يقول الله تعالى في مُحكم آياته: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)) "الآية 54 من سورة الروم". للآية الكريمة معانٍ ودلالات عديدة وكبيرة، من بينها أن الإنسان، خلال مشوار حياته، يمر بثلاث مراحل متدرجة ومتَعاقبة، المرحلة الأولى هي مرحلة ما بعد الميلاد مباشرة، وهي مرحلة الطفل الرضيع، حيث يكون الإنسان في منتهى الضعف، تليها المرحلة الثانية وهي مرحلة الشباب، حيث القوة، يعقبها المرحلة الثالثة والأخيرة، وهي مرحلة الشيخوخة والكِبَر، حيث الضعف والشيب. إن تلك المراحل الثلاث (الضعف – القوة – الضعف) تُعتبر قانونًا حاكمًا ومُسيِّرًا لكل مكونات هذا الكون. الأمثلة على ذلك يصعب حصرها، وشديدة التنوع والتباعد، لكن نذكر منها ما يلي: 1- النبات يمر بثلاث مراحل، الأولى مرحلة الضعف، حيث يكون بذرة ضئيلة هزيلة تحاول الإنبات، تأتي بعدها المرحلة الثانية حيث النمو والنضج والخضار، فيُخرج شطأه، ويشتد عوده ويستوي سوقه ويستغلظ، ويبدأ في الإزهار والإثمار، ثم تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة، حيث تتحول القوة إلى ضعف، والخَضَار إلى صَفَار، فيصير حطامًا وهشيماً تذروه الرياح. 2- الشتاء يأتي ضعيفًا في ديسمبر عقب فصل الخريف، ثم ما يلبث حتى يصل إلى القوة في منتصف يناير، ثم يعاود الانحسار التدريجي حتى يصل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة في منتصف مارس، ويسلّم الراية من بعده لفصل الربيع، الذي يمر هو الآخر بالمراحل الثلاث... وهكذا. 3- ميسي كأي لاعب كرة قدم، يمر هو الآخر بثلاث مراحل في مشواره الكروي. بدأ أسطورة كرة القدم ضعيفًا يجلس على دكة الاحتياط، وكانت أول مشاركة له حين دخل بديلاً في آخر 8 دقائق من المباراة التي جمعت بين فريقه برشلونة ضد إسبانيول عام 2004، ثم تحول من الضعف ودكة الاحتياط إلى المرحلة الثانية ليكون أساسيًا في التشكيل، ثم سيعاود آجلاً أو عاجلاً إلى دكة الاحتياط في المرحلة الثالثة من مسيرته قبل أن يعتزل. مما سبق يتضح لنا جميعًا أن الكون بكل مكوناته وعناصره ومحتواه يسير وفقًا لقانون "المراحل الثلاث المتعاقبة". أي شيء فيه وبدون استثناء يبدأ من ضعف، ومن بعد ضعف قوة، ومن بعد قوة ضعفًا وشيبة وشيخوخة. وعليه نعود لعنوان المقال، فمدينة الشيخ زايد، مثلها في ذلك مثل كل الأشياء، سيُطبق عليها القانون شاءت أم أبت، فهي بدأت نشأتها قبل 30 عامًا تقريبًا بصدور القرار الجمهوري رقم 325 لسنة 1995. بدأت ضعيفة لا بنية أساسية، ولا مرافق خدمية، ولا عمارات سكنية، ولا مولات تجارية، ولا حتى طرق ممهدة، ولا أي شيء، فقط مساحة شاسعة من الرمال الصفراء. اليوم وصلت المدينة الوليدة إلى المرحلة الثانية في مسيرتها، حيث القوة والشباب والنضج. أصبحت مقصدًا لكل من يرغب في العيش في مجتمع راقٍ متحضر يتمتع بالخصوصية، بعيدًا عن الزحام والعشوائية والتلوث، اللون الأخضر للزراعات والحدائق هو القاسم المشترك لأحيائها. غير أن ما حدث خلال السنوات الخمس الأخيرة يُنبئ بأنها تُسارع الخطى نحو المرحلة الثالثة، وأن الشيخوخة ليست منها ببعيد. تعرضت المدينة لعدول متواتر عن محددات مخططها العام، وما كان ممنوعًا سابقًا أصبح مسموحًا حاليًا. المدينة التي لم تكن "الأبراج السكنية" جزءًا من قاموسها، أُقيم فيها عشرات الأبراج على مساحة أرض كانت مُخصصة ومُعَدَّة لتكون حديقة مركزية، وامتدت الأبراج بطول واجهتها الجنوبية الشرقية على محور 26 يوليو. بالطبع لسنا هنا في احتياج لسرد التبعات السلبية لذلك على شبكات المرافق ومعدلات الزحام المحتملة في القريب العاجل. في السياق نفسه، فإنه وفقًا لكود دولي، يجب تخصيص اعتمادات مالية تصل إلى 10% من تكلفة إنشاء أي مشروع، للصرف منها على تمويل أعمال الصيانة الدورية لهذا المشروع لضمان كفاءته وجودته باستمرار. المتابع لمجريات الأوضاع في المدينة الشابة، يكتشف أن الصيانة ورفع الكفاءة وتحسين الصورة البصرية ما زالت تحتاج إلى جهود أكبر. كل هذا وغيره يجعلنا نطلق نداءً لكل مسؤول في موقعه: تداركوا الأمر قدر استطاعتكم، وحافظوا على هذه المدينة الشابة الساحرة. هنا لابد أن نؤكد أننا لم ولن نقلل من أي جهد يُبذل، لكننا ما زلنا ننتظر ونتوقع المزيد، خاصة وأن على رأس هذه المدينة قيادة شابة، هي المهندسة مروة حسين أمين، رئيس جهاز المدينة، وأنها تبذل جهودًا مخلصة وصادقة من أجل الارتقاء بمستوى منظومات الخدمات بالمدينة، وأنها تحملت المسؤولية بعد أن حدث ما حدث... لكننا ما زلنا نتوقع منها ورفاقها المزيد.