يوم الثلاثاء الماضي كان مختلفا مشحونا بعوامل القلق والحيرة.. لأول مرة منذ ثورة الثلاثين من يونيو ترتفع الاصوات في ميدان التحرير مطالبة بإقالة وزير الداخلية.. كانت المشاهد الدموية قد وصلت إلي الذروة.. عشرات القتلي والجرحي علي أيدي مؤيدي المعزول في ميدان الجيزة مع اجماع علي تأخر الشرطة في التدخل.. عشرات القتلي والجرحي علي كورنيش الاسكندرية في اشتباكات بين متظاهرين مؤيدين للمعزول وآخرين مؤيدين للثورة.. عشرات القتلي والجرحي في تفجير مجهول أمام قسم شرطة المنصورة المجاور لمبني مديرية الامن.. فيما تتوالي مقاطع الفيديو التي ترصد تصريحات مرعبة لقيادات الاخوان في اعتصام رابعة العدوية من نوع التهديد الصريح باستخدام سيارات مفخخة وقنابل تنفجر بالريموت كنترول وتحويل مصر إلي قندهار.. كان السؤال الحائر هو اين الداخلية ولماذا اختفت قوات الشرطة أو لماذا هي عاجزة عن التصرف والتدخل بحسم في الوقت المناسب.. اذن بحسابات الميادين اصبحت الشرطة التي كانت مع الشعب "ايد واحدة" قبل ساعات.. مقصرة ومدانة.. وأصبح وزير الداخلية الذي وصفه المتظاهرون في عشرات الميادين بأفضل وزير داخلية خلال عقود طويلة والذي اعتبره معظم شعب مصر صاحب الفضل في اعادة الشرطة إلي مكانها الصحيح كحامية لامن المصريين وخادمة لهم.. متهما بالتقصير بل وبالتواطؤ المريب. مساء الثلاثاء الدامي وبعد ان تابعت مثل كل المصريين اخر اخبار العمليات الاجرامية الارهابية علي أرض الفيروز وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين والعسكريين في شهر رمضان ليذكرونا بمذبحة شهداء رفح قبل عام.. وصلت إلي قناعة: لا مواجهة للإرهاب الاخواني الا بتفويض جديد مختلف حاسم لا لبس فيه.. التفويض الشعبي الجارف هو السبيل الوحيد لمواجهة القتلة الذين حولوا تقاطع رابعة إلي ساحة تعذيب وقتل وسحل وحولوا بيت الله في التقاطع إلي غرفة عمليات لادارة شئون المعارك الارهابية في شتي بقاع مصر.. يجتمع فيها الهاربون من قرارات الضبط والاحضار من اعضاء ارشاد الجماعة المحظورة ليخططوا ويوزعوا الادوار ويدعون صراحة لتدخل امريكي عسكري مباشر لاسقاط الجيش المصري واعادتهم إلي حكم مصر حتي ولو اصبحت انقاضا. مساء الثلاثاء دعوت علي موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" إلي مليونية المليونيات.. مليونية التفويض للتصدي للارهاب.. وكانت لي أسباب اظنها منطقية.. ورغم الردود العدائية التي طرحت تساؤلات استنكارية من نوع: هل تحتاج مواجهة الارهاب إلي تفويض؟.. اليست هذه هي مهمة الشرطة وما وعد به الجيش؟.. اليس الخروج المليوني غير المسبوق في الثلاثين من يونيو لاسقاط النظام وضع خريطة طريق لبناء حياة سياسية نظيفة بلا تكفير ولا تمكين ولا فساد يتستر خلف الدين هو تفويض غير مشروط للتعامل مع الارهاب؟.. رغم هذه التساؤلات غير البريئة كان يقيني يزداد بأنه لا مجال للمواجهة الا بتفويض جديد ومحدد وبنفس زخم تظاهرات اسقاط النظام الاخواني الفاشي.. وفي صباح الاربعاء حسم الفريق أول عبدالفتاح السيسي الجدل حول الفكرة عندما دعا شعب مصر إلي اعطائه الامر بالتعامل مع الارهاب.. وهكذا اصبحت فكرة مساء الثلاثاء التي طرحتها مشروع اليوم التالي.. وبقيت التساؤلات: لماذا تفويض شعبي منفصل للقيام بمهمة بديهية تتفق عليها كل قوانين العالم؟ ما حدث يوم الجمعة لافساد عرس التفويض بمواجهة دامية في شارع النصر وامام المنصة التي قتلوا فيها السادات يحمل جانبا من الاجابة.. وما حدث في المنصورة قبل ايام عندما سقطت ثلاث سيدات من الاخوات في اشتباكات بين مؤيدي الاخوان والاهالي يحمل جانبا اخر منها.. ومقاطع الفيديو المسجلة لقيادات الارشاد واتباعهم والتي تحمل تهديدا صريحاً بتحويل مصر إلي ساحة اقتتال اهلي تحمل جانبا ثالثا منها. الاخوان فقدوا الامل في اي تأييد شعبي في الداخل.. قادة الاخوان يعلمون انهم يخوضون معركة لا علاقة لها بالسياسة ولا حتي بالتصارع علي السلطة.. وانما معركة بقاء.. فالاتهامات التي تنتظرهم والجرائم التي ارتكبوها وكلها موثقة بتسجيلات حية تعني انهم سيقضون ما تبقي لهم من عمر خلف قضبان السجون هذا بالطبع اذا لم يحكم علي بعضهم بالاعدام.. لذلك لا مجال للقيم الاخلاقية أو الانسانية أو الانتماء الوطني في تعاملهم مع الموقف.. هم لا خلاص لهم الا بحفلات موت وبحور دماء تستعدي الخارج علي مصر وتضعنا امام خيار جديد هو التغاضي عن جرائمهم والسماح لهم بخروج آمن ليديروا معارك تخريب مصر من الخارج.. ولتحقيق ذلك لا بديل عن جعل النساء والاطفال دروعا بشرية يحتمي خلفها القناصة والقتلة.. وهو ما يعني ان المواجهة معهم ستكون دامية وستؤدي لسقوط قتلي ابرياء من النساء والاطفال في مشاهد تتاجر فيها قنوات التزييف والفتنة.. ثمن المواجهة سيكون باهظا.. والتفويض سيضعنا امام احتمالين.. الاول هو ان يدركوا حجم الخطر المحيط بهم فيستسلموا للعدالة.. والثاني هو ان يصعدوا العنف متعمدين سقوط اعداد كبيرة من الضحايا علي ايديهم أو في المواجهات.. ثم محاولة استعداء الشعب علي الجيش والشرطة باعتبارهم ضحايا ابرياء.. وبدون التفويض لن تتم هذه المواجهة الحتمية مع الارهاب.