ولد البطل محمد محمد زرد فى 13أكتوبر عام 1943بقرية «تفهنا العزب» -مركز زفتى- بمحافظة الغربية, كان والده الحاج محمد أكبر أخوته الستة , وكان أسبقهم زواجا وإنجابا, مما جعل من محمد«الابن» أكبر أبناء أعمامه وأخوته, ليصبح فى موضع المسئولية, عن هؤلاء الأخوة وأبناء العم الذين يعدون بالعشرات فتحملها بجسارة، وقد أهلته هذه المسئولية أن يصبح رئيس عمليات ثان لإحدى كتائب المشاة بالجيش الثالث الميدانى , ليحقق أكبر إنجاز, بإسقاط النقطة الإسرائيلية الحصينة 149 ب «خط بارليف» قبل أن يلقى وجه ربه فى 9 أكتوبر 1973. المؤرخ العسكرى أحمد على عطية الله - ذكر فى كتابه «أسود سيناء» - أن البطل زرد بعد حصوله على الشهادة الثانوية، تقدم للالتحاق بالكلية الحربية, ولكنه لم يقبل فى تلك الدفعة, وتم قبوله فى كلية العلوم بجامعة أسيوط التى قضى بها عاما دراسيا لم ينسه عشقه للحياة العسكرية, فتقدم فى الدفعة التالية للكلية الحربية وحقق حلمه, فأظهر تفوقا رياضيا فى السباحة والعدو والرماية أكسبه تقدير مدرسيه وحب زملائه, وفى اجازاته من الكلية كان يلتقي عند مدخل قريته الأصدقاء والأقارب الذين يسعدون بصحبته, وكان لا يبخل عليهم بهداياه , فكان من النادر جدا ان يشاهده احد خارج المنزل أو داخله بمفرده. وأشار عطية الله الى أن «زرد» كان من أوائل الدفعة التى تخرجت عام 1966وكانت مكافأته من الكلية الحربية منحة دراسية الى تشيكوسلوفاكيا , ليواصل مشوار حياته العسكرية ضمن القوات المصرية العاملة باليمن لمساندة ثورتها , اذ قضى هناك قرابة العام, وبعد نكسة يونيو 1967غطت آلامها النفسية على آلام عظام فخذه الذى تعرض لإصابة فى اليمن, تلك الاصابة التى كانت سببا فى استصدار قرار من القوات المسلحة بإبعاده من الوحدات العسكرية المقاتلة, واسناد مهمة أخرى اليه وهى التدريس بمدرسة المشاة. ورغم أداء عمله على أكمل وجه إلا انه طلب من القيادة ان تسمح له بالعودة للتشكيلات المقاتلة للمشاركة فى الاستعداد لمعركة الثأر والكرامة بعد أن من الله عليه بالشفاء, وألحق البطل بوحدات المشاة فى نطاق الجيش الثالث الميدانى فى الجبهة على حافة قناة السويس مباشرة أمام النقطة الاسرائيلية 149. وأوضح عطية الله أن اجادة البطل للسباحة ولياقته البدنية وجرأته العالية كانت سببا لاسناد العديد من عمليات عبور قناة السويس اليه أثناء حرب الاستنزاف, نفذها بمفرده أوبقيادته لبعض أفراد وحدته لنصب الكمائن أو استطلاع وحدات العدو فى الضفة الشرقية أو اقتحام النقطة 149 المواجهة لوحدته , حتى بلغ عدد ماقام به من عمليات عبور ناجحة ليلا أو نهارا نحو 20 عملية قبل حرب أكتوبر, وذاع صيته فى مدينة السويس بين الأوساط المدنية والعسكريين على طول جبهة القتال, فقد كان يعود من العمليات بأحد المدافع الرشاشة التى استولى عليها من العدو أو أجهزة التليفون أو بأسير, بالاضافة الي تدمير مجنزرات العدو ومركباته التى يتركها هو وجنوده خلفهم , وكانت مكافأته لأخوته بعد نجاحهم فى المرحلة الثانوية والاعدادية اصطحابهم معه فى زيارة الى الجبهة, فتكررت زيارة أخيه أحمد وابن عمه صلاح الذى يعمل الآن أستاذا بالمركز القومى للبحوث . وعن النقطة 149 التي شيدها العدو الاسرائيلي فى خط بارليف أوضح عطية الله أن هذه النقطة شيدها العدو بعد دراسة متأنية , فقد وجد أن هذا الموقع هو الأنسب لعبور القوات المصرية اذا فكرت فى اجتياز قناة السويس, لتحكمه فى محاور رئيسية للتقدم فى سيناء الي المحور الجنوبى المتجه الى رأس سدر, والمحور المتجه شرقا الى ممرى متلا والجدى, ثم المحور الشمالى المتجه الى جنوب البحيرات والقنطرة, وشيد العدو هذه النقطة الحصينة فوق تبة مرتفعة لتشرف على قناة السويس لرصد أى تحركات للقوات المصرية عن بعد لعشرات الكيلو مترات, وتم تجهيز هذه النقطة هندسيا بما يكفل تحقيق الأمن والوقاية للقوات المحتمية بداخلها, وتنفيذ خطة نيران سليمة يضمن لها تدمير القوات المهاجمة من أى اتجاه, وتمثل ذلك فى دشم وملاجئ وخنادق خرسانية مغطاة بطبقات من كتل الأحجار, بما يسمح بتحمل أقوى دانات المدفعية وقنابل الطائرات, مع وجود أنفاق أرضية لسهولة الانتقال بينها, بالاضافة الي تجهيزات اخري , منها برج المراقبة لملاحظة أعمال قواتنا غرب القناة وأجهزة حديثة للرؤية الليلية وتنصت إلكترونية لكشف أى تحركات عبر القناة لمسافة 10كيلو مترات, وأجهزة اتصال وتوجيه للطائرات الحربية الاسرائيلية, وكميات من الامدادات الغذائية تكفى لأكثر من شهر. وعن استشهاد البطل زرد قال عطية الله: كلفت القيادة المصرية فى يوم السادس من اكتوبر السرية الأولى من كتيبة الشهيد محمد زرد بتنفيذ عملية اقتحام وتدمير النقطة الحصينة 149 التى سبق لها التدريب على تنفيذها عدة مرات قبل الحرب , وتحدد تنفيذ الساعة الثانية والثلث من يوم 6اكتوبر1973 مع بدء الضربة الجوية والتمهيد النيرانى للمدفعية, ولاقتحام النقطة ألح زرد فى السماح له بهجوم انتحارى, ومع تكرار طلبه وافقت القيادة على ذلك. كانت المسافة بين خندق زرد ورجاله والدشمة الحصينة لا تتعدى 100متر, والمنطقة مكشوفة وشديدة الخطورة, وبنى خطته على التقدم بمفرده فى منتصف المسافة ,ثم ينهض ويركض بأقصى سرعة فى اتجاه دشمة العدو لا يحمل سوى عدد قليل من القنابل اليدوية وسلاحه الشخصى «المسدس 9مم», وشق طريقه زاحفا رغم طلقات العدو المارة فوق رأسه, وعند منتصف المسافة نزع فتيل قنبلتين وألقى بهما فى اتجاه دشمة العدو فأصابته طلقات بعضها, وألقى قنبلته الأولى فى المزغل الأول, وأتبعها بالثانية, ثم اتجه نحو المزغل الذى يحول بين رجاله وبين اقتحام الموقع ويلقى بقنبلته اليدوية داخل المزغل ليسقطه الرشاش اللعين, ويهوى البطل بجسده على فتحة المزغل, وهو يضغط بكف يده على أحشائه ليعيدها الى مكانها, بعد ان أصابته دفعة رشاش كاملة أحدثت فجوة بجدار بطنه, وبعد ان صمت الرشاش الاسرائيلى ينادى البطل على رجاله اعبروا فوقى, اصعدوا الى أعلى, أكملوا عملكم, طهروا النقطة, وفى الثالثة ظهرا تم تطهيرها تماما. واختتم عطية الله حكاية البطل «زرد» قائلا: بلغ ما تكبده العدو من خلال الاستيلاء على النقطة الحصينة 149 تدمير 8 دبابات و31 قتيلا و21أسيرا وتدمير عربة نصف جنزير, وتم الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات والتعيينات من داخل النقطة بلغت حمولة 20سيارة نقل, وتم نقل البطل زرد الى الخطوط الخلفية المصرية غرب القناة , وفى مستشفى السويس فعل الأطباء كل ما فى وسعهم لإنقاذ البطل, لكن فاضت روحه الى بارئها, وتكتمت القيادة نبأ استشهاده, نظرا لشهرته الواسعة فى ذلك القطاع, ودفن البطل بمدافن الشهداء فى مدينة السويس ووفاء من القوات المسلحة لأبنائها الذين ضحوا وبذلوا دماءهم وأرواحهم فداء الوطن أطلقوا اسم الشهيد زرد على الدفعة 73 حربية التى تخرج رجالها عام 80 ,وعرفوا باسم دفعة الشهيد زرد, ليظل اسمه نبراسا متوهجا فى تاريخ مصر .