بعد الانتهاء من تصنيعه.. الاختبارات التجريبية للقطار السريع بألمانيا (فيديو)    النقل تنشر أول فيديو للقطار الكهربائي السريع أثناء اختباره في ألمانيا    مندوب مصر لدى الأمم المتحدة: الجرائم الإسرائيلية وصلت إلى حد قتل موظفي الأمم المتحدة    شاروخان يصور فيلما جديدا في مصر قريبا    الأهلي يتأهل لنهائي دوري سوبر السلة بفوز صعب على الزمالك    وزير الرياضة: توجيهات الرئيس السيسي وجهت الدفة نحو ذوي الهمم    مباحث الغربية تكشف لغز «الجثة المحترقة».. والمتهم في قبضة الأمن    في غياب حجازي| الاتفاق يزيد أوجاع اتحاد جدة بخماسية في الدوري السعودي    شهية ولذيذة.. طريقة تحضير مشروب «الكاكاو البارد»    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    أخبار كفر الشيخ اليوم.. تقلبات جوية بطقس المحافظة    عاجل.. طلب مفاجئ من الشيبي للتصالح مع الشحات.. ونجم الأهلي يرد    كيشو يتأهل إلى أولمبياد باريس 2024    نقابة المهندسين بالإسكندرية تنهي أزمة 21 مهندسا بشركة راكتا للورق    مصرع طفل وإصابة آخر فى حادثتين متفرقتين ببورسعيد    مقتل وإصابة 3 أشخاص خلال مشاجرات بالأسلحة البيضاء في بورسعيد    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور    هل حسم محمد رمضان الجدل حول «جعفر العمدة 2»؟.. رد مفاجئ من الفنان (فيديو)    إقبال من أطفال الإسماعيلية على ورش الرسم والطباعة (صور)    اعرف حظك وتوقعات الأبراج السبت 11-5-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    ختام لقاء رؤساء الكنائس الأرثوذكسية بالشرق الأوسط    فيديو.. حسام موافي يحذر من أكل الشارع بسبب الميكروب الحلزوني: مرض لعين يعيش تحت الغشاء المخاطي    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    «حماة وطن» يدشن مركز الأمل للأعمال والحرف اليدوية في الإسماعيلية    بطولة العالم للإسكواش 2024.. تأهل مازن هشام ب 3 أشواط نظيفة    فرص للسفر إلى اليونان.. اتفاق لاستقدام 5000 عامل مصري بمجال الزراعة    شهادة من البنك الأهلي المصري تمنحك 5000 جنيه شهريا    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    محافظ الغربية يتابع جهود الوحدات المحلية في زراعة أشجار مثمرة وأخرى للزينة    محافظ الغربية يشدد على تكثيف الحملات التفتيشية على الأسواق    عاجل: موعد إعلان أرقام جلوس الثانوية العامة 2024.. طرق وخطوات الحصول عليها    نقاد: «السرب» يوثق ملحمة وطنية مهمة بأعلى التقنيات الفنية.. وأكد قدرة مصر على الثأر لأبنائها    تفاصيل هجوم روسيا على شرقي أوكرانيا.. وكييف تخلي بلدات في المنطقة    "سويلم": الترتيب لإنشاء متحف ل "الري" بمبنى الوزارة في العاصمة الإدارية    آداب حلوان توجه تعليمات مهمة لطلاب الفرقة الثالثة قبل بدء الامتحانات    في زمن التحوّلات.. لبنان يواجه تحديات في الشراكة الداخليّة ودوره بالمنطقة    حسام موافي يكشف أخطر أنواع ثقب القلب    مصرع طالب سقط من القطار بسوهاج    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    حماس: تعاملنا بكل مسؤولية وإيجابية لتسهيل الوصول لاتفاق يحقق وقف دائم لإطلاق النار    مصرع فتاة خنقًا في ظروف غامضة ببني سويف    د.آمال عثمان تكتب: المتحف المصري الكبير الأحق بعرض «نفرتيتي» و«حجر رشيد» و«الزودياك»    عبدالعزيز سلامة يكتب: غريبة بين أهلها    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    البرلمان العربى: ازدواجية المعايير الدولية تدعم الاحتلال الإسرائيلى فى إبادة الفلسطينيين    بعد زواجه من الإعلامية لينا طهطاوي.. معلومات لا تعرفها عن البلوجر محمد فرج    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    السيطرة على حريق شقة سكنية بمنطقة الوراق    "علم فلسطين في جامعة جورج واشنطن".. كيف دعم طلاب الغرب أهل غزة؟    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء طلعت موسى : وقائع معركة النصر.. دقيقة بدقيقة
نشر في أكتوبر يوم 28 - 10 - 2012

فى الحلقة الماضية استعرض اللواء طلعت موسى أحد أبطال حرب أكتوبر مرحلة الاستعداد للمعركة وكيف استطاعت مصر وضع استراتيجية خداع قوية جعلت العدو الإسرائيلى يرفض تصديق المعلومات التى أبلغه بها بعض الجواسيس وتأكيدهم أن الجيش المصرى سوف يقوم بعمل عسكرى قوى على القناة لاستعادة سيناء.
ويواصل اللواء طلعت موسى فى هذه الحلقة حديث الذكريات حول تفاصيل ما تم منذ يوم 6 أكتوبر وحتى وقف إطلاق النار.
* ولكن ما هى المشكلات الرئيسية التى واجهت القوات أثناء العبور وكيف تم التغلب عليها؟
** أثناء عملية التخطيط والتحضير للمعركة تم تحديد تلك المشكلات والأساليب العلمية لكيفية التغلب عليها، ولقد كان أهم تلك المشكلات النقط القوية والمواقع الحصينة، وأسلوب التغلب عليها واقتحامها، والساتر الترابى وكيف يتم تجاوزه وخزانات النابالم التى ستحول القناة إلى نيران مشتعلة، احتياطيات العدو القريبة والتى تقوم بنجدة النقط القوية خلال الساعات الأولى من العبور.
التغلب على النقط القوية: تتكون النقط الحصينة للعدو من عدد من الأسلاك 10 - 15 نطاق بين كل نطاق والآخر حقل ألغام مضاد للدبابات وآخر مضاد للأفراد والدشمة تتكون من عدة طوابق بالدبش الأبيض يبلغ سمكه 1.5 - 2م بحيث تتحمل ضربات القنابل زنة ألف رطل وتتواجد على الهيئات المرتفعة والحاكمة فى الأرض من حولها وإمكان إطلاق النيران من مزاغل على الضفة الغربية وفى القناة وهى تتعاون مع نقطة حصينة أخرى وتتسق خطة النيران بينهما، كما أن بها من الداخل تكديسات ذخيرة وتعيينات ووسائل اتصال ومطبخ ووسائل للترفية وغرفها مكيفة الهواء..
ولاقتحام مثل هذا النوع من الدفاعات فإن الأمر يتطلب تدريبا خاصا وتحديد أنسب الأساليب لتدمير هذه النقاط والاستيلاء عليها، فكانت الخطوة الأولى، إقامة نقطة مشابهة للنقطة التى سيتم اقتحامها والقضاء عليها فى عمق دفاعاتنا، وسحب الوحدة التى سوف تهاجمها من الاتصال المباشر بالعدو للتدريب فى الخلف على ذلك الأسلوب وتحديد مهمة كل عنصر فرعى فى تنسيق وتعاون كامل.. مجموعة فتح الثغرة، دفع مجموعات الوقاية على الأجناب لعزل النقطة، دفع مجموعة الاقتحام لتنفيذ مهمتها داخل النقطة.. كل يتدرب على مهمته تماماً، وبذلك تم الارتفاع بمستوى التدريب إلى أرقى مراحله بواسطة القوات التى ستهاجم النقط القوية على طول القناة.
التغلب على الساتر الترابى.. لقد تمت مئات التجارب العديدة بأساليب ووسائل مختلفة لفتح الممرات بالساتر الترابى بالطيران والمدفعية وبالمفرقعات وباستخدام طربيد البنجلور.. ولكنها كانت مكلفة للغاية وأثناء إجراء أحد البيانات العملية فى الفرقة 19 اقترح أحد الضباط على قائد الفرقة طريقة مبتكرة جديدة لإمكانية فتح الممرات بالساتر الترابى بواسطة طلمبات المياه لتجريف الساتر الترابى وكان يستخدمها عند عمله بالسد العالى.. وشرح له الفكرة فاقتنع بها وأبلغ قائد الجيش بها الذى استدعاه واستدعى معه رئيس شعبة مهندسى الجيش وشرح لهم الفكرة فأمر بإجراء التجارب عليها فى جزيرة البلاح ثم أرسله إلى وزير الحربية الذى استمع إليه وأرسله إلى رئيس الهيئة الهندسية فاقتنع بالفكرة وأجرى التجارب العديدة عليها.. ونجحت فصار تعميمها واعتمادها كوسيلة رئيسية لفتح الممرات فى الساتر الترابى.. ولقد تم استيراد أعداد كبيرة من طلمبات المياه هذه لحساب وزارة الزراعة لاستخدامها فى رى مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية وذلك فى إطار خطة التمويه والخداع لتحقيق المفاجأة على العدو.
أما عن أسلوب التغلب على خزانات النابالم: فلقد تم دفع مجموعات من الصاعقة تحمل خلطة من الأسمنت والمواد الكيماوية فى يوم 5 أكتوبر أى قبل الهجوم بليلة.. لتسد الفتحات التى سيتم دفع النابالم منها إلى سطح القناة وإبطال عملها.. ونجحت فى ذلك ولم يتم اشتعال أية نقطة على مواجهة القناة بالكامل.
أما أسلوب ارتقاء الساتر الترابى بالمشاة: ولضمان تدفق الموجات الأولى للعبور فى الساعات الأولى فقد تم اختراع سلالم الحبال ليتسلق الجنود عليها إلى قمة الساتر الترابى ثم ينتقل مسرعاً لتنفيذ مهمته ضمن مجموعته فى العمق.
أما أسلوب صد وتعطيل احتياطيات العدو فى المراحل الأولى للهجوم: فقد تم تحميل أفراد الموجات الأولى للعبور بعدد كبير من طلقات ال RBj والقنابل اليدوية المضادة للدبابات واختراع عربة صغيرة توضع بها الذخيرة يتم دفعها للأمام.. أيضاً تحميل أفراد المشاه عدداً من طلقات المدافع ب 10، ب 11، المضادة للدبابات وكذلك دفع مجموعات اقتناص الدبابات على طرق تقدم الاحتياطيات لتدميرها ومنعها من الوصول إلى النقط القوية لحين الاستيلاء عليها.
* كان للقوات البرية دور بارز خلال حرب الاستنزاف وعقب النكسة مباشرة؟ فماذا عن دورها فى حرب أكتوبر 73؟
** عملت جميع الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة فى تناسق وتكامل وتعاون تام وأدت القوات البحرية دوراً مهما فى هذا الإطار، حيث كانت مطالبة بتدمير قوات العدو البحرية أينما وجدت وتهديد خطوط مواصلاته البحرية وحماية خطوط مواصلاتنا البحرية وفرض سيادتنا البحرية على المياه الإقليمية. ومع بدء المناورة السنوية للقوات البحرية التى تجرى كل عام فى نفس الموعد سنويا باعتبارها جزءاً من المناورة الكبرى للقوات المسلحة.. وفى هدوء وصمت تحركت الغواصات فى البحرين المتوسط والأحمر تحمل مظاريف مغلقة لقادتها بها المهمة القتالية على أن تفتح بأوامر خاصة.
فتحركك بعضها إلى البحر الأحمر تحت ستار إجراء بعض الاصلاحات الضرورية فى أحد موانى باكستان وفى البحر المتوسط تحركت مدمرة فى زيارة رسمية لميناء طرابلس بليبيا كما تحركت بعض المدمرات إلى مدخل البحر الأحمر عند باب المندب فى أقصى الطرف الجنوبى للبحر الأحمر.
ومع بدء الأعمال القتالية يوم 6 أكتوبر قامت بإغلاق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية فقطعت الاتصال البحرى وخطوط إمداد العدو مع دول آسيا ومن هذا الاتجاه. وكانت تلك العمليات مؤثرة للغاية فمن بين 200 سفينة كانت تدخل قوات إسرائيل من البحر المتوسط شهريا انخفض العدد فيما بين 6 ، 30 أكتوبر ليصبح 33 سفينة فقط بينما كان القطع تاماً فى البحر الأحمر.
كما قامت الصاعقة البحرية بالهجوم على مرسى بلاعيم ونسف حفار للبترول بها ليلة 7/8 أكتوبر ونسف مستودعات البترول فى منطقة أبو ردينة على خليج السويس فى ليلة 9/10 أكتوبر، وإغارة ناجحة على منطقة الشيخ بيثان جنوب الطور، وبتقديم كشف حساب إجمالى للقوات البحرية المصرية خلال حرب أكتوبر 1973 نجد أنها أغرقت للعدو 29 قطعة بحرية منها 7 لنشات صواريخ، وناقلة مجهزة لحمل طائرات الهليكوبتر، وناقلتا بترول متوسطة وصغيرة، وثلاث سفن.. كما أصابت سبع قطع أخرى بالإضافة إلى قصف 12 هدفاً ساحليا.
* لماذا أُلغيت مهمة المستشارين السوفييت قبل بدء الحرب؟
** لقد كانت استراتيجية الاتحاد السوفيتى فى هذا الوقت تدور حول إيجاد حل سلمى لمشكلة احتلال الأراضى العربية، كنتيجة لحرب يونيو 1967، ونتيجة لذلك لم يلب مطالبنا لتوفير الأسلحة الهجومية التى تمكننا من استعادة أراضينا المحتلة، مما جعل الرئيس أنور السادات الذى وصل طريق مسدود نحو حل المشكلة بالطرق السياسية، فاتخذ قرار الحرب بالأسلحة الدفاعية المتوافرة لدينا معتمداً على مستوى التدريب العالى والكفاءة القتالية العالية التى وصلت إليها قواتنا، والعزيمة والاصرار والروح المعنوية العالية التى يتمتع بها المقاتل المصرى.
ولثقته فى كفاءة التخطيط المصرى وحتى لا ينسب للسوفييت بعد ذلك اشتراكهم فى التخطيط أو عمليات أكتوبر 1973- قرر الاستغناء عن خدمات المستشارين السوفييت بالجيش المصرى فى 17 يوليو 1972، وكان ذلك قراراً ذكياً للسادات، حيث كان له أثره على اقناع إسرائيل التى تملّكها الغرور والصلف بأننا لا يمكن أن نبدأ الحرب، حيث إننا لا نملك القدرة على التخطيط العلمى السليم ولا يوجد لدنيا السلاح الهجومى الذى يمكننا من التفكير فى الهجوم، وجميع الحسابات والمقارنات تؤكد ذلك.. وبالطبع ساهم ذلك بدرجة كبيرة فى إخفاء الهجوم وخطة الخداع الاستراتيجى على مستوى الدولة بالكامل.
أما عن أثر هذا القرار على الولايات المتحدة الأمريكية، فلقد جاء هذا القرار ليحقق أحد أهدافها فى المنطقة، حيث كانت تنظر لوجود المستشارين السوفييت فى مصر على أنه امتداد وتوسع للوجود السوفيتى بالمنطقة.
* لعب الإعلام دوراً كبيراً فى الإعداد الحرب فى 1973 حيث اكتسب مصداقية كبيرة فى مواجهة الإعلام الإسرائيلى، فهل لك أن تلقى الضوء على ذلك؟
** كان للإعلام المصرى دور رائد واستوعب الدروس المستفادة من الإعلام قبل النكسة عام 1967، حيث عمل على استعادة ثقة الشعب بقدرة قواته المسلحة على تحقيق النصر، وتحقيق الالتحام بين الشعب وقواته المسلحة.
وتحويل الشعب إلى قوة مؤثرة لدعم القوات المسلحة، وتعبئة الرأى العام وحشده لمساندة القيادة السياسية.. وتعريف المواطنين بتعمليات الدفاع المدنى والتوعية بأنماط السلوك المناسبة للمعركة، والعمل على إقناع الرأى العام الإقليمى والدولى بعدالة الموقف المصرى.
ومع بدء معركة أكتوبر ونظراً للانتصارات الساحقة التى حققتها قواتنا المسلحة فقد ركزت وسائل الإعلام الدولية على ما تحقق خلال المفاجأة العسكرية وسرية التخطيط والتنفيذ والشجاعة القتالية وانجاز العبور والإصرار على تحقيق النصر. ولأول مرة أظهر الإعلام الغربى إسرائيل بصورة الفاقد للثقة والذى يسعى لطلب المساعدة من الأطراف الأخرى.
ولقد كان للموضوعية والصدق أكبر الأثر على إجبار وسائل الإعلام الغربى بذكر حقيقة ما يجرى على أرض المعركة، حيث اعتمد الإعلام المصرى على إيضاح متناقضات وأكاذيب الإعلام المعادى، وتأكيد صدق ما يقدمه هو بواسطة عرض الحقائق والصور واستطاع أن ينجح فى ذلك ويجعل الإعلام العالمى شاهداً وحاكماً.
كما يشهد على ذلك أيضاً ما جاء على لسان الجنرال الإسرائيلى حاييم هرتزوج بقوله: «إن مصر تستخدم تكتيكا جديدا فى الحرب يفوق أسلوب الكوماندوز.. وإن القوات المصرية الخاصة دخلت سيناء من كل مكان ومن كل اتجاه وبكل الوسائل».
* كيف ومتى عرفت بتوقيت بدء الحرب؟
** كنت رئيسا لعمليات كتيبة مشاه ميكانيكى تعمل فى النسق الثانى للجيش الثالث الميدانى، وطبقا لبرنامج التدريب اليومى، كانت الكتيبة مصطفة فى الطابور الصباحى الساعة الثانية لإجراء طابور اللياقة البدنية، وإذا بقائد الكتيبة يبلغنى بجمع ضباط الكتيبة فى ميس الضباط الساعة التاسعة، حيث مؤتمر مع قائد الفرقة، فأبلغت الضباط بسرعة تبديل ملابس اللياقة البدنية، وارتداء الأفرول والتواجد فى الميس الساعة التاسعة إلا الربع.
وفى الساعة التاسعة حضر قائد الفرقة، وقال لنا: «مبروك يا رجالة الساعة التى نتمناها منذ سنوات قد جاءت، سنحارب اليوم سنحرر سيناء، اضبطوا ساعاتكم على ساعة جامعة القاهرة الساعة 12 ظهرا، ستعبر الطائرات من فوقكم الساعة الثانية إلا خمس دقائق، الضربة الجوية ستكون الساعة 1400، وسيعقبها التمهيد النيرانى بالمدفعية لمدة 53 دقيقة، وسنبدأ موجات العبور الساعة 1420، يتواجد جميع القادة فى مراكز قياداتهم الساعة 1330، استعدوا يا رجالة، وألف مبروك ونتقابل فى سيناء بإذن الله»، ثم صافح جميع ضباط الكتيبة، وانصرف مسرعا إلى كتيبة أخرى ليقول لضباطها نفس التلقين.
وبمجرد انصراف قائد الفرقة تعانق جميع ضباط الكتيبة مهنئين بعضهم البعض فرحين بالتحول من حالة الدفاع واللاسلم واللاحرب التى استمرت لأكثر من ست سنوات إلى الهجوم.. ولأول مرة.. ثم تم إصدار التعليمات برفع درجة الاستعداد إلى الحالة الكاملة والاستعداد للتحرك فى التوقيت المحدد طبقا للخطة.
وانصرف كل قائد ليعطى نفس التلقين للصف والجنود ويعدهم للقتال، ولقد تم تعريفنا فى الكتيبة بالتوقيتات الحقيقية للهجوم فى إطار سرية التخطيط التى أحيطت بها الخطة «جرانيت 2 المعدلة» والتى كانت تنص على أن كل مستوى من القيادات يعرف بالتحول إلى الخطة العملية، فعلى سبيل المثال يتم تعريف قادة الجيوش والمناطق قبل بدء العملية ب 48 ساعة، وقادة الفرق قبلها ب 24 ساعة، وقادة اللواءات قبلها ب 12 ساعة، وأخيرا قادة الكتائب قبلها ب 6 ساعات فقط، كان لذلك أثره الكبير فى تحقيق المفاجأة الكاملة للعدو.
ساعة الصفر
* كيف انطلقت «ساعة الصفر» الساعة الثانية ظهر 6 أكتوبر فى وحدتك؟
** عندما جاءت الساعة الواحدة والنصف انتشرت الكتيبة فى منطقة الانتشار واحتل الجنود الحفر البرميلية المخصصة لكل فرد، وذلك لتحقيق الوقاية وتقليل الخسائر عند هجوم العدو الجوى، وقمت باحتلال نقطة الملاحظة الخاصة بى ومعى سجل سير الحوادث للكتيبة، والتليفون المتصل بقيادة اللواء لتلقى البلاغات من الرئاسة الأعلى.
وما أن جاءت الساعة الثانية إلا خمس دقائق حتى عبرت من فوق رءوسنا طائرتان ميج 17 متجهتين فى اتجاه الشرق نحو الضفة الشرقية للقناة، وما أن عبرت من فوقنا حتى فوجئت بأفراد الكتيبة يخرجون من الحفر البرميلية ويقفزون لأعلى فى الهواء صائحين «الله أكبر.. الله أكبر» ربنا معاكم.. تروحوا وتيجوا بالسلامة، منتظرينكم، ولتحقيق الوقاية لأفراد الكتيبة أمرتهم بالنزول مرة أخرى داخل الحفر البرميلية فى منطقة الانتشار لحين صدور أوامر أخرى.
ومرت عشر دقائق ونحن نتطلع إلى السماء مهللين مكبرين داعين الله عودة نسورنا سالمين.. وفى الساعة الثانية وخمس دقائق شاهدنا نفس الطائرتين ال ميج 17 قادمتين علينا من اتجاه الشرق إلى الغرب بعد تنفيذ المهمة، فإذا بالمشهد نفسه يتكرر ويخرج الجنود من حفرهم البرميلية مهللين مكبرين «الله أكبر.. الله أكبر.. الحمد لله.. الحمد لله» وكانت معنوياتهم فى السماء.. وكم تمنينا جميعا أن نكون ضمن قوات النسق الأول لننال شرف القتال مع قوات النسق الأول فى هذه اللحظة..
وبعد عشر دقائق أخرى الساعة 2.15 وأنا فى نقطة الملاحظة دق جرس التليفون، المتحدث منوب عمليات اللواء إشارة.. «عودة مكرم سالما بعد تنفيذ المهمة» ومكرم هذا هو الاسم الكودى للضربة الجوية، فسجلت الإشارة فى سجل سير الحوادث، وأبلغتها إلى جميع سرايا الكتيبة، فحمدنا الله تعالى وهنأنا بعضنا بالتليفون واستمر كل فى مكانه طبقا للتعليمات.
* وكيف بدأ الهجوم على خط الجبهة؟
** فى الساعة الثانية بعد الظهر انطلقت 200 طائرة تشق عنان السماء إلى سيناء لتنفذ بمهارة الضربة الجوية المركزة لتصب جم نيرانها على الأهداف المخصصة لها وهى: 3 مطارات وقواعد جوية، و10 مواقع صواريخ هوك، 3 مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة الكترونية، 2 موقع مدفعية بعيدة المدى، 3 مناطق شئون إدارية، عدد من محطات الرادار، كافة حصون العدو شرق بور فؤاد.
وفى نفس اللحظة هدرت نيران أكثر من 2000 مدفع على طول جبهة القناة فى أكبر تمهيد نيرانى لعملية هجومية يشهده التاريخ لمدة 53 دقيقة بمعدل 175 طلقة فى الثانية.
ثم بدأت فى الساعة الثانية والثلث موجات عبور قوات فرق النسق الأول ليتم الإعلان عن سقوط أول نقطة قوية للعدو ورفع العلم المصرى عليها فى قطاع الفرقة السابعة فى الساعة الثانية والنصف.
وبدأت أيضا قوات المهندسين فى نفس اللحظة الساعة الثانية بدء أعمال فتح الثغرات والممرات فى الساتر الترابى وإنشاء الكبارى والمعديات للانتهاء منها قبل آخر ضوء لعبور الدبابات وباقى القوات عليها.
وفى أقل من 6 ساعات وتحديدا فى الساعة 1930 أتمت فرق النسق الأول الخمس المشاة وقوات قطاع بورسعيد اقتحام قناة السويس على مواجهة 170كم بقوة 80 ألف جندى من أعز أبناء مصر.
* كيف تحققت المهام المباشرة للجيوش الميدانية والاستيلاء على رءوس الكبارى على الضفة الشرقية وتثبيتها؟
** فى الساعة 1420 بدأت الموجات الأولى للعبور بعد الضربة الجوية وبدأت نيران المدفعية وبعد عدة دقائق وضع ثمانية آلاف جندى أقدامهم على الضفة الشرقية، واقتحموا النقط القوية بالمواجهة ودمروا تحصيناتها، وتم صد وتدمير هجمات العدو المضادة المحلية، وقبل آخر ضوء ذلك اليوم عبر عشرات من طائرات الهليكوبتر المصرية تحمل قوات الصاعقة صوب أهدافها المخصصة لها على طول المواجهة لأعماق تصل 30 -40كم وبدأت تنفيذ مهامها المحددة لتعطيل احتياطيات العدو التعبوية من الوصول لأرض المعركة.
وقبل بزوغ اليوم التالى كانت قواتنا قد عززت مواقعها شرق القناة بأعداد كبيرة من المدرعات والمدفعية والأسلحة الثقيلة، ونجحت قواتنا خلال السابع من أكتوبر فى تعميق رءوس الكبارى حتى 8 كم شرقا، كما قامت القوات الجوية بمعاونة قوات الجيشين الثانى والثالث الميدانيين فى صد الهجمات المضادة لاحتياطيات العدو المحلية والقريبة والتكتيكية والتعبوية التى أطلقها العدو خلال ليلة 6 أكتوبر وطيلة نهار 7 أكتوبر من اتجاهات عدة، وبقوات مختلفة بلغ إجمالها ثلاثة ألوية مدرعة، وتم تحرير مدينة القنطرة شرق قبل منتصف ليلة 7 أكتوبر، وبنهاية اليوم الثامن من أكتوبر تمكنت الفرق الخمس من إنشاء رءوس الكبارى المقررة بعمق 8 -10كم، وفى التاسع من أكتوبر قامت الفرق الخمس بتوسيع رءوس الكبارى المحددة لها ونجحت فى صد وتدمير هجمات العدو المضادة المركزة وتوحيد رءوس الكبارى للفرق لتشكل رأس كوبرى واحد على مستوى الجيش بعمق 10 -12كم.
وقام العدو بأكثر من عشر هجمات مضادة قوية على جميع رءوس الكبارى ليلة 6 أكتوبر، تم صدها جميعا وكانت المدفيعة تبدأ فى التعامل مع الألوية المدرعة المقاربة بمجرد دخولها فى مرمى أسلحتها، وحشد النيران على أرتال دبابات العدو، فارتبكت أرتالها وأنزلت بها خسائر كبيرة وكرر الهجمات خلال ليلة 8 و9 أكتوبر، ولكنها فشلت جميعا.
وعن الصاعقة فى هذه المرحلة فقد كانت أول من قهرت الساتر الترابى العالى فتسلقته بالحبال وبالأظافر والأنياب، واستولوا على المصاطب التى أعدها العدو لدباباته، وقامت بوضع الألغام فيها، ثم اندفعت جماعات منهم إلى الشرق لإقامة الكمائن لاقتناص دبابات العدو التى تحاول الاقتراب من الساتر الترابى.
وفى عمق سيناء قاتلت قتالا مستميتا على الطرق والمضايق ضد مدرعات العدو التى حاولت الاقتراب لإجهاض عملية العبور، فواجهت دبابات العدو بأسلحتهما الخفيفة المضادة للدبابات وقنابلهم اليدوية، وألقوا بأنفسهم على طريقة تقدم العدو، وعلى ظهورهم الألغام المضادة للدبابات كى تنفجر فوق أجسادهم مدرعات العدو، وتركوا على رمال سيناء بصمة شريفة تشهد بأن هذه البقعة أو تلك قد استشهد فوقها فدائى شهم من رجال الصاعقة قدم حياته فداء زميله لكى ينجح العبور ويتحقق الأمل المنشود.
وخلال تلك الفترة قام المهندسون بإنشاء عشرة كبارى ثقيلة وعشرة كبارى مشاه، وعدد كبير من المعديات مما أتاح لدباباتنا ومعداتنا وأسلحتنا الثقيلة أن تعبر القناة وتصل إلى رءوس الكبارى فى الوقت المناسب.
ويواصل اللواء طلعت موسى فى العدد القادم حديثه حول الثغرة
* لماذا توقفت القوات فى يوم 10 أكتوبر؟.. ولماذا لم تستكمل تطوير الهجوم شرقا؟
** قامت تشكيلات الجيوش الميدانية بصد العشرات من الهجمات المضادة للعدو فى محاولة لاختراقها أو الالتفاف حولها أو تطويقها، ونظرا للخسائر الفادحة التى تحققت لديه فى الأيام الأولى للقتال أكثر من 200 دبابة.. فقد اتصلت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يوم 8 أكتوبر وهى تصرخ: «أنقذوا إسرائيل»، فما كان إلا أن بدأ الإمداد الأمريكى بالدبابات والمعدات التى تم تدميرها عن طريق الجسر الجوى من أمريكا إلى مطار العريش إلى ميدان المعركة مباشرة.. ولقد تم أسر دبابات للعدو يشير عداد المسافة بها إلى قطع حوالى 150 كم وهى المسافة من مطار العريش إلى ميدان المعركة.
ولذلك كان للوقفة التعبوية لمدة أربعة أيام أهداف تعبوية مهمة لصالح قواتنا أستطيع أن ألخصها فى الآتى:
1- ضمان ثبات وتعزيز رءوس الكبارى عن طريق استكمال أعمال التجهيز الهندسى لتوفير الوقاية للقوات ولتكون قاعدة قوية للتطوير بعد ذلك.
2- انتقال عناصر وحدات الدفاع الجوى إلى شرق القناة وإجراء التجهيز الهندسى الملائم لها لتوفير الحماية لقواتنا أثناء أعمال القتال.
3- ضمان تحقيق الاتزان الاستراتيجى فى المسرح بفضل وجود الانساق الثانية للجيوش الميدانية واحتياطيات القيادة العامة غرب القناة.
4- إعادة تنظيم وتجميع القوات فى رءوس الكبارى والاستكمال الإدارى والفنى بالاحتياجات.
* وكيف تم تطوير الهجوم فى 14 أكتوبر؟
** ظهر من سير أعمال القتال فى المرحلة الأولى للعملية الهجومية الاستراتيجية أن العدو يركز جهوده الرئيسية لإيقاف هجوم القوات بصورة مباشرة، ولهذا ركزت إسرائيل مجهودها الرئيسى ودفعت جزءا كبيرا من احتياطياتها التعبوية والاستراتيجية نحو الجبهة السورية، حيث اضمحلت هجمات العدو المضادة وتحولت بعض قواته لتجهيز خطوط دفاعية جديدة إلى الشرق من رءوس الكبارى بعيدا عن قواتنا، ولإحباط مخطط العدو قررت القيادة المصرية إجبار العدو على نقل جهوده صوب سيناء لتخفيف الضغط على سوريا، ولإجبار العدو على المناورة تقرر التعجيل بقيام القوات المصرية بالضغط شرقا على العدو فى سيناء.
وتلخصت فكرة عملية التطوير يوم 14 أكتوبر فى دفع أربعة مفارز مدرعة ميكانيكية على المحاور الرئيسية الأربعة فى سيناء: بقوة لواء مدرعة وكتيبة مشاه ميكانيكية فى اتجاه ممر متلا الجبلى، وبقوة لواء ميكانيكى فى اتجاه ممر الجدى، وبقوة 2 لواء مدرع فى اتجاه المحور الأوسط، وبقوة لواء مدرع فى اتجاه المحور الساحلى، وتعرضت خلال تقدمها إلى ستائر الصواريخ المضادة للدبابات التى وصلت حديثا من الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن المفارز تمكنت من التوغل لمسافة 12 -15كم وأوقعت به خسائر كبيرة، واحتلت بعض مواقعه، ورجحت كفة قواتنا فأسرع بتحويل جهد قواته الجوية من الجولان إلى سيناء.
وبنهاية اليوم وبعد التأكد من أن العدو قد تحول باهتماماته وقدراته نحو الجبهة المصرية مما خفف الضغط كثيرا على الجبهة السورية، وبمجرد أن تأكدت القيادة العامة من أن العدو يحول قوات برية جديدة من عمق إسرائيل إلى جبهة سيناء، قدرت بأن التطوير شرقا قد حقق أهدافه، فأصدرت أوامرها بعودة المفارز إلى داخل رءوس الكبارى.. لإعادة تنظيمها وتقويتها.
* تمكنت القوات الإسرائيلية من العبور إلى غرب القناة.. فيما أطلق عليه بالثغرة.. فكيف كانت بداية هذا العمل؟.. وما حجمه الحقيقى من وجهة النظر العسكرية؟
** تأكدت القيادة العامة المصرية من عزم العدو على شن الهجمات والضربات المضادة يوم 15 أكتوبر، حيث لاحظت أنه حشد ستة ألوية مدرعة واثنين لواء ميكانيكى فى مواجهة رءوس الكبارى.
واعتبارا من النصف الثانى من يوم 15 أكتوبر نشط فىتوجيه الضربات المضادة ضد رءوس الكبارى جميعا وركز جهوده على الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى ثم توالت هجماته الليلية بوتيرة عالية بهدف الاستيلاء على جزء من الضفة الشرقية للقناة لإنشاء المعابر اللازمة لنقل جزء من قواته إلى الضفة الغربية، ولم ينجح إلا فى دفع بعض العناصر الأمامية لمسافة 2 -3كم، وتمكن تحت ستر الهجمات المضادة الليلية من أن يدفع بقوات صغيرة لا يتجاوز حجمها سرية دبابات وسرية مشاه ميكانيكية، تسللت تحت ستر الظلام إلى مطار الدفرسوار المهجور، واختبأت داخل الأشجار تحت الأحراش الكيفة فى تلك المنطقة..
وفى نفس الوقت دفع بأكثر من أربعة لواءات مدرعة حوالى 400 -450 دبابة للقيام بهجمات مضادة على نفس الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى، وذلك طوال الفترة من 15- 19 أكتوبر حتى تمكن من دفع اللواء 16 مشاه الجانب الأيمن للفرقة 16ش نحو الشمال، ولم ينجح فى أى هجوم مضاد ضد أى من رءوس الكبارى الأخرى.
وخلال هذه المرحلة توالت إشارات القادة الإسرائيليين- التى تمكنت أجهزتنا من التقاطها- تطلب الإذن بتأجيل تنفيذ المهام لفداحة الخسائر وخطورة الموقف.. وعنف النيران المصرية التى تسد فى وجوههم كل طرق الاقتراب إلى القناة.
ولعلم العدو بقرب صدور قرار وقف إطلاق النار فلقد قرر الاستمرار فى المغامرة رغم ما لحق به من خسائر، فاستمر يعزز قواته تدريجيا فى الغرب، وطوال تلك الفترة لم يتمكن من تعديه سوى لواء مدرع واحد استغل بقاياه الممزقة من جحيم المدفعية المصرية فى عمل الكمائن حول الدفرسوار وتشكيل الدوريات الصغيرة 1-2 للتسلل إلى مواقع الصواريخ المضادة للطائرات لإخلال نظام الدفاع الجوى، وكانت المساحة التى يحتلها يوم 22 أكتوبر وهو يوم صدور قرار وقف إطلاق النار رقم 338 لا تتعدى 40كم غرب القناة.
وعلى امتداد تلك الفترة قامت بعض القوات المصرية من المشاه والدبابات الموجودة على الضفة الغربية وبعض احتياطيات القيادة العامة من عناصر الصاعقة والمظلات بالهجوم على قوات العدو المتسللة لحصرها وتدميرها وأنزلت بها خسائر ثقيلة، وكان الجنرال أندريه بوفر المدير السابق للمركز الاستراتيجى الفرنسى أول من أطلق عليه اسم «المعركة التليفزيونية».
* لماذا ركز العدو على فتح الثغرة من الدفرسوار بالذات؟.. ولماذا اختار لها هذا التوقيت؟
** لقد تم التخطيط لعمل الثغرة منذ عام 1970 عندما كان الجنرال شارون قائدا للمنطقة الجنوبية، ووضع فىتصوره أنه يمكن له أن يعبر ويطوق ويحاصر مدينة بورسعيد شمالا.. وخرج من الخدمة وعمل فى الحقل المدنى.. ولكن تم استدعاؤه مع قيام الحرب فى أكتوبر 1973 وأوكل إليه قيادة مجموعة عمليات.. ودفعه ليعمل تحت قيادة الجنرال جونين قائد المنطقة الجنوبية الأحدث منه تحت ضغط الهجوم المصرى، مما كان له الأثر الكبير فى المشكلات الكثيرة داخل القيادة الإسرائيلية على الجبهة المصرية وكان شارون هو قائد مجموعة العمليات التى كلفت بالضغط على الجانب الأكبر للفرقة 16 فى المزرعة الصينية فى اتجاه الدفرسوار وكان يهمه كثيرا أن ينفذ خطته التى أعدها عام 1970.
من ناحية أخرى قامت طائرة الاستطلاع الأمريكية يوم 13 أكتوبر باختراق سماء مصر قادمة من الشمال.. من الإسكندرية إلى القاهرة إلى أسوان والعودة إلى القاهرة فى اتجاه الإسماعيلية ثم فى اتجاه سيناء على ارتفاع 25 كم خارج مدى نيران وسائل الدفاع المصرية، وأرسلت نتائج التصوير إلى القيادة الإسرائيلية مباشرة حيث أوضحت أوضاع القوات المصرية فى الجبهة شرق وغرب القناة، وأوضحت وجود الفاصل بين الجيشين، مما جعل القيادة الإسرائيلية تدفع باحتياطيها الاستراتيجى فى منطقة الدفرسوار للعبور، ولكنه واجه جحيما من النيران وتحطمت هجماته المضادة على صخرة دفاع اللواء 16 مشاه فى المزرعة الصينية والخسائر الفائقة التى تكبدها العدو فى هذه المعركة، مما تسبب فىتأخير محاولاته للعبور غربا.
وعندما تمكن من العبور ليلة 15 /16 حاول الاتجاه شمالا لمهاجمة والاستيلاء على مدينة الإسماعيلية، ولكنه تكبد خسائر فادحة على أيدى رجال الصاعقة فى مدخل مدينة الإسماعيلية فى المنطقة الزراعية المحيطة بها.. ولم يتمكن من احتلالها مما اضطره إلى تحويل الهجوم جنوبا مستغلا صدور قرار وقف إطلاق النيران رقم 388 الذى صدر يوم 22 أكتوبر سن 1852.
وقام العدو بهذه العملية بالرغم من علمه بأنها خاسرة لكى يكسب نصرا دعائيا.. يحاول رفع معنويات جنوده وشعبه.. بعد الغطرسة التى كان يشعر بها قبل ذلك.. وأن الخبراء العسكريين يعرفون تماما أن القوات الإسرائيلية الموجودة غرب القناة هى فى مصيدة ومحكوم عليها بالإعدام وخير دليل على ذلك ما قاله الجنرال أندريه بوفر الفرنسى أبرز فلاسفة الحرب المعاصرين.
فى 23 أكتوبر خرق الإسرائيليون وقف إطلاق النيران واستطاعوا بالغش أن يتقدموا، وهى خدعة إسرائيلية معروفة، طالما لجأوا إليها فى الماضى فدفعوا بقوات مدرعة فى السويس وإلى الغرب، وأعتقد أن الهدف كان سيكولوجيا بحثت، إذ كانوا يتوقعون أن يحمى قرار وقف النيران قواته من الدمار، لذلك فهى ليست عملية عسكرية.. بل مظاهرة تليفزيونية.
* حضرت حرب 67 وذقت مرارة النكسة وحاربت عام 73 وذقت حلاوة النصر.. هل لك أن تحدثنى عن نوعية الجندى المصرى فى كلتا الحالتين؟
** الجندى المصرى خير أجناد الأرض وله تاريخ حافل طويل عبر آلاف السنين، وكانت له فتوحات عظيمة ضد الغزاة ورد المعتدين وتاريخ العسكرية المصرية حافل بالعديد من الأمثلة لهذا المقاتل الذى ذكره الله فى القرآن وقال عنه «إنه خير أجناد الأرض».
والجندى المصرى الذى خاض حرب 48 هو نفس الجندى الذى خاض حرب 56، وهو نفس الجندى الذى خاض حرب 67 وهو الذى خاض حرب 1973 أيضا، ولكن الظروف المحيطة به فى كل حرب من هذه الحروب هى التى اختلفت طبقا للظروف السياسية والعسكرية العالمية والإقليمية والمحلية التى قاتل فيها.. وما من مرة حدث قتال بين الجندى المصرى وعدوه إلا وقاتل بشجاعة فائقة وإقدام وبروح معنوية عالية.. شعاره النصر أو الشهادة..
ولم يستطع الإسرائيليون فى كتبهم وتاريخهم إلا أن يذكروا شهامة وشجاعة وشراسة قتال الجندى المصرى فى المعارك التى التقوا فيها بالقوات المصرية منذ عام 1956 فى ممر متلا، وفى معركة أبو عجيلة ومعركة رفح ومعركة المدرعات فى جبل لبنى.. فقد ذكروها بالتفصيل عن الجندى المصرى الذى قاتل فى العراء وبدون غطاء فى مسرح سيطرت عليه القوة الجوية المعادية لفترة قصيرة من الزمن.
وفى حرب 1967 عاد الجندى المصرى من سيناء ليستعد لمعركة جديدة فاصلة يشعر بالمرارة لا يريد أن يناقشها مع أحد فى بلده إلا بعد أن يسترد كرامته، شعور بالثأر لما ألم به حتى يعود لأهله رافع الرأس.. منتصرا فى ظروف ملأت دعاية العدو بها العالم عن أن المصريين لا يمكن لهم استيعاب التكنولوجيا لاستخدام الأسلحة الحديثة.. وأن صفاتهم الشخصية العقلية والبدنية لا تمكنهم من تحقيق نصر فى معركة أمام جندى جيش إسرائيل الذى لا يقهر. متناسين أن الجندى المصرى لم يأخذ حقه فى القتال..وأن استيلاءهم على سيناء كان نتيجة لأخطاء سياسية وعسكرية وقعنا فيها نحن، ولكن ليست نتيجة لمهاراتهم أو صفاتهم أو كفاءاتهم أو لشجاعتهم.
واجتمع الجندى المؤهلات المتوسطة والعليا والجندى العائد من اليمن والجندى الأمى فى مجتمع واحد يجمعهم شعور واحد وهو الثأر لكرامة الوطن.. فكان الإقبال على التدريب واستيعاب الأسلحة الحديثة والسعى لأن يكون أول من يعبر القناة.. ويخطف الأسرى من الضفة الشرقية ويزرع الألغام بها ويقوم بالدوريات خلف الخطوط، ويسعى للاشتراك فى الإغارات والكمائن ويتسلق الساتر الترابى بكفاءة بدنية عالية.. وعلى التجديف فى القناة، وعلى اقتحام النقط القوية وفتح الثغرات والسواقة المائية، وعلى الرمايات بمختلف أنواعها ليلا ونهارا، وعلى توجيه الصواريخ المضادة للدبابات.
وعندما بدأنا حرب أكتوبر أخذ المقاتل المصرى فرصته فى القتال فكان هو المفاجأة الكبرى فى حرب أكتوبر.. فالعقلية المصرية هى التى خططت ودربت وأجادت وأدارت وأخرجت الطاقات الكامنة فى نفس الفرد المقاتل المصرى فى أول مواجهة حقيقية مع الإسرائيليين، حيث بدا ثائرا لكرامته لا يهاب الموت.. إيمانه بالله ثم الوطن.. شعاره النصر أو الشهادة.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا فرق بين مسلم ومسيحى، بين جندى أو ضابط، الكل يقتحم الجحيم.. محققا النصر لمصر.. شعور بالفخر والاعتزازية بجنديته وبوطنيته..ضاربا أروع الأمثلة للفخار والمجد.. هذه هى صفات الجندى المصرى وحقيقته.. إنه خير أجناد الأرض.
ويواصل اللواء طلعت موسى فى الحلقة القادمة حديثه حول قرار وقف إطلاق النار وحقيقة وضع القوات الإسرائيلية فى الثغرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.