** يؤلمني للغاية ان يتدخل أصحاب العمامات البيضاء في الشأن السياسي بالرأي أو الفتوي. خاصة إذا كان هذا التدخل عبر بوابات المؤسسة العسكرية. فالذين يحرضون الجيش علي تغيير عقيدته القتالية أخطر بكثير من الذين يحرضون علي أعمال العنف. وعلي هؤلاء وأولئك الابتعاد عن هذه المنطقة. فالجيش المصري العظيم سوف يظل الدرع الواقية لهذه الأمة المعبرة عن ضميرها -أمس واليوم وغدا- ولن يستجيب بحال من الأحوال لأية دعاوي تحريضية أو استفزازية تؤثر بالسلب علي سلامة الأمة المصرية أو تعرض مستقبلها للخطر. ولست في حاجة الي الاشارة للخوض في تصريحات الشيخ القرضاوي والشيخ علي جمعة وكلاهما خاض في هذا المضمار إبان احتفال مصر بالذكري الأربعين لحرب الكرامة في أكتوبر عام 1973 فلا يليق بعلامة ومفكر إسلامي في قامة وقيمة الشيخ القرضاوي أن يتطاول علي جيش بلاده ويشكك في انتصاراته وعليه أن يراجع مواقفه ويتبرأ من تصريحاته تلك سواء عبر أجهزة الإعلام أو علي منبر الخطابة.. وفي المقابل فإن الشيخ علي جمعة مفتي الديار السابق ارتدي عباءة السياسيين وتخلي عن حكمة الشيوخ عندما افتي بإهدار دماء من يختلفون مع السلطة بدلا من القيام بدوره كداعية مستنير في الدعوة الي المصالحة الوطنية والحرص علي تحقيق وحدة الصف ووقف نزيف الدماء. فاذا كانت تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي تصريحات غير مسئولة وغير مقبولة شكلا وموضوعا فان فتوي الشيخ جمعة التي تستبيح الدماء تتجاوز الاعراف والقوانين وتتناقض مع الشرع والدين.. ألم ينهانا رب العالمين سبحانه وتعالي" عن حرمة سفك الدماء..؟! ** تتواكب كتابة هذه السطور مع ذكري استشهاد احد ابرز شهداء حرب اكتوبر المجيدة التي نحتفل بذكراها هذه الايام ففي مثل هذا اليوم-التاسع من اكتوبر- ومنذ أربعين سنة استشهد الضابط المصري البطل العقيد محمد محمد زرد بعد ان نجح مع رجاله البواسل في الاستيلاء علي أخر واصعب نقاط خط بارليف الحصين. فكم كان العقيد زرد فدائيا يفوق الوصف ساهم بدمائه الذكية في تسطير ملحمة اكتوبر المجيدة في أعقاب تكليفه مع ثمانية من رجاله البواسل باقتحام اخر معاقل خط بارليف المعروفة باسم النقطة "149" وبالفعل تمكن الابطال من احكام السيطرة عليها وحاصروا قوات العدو بداخلها بامتداد ثلاثة أيام حتي قرر الشهيد البطل اقتحامه بنفسه وصعد الي أعلي هذه النقطة عبر ستار كثيف من نيران العدو ثم قفز داخلها عبر إحدي فتحات التهوية وتعامل مع القوة الموجودة بها حتي حانت لحظة الشهادة حيث أمطروه بوابل من الرصاص في الوقت الذي نجح فيه رجاله في اقتحام الموقع والاستيلاء عليه. وفي الوقت الذي ارتفع فيه العلم المصري فوق النقطة المستعصية تهاوي العلم الاسرائيلي تحت اقدام المصريين. وكم كانت تلك اللحظات فارقة في ملحمة اكتوبر المجيدة حيث ارتفعت صيحات الحق "الله أكبر-الله أكبر" عبر جهاز الارسال الاسرائيلي الذي سقط حامله قبل ان يتمكن من اغلاقه وبعد ان أبلغ قادته بسقوط الموقع واستسلام افراد طاقمه. ** آخر الكلام : تتضمن لوحة الشرف الخاصة بالشهيد محمد زرد انه عاش -30- عاما منذ خروجه للحياة بقرية "تفهنا العزب" مركز السنطة بمحافظة الغربية في أكتوبر عام 1943 وحتي استشهاده في أكتوبر 1973 وما بين مولده ورحيله تخرج في الكلية الحربية عام 1966 وشارك في حروب اليمن و1967 والاستنزاف ولذا كان طبيعيا ان تكرمه مصر بوسامي الشجاعة. ونجمة سيناء من الطبقة الأولي. والي جانب قصة بطولته التي تتناقلها الاجيال سلم الشهيد الراية لابنه الوحيد "خالد زرد" الذي تخرج في الكلية الفنية العسكرية ليواصل مسيرة والده في العطاء لمصر -الجدير بالذكر أن النقطة الحصينة "149" التي اقتحمها الشهيد ورجاله هي نفس النقطة التي دمرت بمدافعها المنازل في مدينة السويس أثناء حرب الاستنزاف وقتلت المئات من النساء والشيوخ والاطفال. ولذا حرص أهل السويس علي تسمية مواليد اكتوبر باسم الشهيد "محمد زرد".. وعندما نستلهم روح أكتوبر علينا ان نستفيد من سيرة الرجال الأفذاذ أمثال المقاتل الشهيد محمد زرد فذكري الشهيد ليست دمعة تذرف علي قبره. وانما هي استخلاص لقيم ايجابية تحسب للجيش العربي المصري.