دخلت تايلاند مرحلة من عدم الاستقرار السياسي منذ الإطاحة برئيس الوزراء الأسبق "تاكسين شيناوترا" بانقلاب عسكري سنة ..2006 حيث تشكل الأزمة الحالية فصلاً جديداً من فصول النزاع حول من يحكم تايلاند. بين نخبة محافظة تتركز في العاصمة بانكوك والمناطق الجنوبية غير المسلمة ممثلة في أصحاب القمصان الصفراء. وبين أصحاب القمصان الحمراء الذين يمثلون مصالح طبقة المزارعين المنحدرين من المناطق الشمالية والشمالية الشرقية الموالية لتاكسين سيناوترا. بدأت الأزمة الحالية في نوفمبر الماضي عندما تقدمت حكومة بنجلوك شيناواترا بمشروع قانون العفو الذي رأت فيه المعارضة أنه يمهد لعودة شقيقها تاكسين الذي يعيش في منفي اختياري ومحكوم عليه غيابياً بتهم تتعلق بالفساد.. وبالرغم من تراجع الحكومة عن مشروع القانون فإن المعارضة التي آثارها تحولت إلي احتجاجات واسعة ضد الحكومة. تتزغم اللجنة الشعبية للإصلاح الديمقراطي "التحالف الديمقراطي الشعبي سابقا" الاحتجاجات الحالية حيث يطالب المعارضون لحكومة ينجلوك باستقالة الحكومة الحالية وتعويضها بمجلس شعبي غير منتخب يشرف علي إدخال إصلاحات سياسية وتطهير الإدارات الحكومية السياسية من أنصار تاكسين قبل إجراء أي انتخابات. لم تستجب رئيسة الحكومة لمطالب المعارضة بالتنحي متعللة بأن حكومتها جاءت عبر صناديق الاقتراع ولا يمكن أن تذهب إلا عبرها. وبعد تزايد حدة الاحتجاجات وسيطرة المعارضين علي عدة مكاتب حكومية. تم حل البرلمان ونظمت انتخابات سابقة لأوانها وسط مقاطعة المعارضين ومحاصرتهم لمكاتب التصويت مما اضطرت معه حكومة تصريف الأعمال إلي الإعلان عن تنظيم انتخابات تكميلية. في المناطق التي لم يتم فيها الاقتراع. غير أن الأزمة الحالية ليست إلا فصلاً من فصول مسلسل سياسي بدأ قبل حوالي ثماني سنوات ومازالت تايلاند تواجه تداعياته المتواصلة.. ففي أواخر سنة 2005 بدأ التحالف الشعبي مظاهرات كبيرة ضد تاكسين متهمين إياه بالفساد والعمل علي تقويض عمل المؤسسة التشريعية والمؤسسة القضائية وتركيز السلطات في يد رئيس الوزراء. وانتهت الاحتجاجات بتدخل عسكري في 19 سبتمبر .2006 وفي عام 2007. نظمت انتخابات فاز بها حزب سلطة الشعب الموالي لتاكسين. وفي ديسمبر 2008 نزل أصحاب القمصان الصفراء إلي الشارع من جديد لتنتهي الاحتجاجات ضد الحكومة بعزل رئيس الوزراء سومشاي وونجساوات وحل حزب قوة الشعب بعد أن حكمت المحكمة الدستورية بمخالفة الحزب للقوانين الانتخابية.. وبعد ذلك شكل أبهيسيت فيجاجيفا ائتلافاً حكومياً بقيادة الحزب الديمقراطي. في مارس 2010. بدأت الجبهة الديمقراطية الموحدة ضد الديكتاتورية أو أصحاب القمصان الحمراء والتي تضم الموالين ل "شيناوترا" من أبناء المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية الفقيرة. في تنظيم احتجاجات موسعة تطالب فيجاجيفا بالرحيل وتنظيم انتخابات جديدة.. استمرت الاحتجاجات لثلاثة شهور حتي تدخلت قوات الأمن لفض اعتصام لومبيني بارك. وفي عام 2011. نُظمت انتخابات فاز بها حزب "بويا تاي" الموالي ل "تاكسين" وأصبحت أخته "ينجلوك" رئيسة للوزراء. في التاسع من ديسمبر 2013 حلت ينجلوك البرلمان ودعت إلي انتخابات سابقة لأوانها. لمواجهة الاحتجاجات المتزايدة من أصحاب القمصان الصفراء. وكان آخر أحداث الأزمة في الثاني من شهر فبراير 2014 إذ تم تنظيم انتخابات وسط مقاطعة الحزب الديمقراطي المعارض. وإعاقة الاقتراع في بعض المناطق من طرف أصحاب القمصان الصفراء. تشير التوقعات إلي أن حزب "بويا تاي" سيفوز بأغلبية ساحقة. غير أن الفوز لن يغير شيئاً من واقع الأزمة الحالية. وقد تأخذ الأمور أحد السيناريوهات الآتية. أما إقالة الحكومة بمقرر قضائي. وهو إعادة محضة لسيناريو ..2008 فبعد نجاح ينجلوك أقرت برنامجاً لمساعدة الفلاحين عبر شراء أرزهم بسعر يفوق سعر السوق الحقيقي ثم بيعه بعد ذلك في الأسواق العالمية. لكن البرنامج تسبب في خسائر كبيرة واضطرت الحكومة لتخفيض سعر الشراء. ولم تستطع دفع مستحقات الفلاحين "4 مليارات" لتزداد مشاكلها بعدما اضطر الفلاحون لتنظيم احتجاجات. وبالتالي تعميق الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد. واعتبرت المعارضة أن البرنامج يزيد من حدة الانقسام الاجتماعي والسياسي الذي يعرفه البلد لأنه يستهدف الطبقة الفقيرة المقيمة في مناطق الشمال والشمال الشرقي الموالية لينجلوك. والاختيار الثاني لحل الأزمة هو تدخل الجيش. وهو نسخة مطابقة لسيناريو ..2006 فعلي الرغم من أن الجيش نأي بنفسه عن الأزمة الحالية وكرر مراراً أنه يقف موقفاً محايداً. وعرضت القنوات التليفزيونية صوراً لقادة الجيش وهم يدلون بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة ما طمأن أنصار ينجلوك. ويري بعض المراقبين أن إحجام الجيش عن التدخل هذه المرة يعود لأسباب متعددة. أولها أن الجيش يعي جيداً أن تدخله سيزيد الطين بلة. لأن أنصار ينجلوك سيرون في ذلك انتصاراً للطرف الآخر. خصوصاً وأن الحزب الديمقراطي وحلفاءه لا يملكون أجندات سياسية واضحة. ويعرفون أن احتمال نجاحهم في الانتخابات منخفض جداً. لذا يحاولون دفع الجيش إلي واجهة الحدث السياسي.. لذا عرض الجيش وساطته علي الطرفين. وقد يتخذ قراراً بالتدخل في حال استمرار الاحتقان الحالي وانجرار البلاد إلي مزيد من الفوضي بشكل قد يهدد وحدتها. وقد يكون الحل الأخير هو تشكيل حكومة مستقلة تضم جميع الأطياف. وهو حل مشابه لما يطالب به أصحاب القمصان الصفراء. وتبقي إمكانية تحقق هذا السيناريو ضعيفة جداً.