عندما يطرح البنك المركزي 9 عطاءات للدولار علي البنوك المصرية تبلغ قيمة العطاء الواحد 40 مليون دولار. ولا يتوقف سعر العملية الأجنبية عن الصعود. لدرجة أن تجاوز معدل الارتفاع في السوق الرسمية مؤخراً ما حققته العملة من إرتفاع في السوق الموازية أو ما نسميها بالسوق السوداء. فالأمر ينذر بخطر حقيقي علي الدولة. ويؤكد أن رهان البنك المركزي علي أن ¢تعويم¢ الجنيه في إطار آليات العرض والطلب بالسوق. ليس إلا ¢تغريق¢ لهذا الجنيه الذي يشبه حاله شخص يعاني من أمراض متعددة. ثم نقذف به داخل ¢حلبة المصارعة¢ ونطلب منه أن ينافس ويتفوق وينتصر علي الأقوياء دون أن نعالج أمراضه التي تحول دون تحقيق الهدف المنشود. نحن أمام ¢كارثة إقتصادية¢ حقيقية تستلزم تعاملاً مختلفاً. والمشكلة ليست جديدة. ولنا معها صولات وجولات. وأذكر أن المرحوم الأستاذ علي نجم محافظ البنك المركزي الأسبق قال لي ذات مرة إن سعر الدولار عندما إرتفع من 80 قرشاً إلي جنيه واحد في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وقت أن كان يتولي منصبه في البنك المركزي أن أثار هذا انزعاجا شديداً لدرجة أن الرئيس حسني مبارك اتصل به قائلا: شوفوا لكم حل!! فما بالنا اليوم وقد تضاعف سعر الدولار 10مرات عما كان عليه سعره قبل 30عاما. المؤكد أن هذا سيسفر عن مزيد من الضغط والعبء علي الفئات غير القادرة. إذ أن مصر دولة مستوردة لأغلب إحتياجاتها من الغذاء والطاقة. وإرتفاع سعر الدولار علي هذا النحو يعني إرتفاعا تلقائيا في فاتورة واردات مصر من كل السلع. وهو ما سيسفر - شئنا أم أبينا - عن موجة إرتفاعات جديدة في أسعار كل شئ. بدءا من الماكينات وأدوات الإنتاج وصولا إلي حزمة الفجل والجرجير. وهنا يبقي أمام البنك المركزي سلاح قوي يجب أن يبادر باستخدامه وعلي وجه السرعة. وهو سعر الفائدة علي الجنيه المصري الذي يجب أن يتم تحريكه بسرعة لرد الاعتبار للعملة الوطنية. ومنحها جاذبية حقيقية من خلال وجود فارق كبير بين سعر الفائدة عليها مقارنة بالعملات الاجنبية وفي مقدمتها الدولار. لأنه ليس من المنطق أن يتراوح سعر الفائدة علي الدولار في القطاع المصرفي حاليا بين 3% و3.25% مقابل 6-6.5% للجنيه المصري. في كل دول العالم تلجأ البنوك المركزية لقرار رفع سعر الفائدة علي العملية المحلية للمحافظة عليها. بحيث يشعر المواطنون بعدم جدوي ¢اكتناز¢ العملات الأخري طالما أن البنوك تمنح سعر فائدة مميز علي العملية المحلية. وهذا الأمر ليس غريبا علينا وسبق أن لجأنا إليه واثبت نجاحه في عملية طرح شهادات قناة السويس الجديدة التي طرحتها البنوك نيابة عن هيئة قناة السويس بسعر فائدة 12% وهي نسبة أغرت الكثيرين علي التخلص مما لديهم من الدولار وتحويله إلي الجنيه المصري أملا في الاستفادة من هذا السعر. ثم يجب ألا ننسي أن رفع سعر الفائدة علي الجنيه له بعد اجتماعي وإنساني كبير خاصة بالنسبة لمودعي القطاع العائلي الذين يتجهون بودائعهم للبنوك أملا في الحصول علي عوائدها التي تعينهم علي أعباء الحياة. فمن المؤكد أن إثراء هؤلاء يجب أن يكون في حد ذاته هدفا للدولة التي لجأت لتلك السياسة بنجاح في طرح شهادات قناة السويس الجديدة. أتمني أن يبادر البنك المركزي بقياده محافظه هشام رامز إلي ذلك الإجراء الفوري الذي يعيد للجنيه جزءا من اعتباره المفقود. ويعوض أصحاب المدخرات بالبنوك عما لحق بهم من خسائر تمثلت في تآكل مدخراتهم وتدني فوائدها.