلى إنجاز واحد منذ مارس الماضى وحتى الآن، وفشل مشروعها المزعوم «صيف ولادنا» الذى هو فى الأصل مشروع قديم ومتكرر تحت أسماء مختلفة: «القوافل الثقافية»، «فى حب مصر»، «أهالينا»، ويزيدنا دهشة الإبقاء على قيادات فاشلة لم تستطع إعادة افتتاح المسرح القومى فى سبعة مواعيد وعدت بها! إن تغيير مسؤول ناجح -لأى سبب غير قانونى- هو تفتيت لجهود الأمة ولقوتها وقدراتها، وهو إهدار للعقل العام، وهى جريمة لا يحاسب عليها القانون بكل أسف، ويحاسب فقط على جريمة إهدار المال العام وكأن المال أهم من العقل. عزة كامل تكتب: الاستبعاد الذي مَرَّ في هدوء إذا كانت الحياة المصرية قد أخذت صبغة درامية منذ ثورة 25 يناير حتى كأنها شبيهة بمسلسل تليفزيونى أحداثه مفجعة لكننا لا يمكن التعامل معه إلا على أنه مسلسل خيالى رغم أن الأحداث حقيقية، فإن ما يحدث فى وزارة الثقافة شبيه أيضا بمسلسل سطحى هزلى. هناك عديد من الأصوات التى خفتت والهمسات التى اختفت، فالكل خائف على منصبه، خائف أن يكون نصيبه الخروج من حظيرة وزارة الثقافة، الوزارة الآن تدار بنفس الأسلوب الاستبدادى القديم: تحكُّم الوزير فى كل شىء، سحْق أى مبادرة والإطاحة بأى شخص قد يكون له شبهة تنويرية أو يحمل فكرا تثويريا أو يجتهد فى إنجاز عمله. إن تعيين هذا وإقصاء ذاك يتحدد طبقًا لميول أصحاب السلطة، وامتزاج الشخصى بالسياسى يظهر من خلال أيديولوجية وقناعة خاصة بإقصاء من هم ليسوا على «الهوى» بالكامل. دائما هناك قصص أشبه بالنميمة، مواقف تتحكم فيها القوة والخوف، ويصحبها شعور بالاكتئاب والتشاؤم وهذا ما حدث لمحاولات الاستبعاد والتصنيفات لكل من د.أنور مغيث، ود.محمد عفيفى، فلا أحد منا يعلم لماذا تم هذا الاستبعاد.. لم يقدم لنا الوزير أى بيانات عن إنجازات أو تجاوزات أى منهما، فالاستبعاد تم بإرادة منفردة من الوزير دون تقديم أى كشف حساب. إن معايير عزل وتهميش أو تعيين والاحتفاء بالبعض يصحبه تعتيم يتولد عنه شعور بالغبن، إنها أساليب ترسخ ل«الاستبداد» داخل إطار المؤسسة الرسمية. منذ زمن ليس ببعيد ثار جدل عميق حول وضع الثقافة داخل وزارة الثقافة وخارجها، وتحوَّل هذا الجدل إلى ساحة حرب تغزوها نوازع سياسية وشخصية وانحدرت المناقشات وتدنت بين المثقفين. عندما نجح المثقفون فى إقالة الوزير السابق علاء عبد العزيز بعد اعتصامهم الشهير فى عام 2013 ظن المثقفون أن هذا بداية عهد جديد لثقافة جديدة فى مصر وأن هناك مسؤولية اجتماعية وثقافية تقع على عاتقهم للارتقاء بمصر الثورة، ولكن ما حدث عكس ذلك. ولعلنا نتساءل: هل ما يحدث الآن فى وزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات وفى الحياة العامة هو أحد التكتيكات التحويلية لصرف النظر عن قضايا سياسية أخرى أو تصفية كل ما له علاقة بروح الثورة سواء كان أشخاصًا أو أفكارًا؟ ونتساءل أيضا: ما القضايا الكبرى التى تهتم بها وزارة الثقافة الآن؟ وما أولويات الوزارة وأولويات الوزير؟ وكيف تنفَّذ هذه الأولويات؟ وبأىّ أساليب؟ وبأى تقنيات؟ وما دور وزارة الثقافة فى الارتقاء بالثقافة ونشرها والتوسع فيها؟ هل هذه الأسئلة تشغل فكر وزير الثقافة، أم أن الانشغال ينصبّ الآن على إقصاء د. أحمد مجاهد من هيئة الكتاب؟!! الوزارة تفتقر إلى أى مشروع ناجح منذ مجيئه.. ويتعمد الإبقاء على القيادات الفاشلة.