إلي متي تظل مصر ومؤسسات الدولة المختلفة ترزح تحت مفهوم أهل الثقة والأصدقاء والأقارب والأحباب وليس الأكفاء والقادرون علي العمل الجيد والإنجاز..؟! عانينا طويلاً من هذه الطريقة السيئة والرديئة في ادارة شئون الوزارات والمؤسسات والشركات وغيرها. هذه المعاناة بدأت منذ ثورة يوليو 1952 ولا تزال تطل بوجهها البغيض علي حياتنا وعلي مدي عقود من الزمان استمرت لأكثر من ستين عاما ذقنا خلالها الأمرين ولم نحرز أي تقدم في أي من المجالات المختلفة اللهم إلا أقل القليل منها. ما دعاني إلي الكتابة حول هذه القضية التي لم نجد لها حلا مناسبا حتي الآن هو ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطابه إلي الأمة في ذكري ثورة يوليو 1952 من ان الدولة الناجحة والمتقدمة حققت هذا النجاح وذلك التقدم لأن لديها منظومة تفرز الأكفاء وتدفع بهم إلي مواقع القيادة. وأعرب رئيس الجمهورية عن رغبته في اختيار الأكفاء فقط في الفريق الرئاسي وفي حركة المحافظين القادمة. وبالفعل فنحن فاشلون في أغلب الأحيان في اختيار القيادات التي تتولي المسئولية في مختلف القطاعات تحكمنا في عملية الاختيار اعتبارات كثيرة منها شخصية ومنها قلة خبرة ومنها سوء اختيار ومنها عدم وجود رغبة حقيقية في اصلاح أحوال مؤسسات الدولة. وعندما تتم عملية الاختيار من جانب من ليس لديهم علم أو دراية ولا يختارون بتجرد كامل طبقاً لمعيار الكفاءة فقط فإن النتيجة لابد وانها سيئة ونستمر في دوامة الفشل وخيبة الأمل مرة بعد أخري. الأعجب والأغرب عندما يتولي مسئول ما موقع القيادة في مكان ما مؤسسة أو شركة أو وزارة أو هيئة فإنه يسارع بإحضار رجاله ليوليهم أغلب المسئوليات ويسند إليهم كافة المهام وكأنه لا يوجد غيرهم قادرون علي العمل بصورة أكثر كفاءة ومقدرة ورجال المسئول هنا يشملون اصدقاءه واصحابه وأحباءه ومن يستظرف دمهم ومن يكثر من الرياء والنفاق وتكون النتيجة بالطبع صفرا كبيرا فهذا المسئول لن يستطيع أن يحقق النجاح المأمول طالما اعتمد علي أهل الثقة واصدقاء السوء الذين غالبا يزينون له الأمور بشكل غير حقيقي وأن كل الأعمال علي ما يرام وهو للأسف يصدق حتي يفيق يوما علي صدمة عمره ويكتشف ان من حولهم من الأصدقاء خدعوه وغرروا به وساقوه إلي السقوط المدوي. وإذا كانت الدول المتقدمة قد أوجدت منظومة حقيقية لفرز الأكفاء وتسليمهم القيادة وهي طريقة ناجحة للغاية أتت بنتائج باهرة في تلك الدول فلماذا لا نتبع نفس الطريقة خاصة اننا ندخل مرحلة جديدة تحمل أفكارا متعددة يمكن أن نهتم فيها بجانب الاختيار المناسب للمسئولين. وإذا كان رئيس الجمهورية حريصا علي اختيار الأكفاء لمناصب المحافظين وكذا الفريق الرئاسي فهو يقدم القدوة والمثل في هذا الأمر لكن لا يكفي ذلك بل عليه وعلي الحكومة تعميم هذا المفهوم في حسن الاختيار والتدقيق جيدا قبل اعطاء الثقة لواحد من الناس ليتولي منصبا رفيعا أو حتي منصبا عاديا لأن ذلك كله سينعكس بالتأكيد علي كيفية ادارته للعمل والاعتماد بالتالي علي الأكفاء ممن يعملون تحت رئاسته ولينحي جانب الأصدقاء والأحباب. وإذا أحسنت أجهزة الدولة اختيار قيادات العمل الوطني في مختلف المجالات فإننا يمكن بذلك أن نقضي تدريجياً علي الفساد الذي استشري حاليا وبشكل مخيف وأصبح أكثر إجراماً وتوحشاً. ليست ثورتا يناير و30 يونيو مجرد شعارات أطلقها الناس في الميادين وعادوا إلي منازلهم يجب احداث ثورة حقيقية في كافة مناحي الحياة وطريقة العمل والأداء وعملية اختيار المسئولين. لن ينصلح حال الوطن إذا توقفنا مكاننا وكلنا ليس بالإمكان أحسن مما كان وهذا هو الحال لم يتغير منذ عهد مبارك.. لا وألف لا. الجزم والشدة مطلوبة من أجهزة الدولة المعنية ولكن بدون غلو أو ظلم لأحد.. المخطئ لابد أن ينال عقابه وفي أسرع وقت حتي يكون عبرة للآخرين والمجتهد ينال جزاءه أيضا من التقدير والقرارات الحكومية التي تتخذ لابد أن تنفذ بدقة وطوال الوقت وليس ليوم واحد فقط. لم يعجبني عودة الباعة الجائلين إلي مواقعهم في شوارع وميادين القاهرةوالجيزة والمحافظات الأخري.. أين هيبة الدولة؟ وأين قرارات إزالة هذه المظاهر السيئة من شوارعنا؟.. هجروا أماكنهم لعدة أيام ثم عادوا من جديد وكأن شيئا لم يكن. توقف بعض المحافظين عن العمل بعد أن تأكدوا انهم باقون في مواقعهم ولن ينالهم التغيير في حركة المحافظين القادمة.. ولم نعد نراهم يجوبون الشوارع ويأمرون بإزالة المخالفات. محافظ الجيزة الدكتور علي عبدالرحمن أحد هؤلاء الذي استكان في مكتبه ولم نعد نراه وعادت شوارع الجيزة إلي حالتها السابقة من الفوضي والإهمال. لو الأمر بيدي لأحدثت تغييرا جذريا في كل المحافظين وأحضرت بدلا منهم رجالاً أكفاء قادرين علي العمل الدائم بلا كلل أو ملل.. لكن هيهات!!