* كسب الوقت عامل مهم وحاسم تراهن عليه جميع الأطراف المؤثرة في مصر وخارجها » فالإخوان والمتحالفون معهم يهمهم إبقاءً الوضع متوتراً لشل القرار السياسي والاقتصادي . وإجهاض التحرك الدبلوماسي لمصر عربياً ودولياً. وإدخال الإدارة الجديدة والجيش في حرب استنزاف طويلة مع المنظمات الإرهابية والإخوان ولتستنفد مصر كل مصادر قوتها . وتتحول لا قدر الله إلي دولة فاشلة .. وإزاء أجواء ملغمة كهذه وتطورات مهمة متسارعة. ومؤامرات تحاك في الخفاء والعلن ضد مصر وجيشها يدبرها التنظيم الدولي للإخوان برعاية تركية أمريكية قطرية ومشاركة أوروبية مثلما جري في دارمشتات الألمانية مؤخراً .. فإنه ينبغي أن نتساءل . وأن ندفع في هذا الاتجاه: ماذا يمنع إجراء انتخابات البرلمان والرئاسة في وقت واحد » إنفاذاً لخارطة المستقبل وحسماً للأمور. وقطعاً للطريق علي المتآمرين والمتربصين بمصر وجيشها . وتوفيراً لنفقات باهظة يجري ضخها في الدعاية الانتخابية من ناحية. وما تتطلبه الانتخابات من إجراءات وتجهيزات وتدابير تتحملها خزانة الدولة المرهقة اقتصادياً .. ؟! * لقد أنجزت لجنة العشرة "المكلفة بتعديل الدستور وفقا للإعلان الدستوري لرئيس الجمهورية المؤقت" مهمتها في الوقت المحدد لها » لتبين للعالم أجمع أن إدارة المرحلة الانتقالية جادة في مسعاها لإنجاز خارطة الطريق كما رسمتها إرادة الشعب . وتسليم البلاد لإدارة مدنية منتخبة تبدد الذرائع الواهية التي تستند عليها بعض الأطراف لتبرر عدم اعترافها بأن ما حدث في مصر في 30 يونيو ثورة بكل المقاييس . وليس انقلاباً كما يدعون ..!! وأياً ما تكن الملاحظات والتحفظات علي ما انتهت إليه لجنة العشرة من تعديلات فإنه ينبغي أن يكون تحري الصالح والنفع العام والعدالة الناجزة كأولوية وطنية في هذه المرحلة نصب عين الجميع في مواقفهم إزاء هذه التعديلات وليس لتحقيق مصالح فئة أو هيئة أو أشخاص بعينهم »فتعديلات لجنة العشرة ليست نهاية المطاف بل خطوة إيجابية لإنجاز أحد أهم استحقاقات المرحلة الانتقالية كما وعدت الإدارة المؤقتة. خطوة تؤسس لمرحلة تالية تتولاها لجنة الخمسين التي يمكنها أن تعدل أو تضيف أو تحذف ما تراه مناسباً علي ضوء حوار مجتمعي شامل لإنجاز دستور توافقي يليق بثورة يناير و30 يونيو . وتؤسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة . تضع حداً للفوضي وتعيد الهيبة لدولة القانون والعدالة . وتخرج البلاد من أزماتها وانقساماتها وما شهدته من ويلات خلال الأعوام الأخيرة. * وفي خضم ما يجري من عصف ذهني حول الدستور وتعديلاته المرتقبة . وما تبديه الهيئات والمؤسسات المختلفة من ملاحظات ومطالب فلابد من التأكيد علي بعض الملاحظات المهمة .. ومنها أن ثمة إجماعاً فيما يبدو لي حول أمور معينة لدرجة ترقي لاعتبارها مطلبا شعبياً ونخبوياً علي السواء » فليس هناك اعتراض علي إلغاء مجلس الشوري الذي جري إنشاؤه في سبعينيات القرن الماضي للسيطرة علي الصحف القومية وتكبيل حرية الرأي والتعبير وتكميم الأفواه .وإخضاع الأقلام لهوي النظام . وهو ما تسبب للأسف في تراجع تلك الصحف علي مستويات عديدة . أوصلها لما هي فيه من أحوال يرثي لها فتراجعت أحوال المهنة والعاملين فيها خاصة في عهد الإخوان . حتي باتت بعض المؤسسات القومية غير قادرة علي دفع مرتبات العاملين فيها وهو ما يهدد بتشريدهم ..!! وبدلاً من أن يكون مجلس الشوري داعماً لتلك المؤسسات . وسندا لها في عبور أزماتها نفض يديه من مشاكلها وتركها تواجه مصيراً أسود في ظل تراكم الديون والترهل الإداري واشتداد المنافسة مع الصحف الخاصة والفضائيات والمواقع الإلكترونية وفقدانها كثيراً من قرائها بسبب خدمتها للنظام ودفاعها عنه بالحق والباطل مما أفقدها كثيراً من المكانة والموارد ..!! كما لا يخفي أن مجلس الشوري بصورته التي كان عليها غداة ثورة 30 يونيو وما قبلها كان باباً خلفياً للمجاملات وإرضاء بعض الشخصيات العامة وقادة الأحزاب الورقية غير الجماهيرية التي لا وجود لها في الشارع ولا في البرلمان. وهو ما مثل عبئاً ضخما علي ميزانية الدولة .ووقف حجره عثرة في طريق تطور الحياة البرلمانية والسياسية في مصر بلا مبالغة. * اشتمل التعديل النهائي للجنة العشرة علي 198 مادة بعد تعديل 124 وحذف 38 مادة . أبرزها المواد المتعلقة بمجلس الشوري والعزل السياسي وتفسير مباديء الشريعة الإسلامية . وحافظت المواد المقترحة بشكل عام علي نظام الحكم كما رسمه دستور 2012 » كنظام برلماني رئاسي مع تجريد رئيس الجمهورية من بعض صلاحياته الإضافية . وتقليص سلطاته في اتخاذ بعض القرارات للمرة الأولي كالعفو عن العقوبة .. وهذا منحي إيجابي تميزت به لجنة العشرة علي ما سبقها من دستور 1971. ودستور 2012 اللذين أطلقا يد رئيس الجمهورية في استخدام حق العفو أو تخفيف الأحكام في عقوبات نافذة .. وهي صلاحيات انحرف بها الرئيس المعزول عن غايتها حيث أفرج عن إرهابيين وتجار مخدرات وأقارب » وهو الأمر الذي يحتم ضرورة مراجعة مجلس القضاء الأعلي قبل استصدار مثل هذا العفو مستقبلا ضمانا لعدم استخدام هذا الحق استخداماً يجافي روح النص القانوني ..!! * عالجت لجنة العشرة بعض الأزمات التشريعية و الدستورية وما شاب النصوص الدستورية من عوار وتشوهات» حيث ألغت نسبة ال50% عمالاً وفلاحين لما تنطوي عليه من تمييز بين المواطنين .ناهيك عما تفتحه من أبواب خلفية للتحايل وتغيير الصفة والافتئات علي الفلاحين ودخول نواب إلي البرلمان متحدثين باسمهم دون أن يكونوا منهم أو يمثلوهم تمثيلا حقيقيا . الأمر الذي يعد تزويراً لإرادة الناخبين وجريمة انتخابية كبري سكتت عنها أنظمة متعاقبة دون أن تحاسب عليها..!! * ما يحسب أيضاً للجنة العشرة إلغاؤها مادة العزل السياسي التي أتي بها دستور 2012 .. ورغم تأييدنا لحرمان من صدرت بحقهم أحكام قضائية في جرائم الدم و الفساد من مباشرة حقوقهم السياسية كافة فإننا ضد التعميم والإفراط في في العزل السياسي بلا مبرر . ليشمل كما فعل الإخوان طائفة عريضة من أنصار النظام القديم . يتساوي في ذلك من ارتكب جرائم ومن لم يرتكب » الأمر الذي يخالف مبدأً قرآنياً تجسد في قوله تعالي : "ولا تزر وازرة وزر أخري".. كما يهدر مبدأ قانونياً ودستورياً أصيلا . وهو شخصية العقوبة » فلا عقوبة إلا بقانون وحكم قضائي يطبق هذا القانون.. وأظن أن التوسع في الإقصاء كعقاب جماعي لفصيل أو تيار سياسي بعينه يجافي ما استقرت عليه مباديء العدالة الانتقالية في الدنيا كلها بعد الثورات . ويحولها إلي عدالة انتقامية تبدد كل فرص المصالحة في المستقبل..!! * وحسناً ما فعلته لجنة تعديل الدستور حين أقرت عدم جواز مباشرة أي نشاط سياسي علي أساس ديني سداً للذرائع. كما أن المطالبة بإلغاء المادة 219 من دستور الإخوان تغلق بابا واسعا أمام فوضي التأويلات وتضارب الاجتهادات غير المنضبطة فقهياً والتي بإمكانها نقض القوانين ووصمها بعدم الدستورية مستقبلا » الأمر الذي يهدد بتقويض دولة القانون » حيث سيترك المجال أمام كل قاض لتفسير النصوص وفقا لقدرته وفهمه.. ومن ثم فقد تركت لجنة العشرة أمر تلك المادة للجنة الخمسين لتقرر بشأنها ما تراه مناسباً.. وأظنها سوف تتعامل معها بالموضوعية الواجبة وبما يحول دون تعريض المجتمع لشر الاستقطاب والانقسام مثلما شهدنا طيلة عام كامل من حكم الإخوان .. ونستكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله.