* مصر الآن في مرحلة تكتنفها الخطورة من كل جانب. فالإرهاب يتخذ صورا عديدة. وأدوات مختلفة. وأماكن باتت قريبة وقريبة جداً منا.. وما حدث للواحد والعشرين مصرياً الذين جري خطفهم ثم نحرهم في ليبيا بلا إنسانية ولا ذنب إنما يضيف فوق الآلام والأحزان أعباء للدولة المصرية التي ابتليت- كغيرها من دول الجوار العربي- بهذا التيار المتأسلم المتطرف الإرهابي. الذي شوّه الدين وخاصم الحضارة والعقل. وضرب أسوأ الأمثلة لبشر تجردوا من الرحمة. وألبسوا الدين -وهو منهم براء- رداء القسوة والغل والوحشية والدموية وهو ما يحتاج لوقت وجهد كبيرين حتي يتطهر الإسلام من هؤلاء الدواعش. ويتبرأ- وهو حتماً برئ- من مثل هذه البقع السوداء التي لصقت بردائه.. فليس نبي الرحمة كما يدعي هؤلاء مبعوثاً بالسيف حسبما رفعوا شعارهم وهم ينحرون أبناءنا وإنما "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" فما بعد قول الله عز وجل قولى ولا حكم وهو القائل سبحانه "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". * ما حدث للمصريين في ليبيا ليس ذنب الحكومة ولا تقصيرا من الدولة» فالدواعش يقتلون بين الحين والآخر بشرا من جنسيات شتي قتلوا مواطنين أمريكيين وفرنسيين ويابانيين والقائمة تطول وهو ما يقضي بضرورة امتناع المصريين طوعاً عن السفر إلي ليبيا التي تعاني فقدان الدولة والأمن حتي تترك لمصر الفرصة لتأمين حدودها ووقف هذا الزحف التتري الجديد المسمي ب "داعش" صناعة أمريكا والغرب بلا جدال. * ما حدث في ليبيا وهو حتما عظيم وموجع لكل نفس سوية يدعونا لضرورة الانتباه والحذر واليقظة والالتفاف حول الدولة في حربها للإرهاب.والكف عن المراهقة السياسية التي تمارسها بعض الأحزاب والقوي السياسية التي تخرج علينا بين الحين والآخر بقرارات وتصريحات خرقاء عن امتناعها تارة عن المشاركة في انتخابات البرلمان المقبلة. وتارة ثانية عن فشل التوحد في ائتلافات لمحاصرة عودة أعداء الدولة للبرلمان سواء من الفلول أو الإخوان. وهو ما يعد رسالة للإعلام كي يعيد رسم سياساته وأولوياته ويقدم للمواطن ما تحتاجه المرحلة الحرجة من زيادة الوعي بالأولويات الوطنية الواجبة في حرب طويلة مع إرهاب غادر خبيث بات قريبا من مرمي أبصارنا.. فاعتبروا يا أولي الأبصار. * الانفلات الإعلامي والأخلاقي والسلوكي ينبغي أن يتوقف.. وعلي الجميع أن يعلن انحيازاته. إما مع دولة القانون والعدالة وإما مع الفوضي "الهلاكة".. فما نحن فيه لا علاج له إلا العودة لدولة القانون التي يتفاضل المواطنون فيها بمدي التزامهم بهذا القانون. في وجه من يخرقونه جهاراً نهاراً بلا رادع من ضمير أو محاسبة .. فمن يمارسون القتل والترويع والإرهاب والأفعال المنفلتة كالسرقة والاغتصاب والتحرش ضد عودة الدولة.. ومن يصمتون علي هذه الممارسات يخذلون دولة القانون والاستقرار. * ما تعانيه مصر اليوم من انانية البعض الذي لا يفكر إلا في مصالحه الشخصية. خصوصاً مدعي السياسة ونشطاء السبوبة ناسين أو متناسين أنه بدون عودة الاستقرار وهيبة القانون فلن ينعم أحد بما جمع أو حصد.. فما أصاب مصر بعد ثورة يناير ظاهرة اجتماعية تحتاج للفحص العلمي والدراسة حتي يقول لنا علماء الاجتماع السياسي هل هو طبيعي أم خارج حدود المنطق والعقل. هل حدث في أي ثورة بالعالم أن حرقت أقسام الشرطة وهدمت السجون وهرَّب السجناء والمجرمون والخطرون علي الأمن والمجتمع. وطفحت علي المشهد جماعات تلحفت برداء الدين وما كان في ظهورها خير أو مكسب أو إنجاز بل أعادتنا للوراء قروناً سحيقة. * ما حدث في مصر بعد الثورة خارج حدود المنطق والعقل. والفضيلة في مجتمع يوصف بالتدين.. لكنه التدين المنقوص آفة الفهم والعقل. ولو كان تدينا سليما لعصم مصر مما وقعت فيه من استقطاب وتناحر وسقوط في براثن الهوي السياسي والطمع في السلطة واستمراء القتل والتشويه واستنزاف الدولة واستعداء الخارج عليها. * لقد بلغ الانفلات مداه في عهد الإخوان أو في عام الإخوان في الحكم. وسادت شريعة الغاب جراء آثار هذا العدوان. حتي وجدنا من يلغي الدولة وقوانينها. ويقوم بنفسه بتطبيق العقوبة في حق المخالفين. فرأينا من يقطعون أذن أحد المتهمين بسوء السلوك في الصعيد. ومن يقطعون يد أحد المتهمين بالسرقة في الجيزة. وبلغ التنكيل بالقانون والخارجين عليه مداه حين جري قتل أحد المجرمين في كفر الشيخ وتقطيع جثته في مشهد لم يحدث حتي في العصور الوسطي. * الانفلات في مصر أشكال وألوان.. استهتار بالقانون. تحدي سلطات الدولة ورفض الانصياع لتشريعاتها. حصار للمحاكم وإرهاب للقضاة وتشكيك في أحكامهم.. الانفلات بات ظاهرة تهدد مجتمعنا بالتفسخ والفوضي إن لم نتوحد جميعا ونصطف خلف راية الدولة لنؤازرها ونؤازر أنفسنا في الخروج من هذا النفق.. فتمدد الفوضي والانفلات بات يهدد كل شيء وحين تعجز الحكومة عن تأمين مباراة كرة قدم.وحين تصبح المبارة بابا لوقوع ضحايا وقتلي.. هنا ينبغي التوقف والبحث في جذور ومسببات الفوضي وكيف تحولت جماعات وروابط الألتراس والتي يفترض فيها تشجيع الرياضة والأندية إلي أداة مسيسة ومعول هدم للاستقرار.. خرجت من ملاعب الكرة لملاعب السياسة.. هنا ينبغي الحسم والعلاج دون إبطاء لتفويت الفرصة علي المتلاعبين بالوطن. هكذا أصبح الانفلات سمة مجتمعية وبدلاً من أن تهدم الثورة الفساد وتتفرغ للبناء. اتخذها البعض مطية لهدم كل قيمة والطعن في كل رمز. والاستهانة بكل شيء. وبدلاً من أن يكون الإعلام وسيلة للعلاج بات وسيلة لترويج ونشر مظاهر الانفلات والقبح حتي أضحت شيئا مألوفاً بعد ما انخرطت وسائله المختلفة في سباق محموم تقدم مرتكبي التخريب والفوضي ومن يدعون أنفسهم ثواراً ونشطاء وحقوقيين وقوي سياسية وأوصياء دين للرأي العام حتي صاروا نجوماً تتباري الفضائيات لاستضافتهم وتقديمهم للناس وكأنهم نماذج تقتدي والسماح لهم بتقديم رؤاهم ومبرراتهم حتي في تحدي سلطة الدولة والخروج علي قوانينها وأعرافها. وهو ما كان يريده الإخوان ويسعون إليه في ذلك الوقت لإرباك الدولة ودفعها لمسار بعينه وإنهاك أجهزتها وتفريغها من مضمونها تمهيدا لإحلال ميليشيات الإخوان محلها. * وهكذا تخلي الإعلام عن الرسًالة وبدلاً من أن يوقف زحف الفوضي التي ضربت كل شيء. وبدلاً يقود المجتمع صار انعكاساً للفوضي وناقلاً لها ومعينا علي انتشارها. وفضل البعض مجده الشخصي علي مجد بلاده واستقرارها وسعوا إلي شهرة زائفة تلوثت بلون الدم والفتنة علي حساب قيم المهنة والقوانين السوية. حين سمحوا لهؤلاء المارقين بالظهور علي الناس ونشر أفكارهم المسمومة عبر الإعلام. فرأينا من رجال الدين من يحرضون بفتاوي الضلال التي نتجرع الأن مرارة تداعياتها ورأينا القتلة وقطاع الطرق واللصوص علي شاشات الفضائيات يدافعون عن أنفسهم ويبررون جرائمهم وهو ما شجع غيرهم علي ارتكاب جرائم مماثلة بدعاوي مماثلة ايضاً تبيح ارتكاب مثل تلك الافعال بدعوي أنهم مضطرون لارتكابها مجبرون علي الإتيان بها. * هكذا تحالف انفلات الإعلام مع انفلات الأخلاق ليصبح المجتمع إزاء كارثة تهدد بانهياره تحت معاول الفوضي.. وهو ما يعد وصمه عار سيسجلها التاريخ للإعلام في هذه المرحلة وكيف كان وسيلة للهدم وإشاعة الفوضي أكثر من حفاظه علي القيم ومطاردة السلبيات والوقوف في وجه الفوضي ولعل بعض الضالعين في الجرم يتحججون بأن ناقل الكفر ليس بكافر !! * ولم يكن الإعلام وحده ضالعاً في مشهد الفوضي بل شاركت الأحزاب والقوي السياسية وخصوصاً المدنية. بالصمت والضعف والأنانية السياسية. وقد تكشف عريها تماماً وسقطت عنها ورقة التوت الأخيرة حين تحالف بعضها مع الإخوان في انتخابات البرلمان السابق. وهو ما أظهر تهافتها وخلوها من أي ظهير شعبي. وبدلاً من أن تتحرك بكوادرها وأفكارها في الشارع بعد أن زالت ذريعة تضييق النظام السابق- نظام مبارك- الخناق عليها ومنعها من الاقتراب من الناس. وجدناها تقف موقف المشاهد العاجز. لم تفعل شيئا في التصدي لجرائم الإرهاب خلال أربع سنوات وربما حتي هذه اللحظة. وراح كل منها يبحث عن دور بينما ينسحب الشارع من تحت أقدامها غارقاً في الفوضي دون رادع وصارت الأحزاب جزءاً من المشكلة وليست بابًا للحلول. وتماهت مع حالة الفوضي وتجاوبت معها حتي وجدنا من بعض أعضائها خروجاً ضد قانون التظاهر. وشجعوا غيرهم علي الخروج ضده. خصوصاً 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين والتيار الشعبي ومصر القوية وانخرط الجميع في تحدي الدولة واستعداء الخارج عليها برفض الانصياع لقوانينها تارة.والتعليق علي أحكام القضاء تارة أخري. * الانفلات مرض أخلاقي كان يستلزم تضافر قوي المجتمع في محاربته من أول لحظة. لتحصين الوطن ضد رياحه العاتية التي خسرنا الكثير بسببه. وكان حرياً بالأحزاب والقوي السياسية المختلفة وشتي أجهزة الدولة لا سيما وزارات الشباب والرياضة والتعليم والأوقاف والأزهر أن تقود المجتمع نحو الخروج من أزمة الأخلاق التي تعرض لها بعد ثورة يناير. أن تعصمه من الزلل. أن تحول دون التغرير بشبابنا وتضليلهم بأفكار التطرف والإرهاب. أن تنقذ هذا الوطن وما حوله من الأوطان العربية من تغلغل تنظيمات الإرهاب والقتل والإبادة التي تمارس أبشع الجرائم. * المعركة الكبري هي معركة الأفكار وخصوصاً فيما يخص الفكر الديني وهنا علي الأزهر والأوقاف أن يتصدرا الصفوف بمزيد من التجديد والاجتهاد والتصدي للفكر المنحرف الذي يروج للأوهام ويخادع البسطاء ويستهدف هدم دولنا لصالح مشروع استعماري مشبوه تستخدم تيارات العنف أداة لتحقيقه ولو علي أشلاء ودماء الأبرياء والأوطان وعلي رأسها جماعة الإخوان التي تصر علي هدم مصر وشعبها وجيشها وشرطتها أملاً في العودة للحكم. * حسنا ما فعلته الدولة المصرية حين بادرت بتوجيه ضربات جوية ناجحة لمعسكرات الارهاب في ليبيا. وحسنا ما فعله الرئيس حين أوفد وزير الخارجية للأمم المتحدة لحث المجتمع الدولي علي اتخاذ موقف حاسم ضد الإرهاب.. فهذه خطوات من شأنها تأجيج المشاعر الوطنية.وتماسك الجبهة الداخلية وإبقاء الروح المعنوية للمصريين في أعلي درجاتها حمي الله مصر وجيشها وقيادتها.. والموت للإرهاب وصانعيه وداعميه.