يرتبط بقضية الشيخوخة العديد من المفاهيم أولاً: "تنكيس الخلق" 1- النصوص القرآنية: "وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ" "يس: 68" وقوله تعالي: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفي ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفي قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةي ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" "الروم: 54". الحقيقة العلمية: الشيخوخة تنكيس في الخلق. 2- قواعد عامة من التفسير: 1- طول العمر يصير الشباب هرمًا. والقوة ضَعفًا. والزيادة نقصًا. والنشاط عجزًا. وهذا هو الغالب. 2- اختلاف زمان ابتداء الشيخوخة: رجح الأُلوسي اختلاف زمان ابتداء تغيُّرات الشيخوخة وقال: "والحق أن زمان ابتداء الضعف وانتقاص البنية مختلف لاختلاف الأمزجة والعوارض". وقيل: إذا بلغ الثمانين سنة تغيَّر جسمه وضعُفت قوَّته. 3- الشيخوخة: تغيرات ظاهرة وباطنة. أكَّد ابن كثير اشتمال النص الكريم الدلالة علي تغيرات باطنة للشيخوخة. بالإضافة إلي التغيرات الظاهرة» فقال: "تتغير الصفات الظاهرة والباطنة". 4- الشيخوخة تدرُّج في التنكيس: قال أبو السعود: "فلا يزال يتزايد ضَعفه وتتناقص قوته. وتنتقص بِنيته. ويتغيَّر شكله وصورته. حتي يعود إلي حالة شبيهة بحال الصبي في ضَعْف الجسد وقلة العقل. والخلو عن الفَهم والإدراك". وقال البغوي: أي تضعُف جوارحه بعد قوتها. ونردها إلي نُقصانها بعد زيادتها". 3-من صفات الشيخوخة: أ- وهَنُ العظْم والشيبة: يقول تعالي علي لسان زكريا عليه السلام: "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا "مريم: 4". ب- الكبر: يقول تعالي: "قَالَ رَبِّ أَنَّي يَكُونُ لِي غُلَامى وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا "مريم: 8". ت- الضَّعف الجنسي عند الرجل والعقم عند المرأة: يقول تعالي علي لسان امرأة إبراهيم عليه السلام: "قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزى وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءى عَجِيبى "هود: 72". والبعولة من الذكورة والفحولة. ولا يوصَف بها سوي الذكر. فكأنه أخبر ضمنًا عن تحوُّل نشاطه إلي الضَعف عندما أصبح شيخًا. وأما لفظ عجوز المشتق من العجز. فقد صيَّره علي وصف الأنثي المقطوع بعجزها عن الإنجاب بتجاوزها سنَّ الحيض. 4- أرذل العمر وضَعف الذاكرة قمة الشيخوخة: يقول تعالي: "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَي أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمي شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى قَدِيرى "النحل: 70" "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَي أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمي شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى قَدِيرى "النحل: 70". وقد رُوي عن علي رضي الله عنه "أَرْذَلِ الْعُمُرِ" خمس وسبعون عامًا. وفي هذا السن يحصل له ضَعف القوي والخرَف. وسوء الحفظ وقلة العلم» ولهذا قال: "لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمي شَيْئًا "النحل: 70"» أي: بعد ما كان عالما أصبح لا يدري شيئًا من الفَنَد والخَرَف. وقد روي البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يدعو: "أعوذ بك من البخل والكسل. والهرم وأرذل العُمُر. وعذاب القبر وفتنة الدجَّال. وفتنة المحيا والممات". 5- أطوار الإنسان من الطفولة إلي الشيخوخة: رائع حقًّا أن تتفق معطيات العلم عن قدرات الإنسان في مختلف مراحل العلم. مع وصْف القرآن الكريم. ووَفقًا للمنحني الذي نقلناه عن الدكتور: محمد دودح. نلحظ ثمانية أطوار أو مراحل يمر بها الإنسان منذ نعومة أظافره. وتنشئته في الحِلية حتي أرذل العُمُر. والملاحظ أولا أن المنحني ما هو إلي ترجمة عامة لقوله تعالي:"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفي ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفي قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةي ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ "الروم: 54".