مات المورث وترك بيتاً كبيراً لورثة كثيرين وإيراد البيت بحالته تلك لا يكفي الورثة "عيش حاف".. ومن باب الفقر دخل المشتري.. الذي يريد إخلاء البيت وهدمه والاستفادة من أرضه الفضاء التي تدر الملايين فالموقع متميز والمساحة كبيرة.. والمشكلة في خلاف الورثة.. منهم من يريد إبقاء البيت علي حاله فهو تراث الآباء والأجداد "وريحة الحبايب".. ومنهم من يريد بيع نصيبه وأخذ "حقه ناشف".. ومنهم من يريد البيع ولكن ليس لهذا المشتري الأجنبي الغريب.. المشتري يبحث عن ثغرة للنفاذ منها.. وتوصل إلي حل رآه عبقرياً وهو فعلاً كذلك.. لابد أن من الورثة شخصاً وقوراً عليه إجماع أو توافق من الجميع.. وهو محل ثقتهم. ووجد المشتري ضالته واتفق مع هذا الموثوق به الذي استطاع أخذ توقيعات الجميع أو الأغلبية علي البيع.. وفاز المشتري بالبيت الكبير وترك صراعاً مريراً بين الورثة.. فقد دقوا بينهم عطر منشم علي رأي المثل العربي الشهير.. وتدور الآن معارك طاحنة بينهم علي الأنصبة في ثمن البيع.. وأصبح الموثوق به الذي جمع التوقيعات وأخذ التفويض بالبيع مشكوكا في ذمته.. هناك من انقلبوا عليه وهناك من مازالوا يثقون به طمعاً في أنصبة أكبر من ثمن البيع.. والحقيقة تائهة وغائبة بين هؤلاء الورثة الذين بهدلوا بعضهم في المحاكم وكالوا لبعضهم الاتهامات ونشروا غسيلهم "الوسخ" في كل الدنيا وصارت فضائحهم بجلاجل وصرفوا كل أنصبتهم علي الكيد لبعضهم.. وتركهم المشتري في غيهم بل كلما خبت نارهم نفخ فيها وزادها سعيراً وراح يهدم البيت براحته ويقسمه علي مزاجه وهواه والورثة الأغبياء أعماهم الصراع عن حقيقة أنهم صاروا في العراء بلا مأوي وكل فريق منهم يلوم الآخر ويحمله مسئولية الخراب الذي حل بهم.. ولا أحد يلوم المشتري الذي دخل عليهم "بالحنجل والمنجل".. وجردهم من كل شيء.. واللوم عليهم لأن المشتري يبحث عن مصلحته وهذا حقه الذي لا ينازعه فيه أحد.. الورثة هم سبب الكارثة التي حلت بهم لأن المشتري دخل عليهم من باب الطمع.. وكل النصابين في العالم يدعون بالبقاء وطول العمر للطماعين لأن رزق النصاب علي الطماع.. وورثة البيت الكبير الذي صار "كوم تراب" طماعون.. أعماهم حب المال وشهوة السلطة فخسروا بيتهم وأنفسهم وهذا هو الخسران المبين. والمصريون ورثة علي الجاهز.. ولدوا وفي أفواههم ومن حولهم وطن من ذهب.. "بلدة طيبة ورب غفور".. الحياة لذيذة وسهلة.. والمال سائب لم يتعبوا فيه ولم يبذلوا جهداً في بناء الوطن وجمع المال.. كل همهم أن يصرفوا يميناً وشمالاً ويعيثوا في الوطن الذي ورثوه علي الجاهز فساداً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. وهذا شأن الورثة السفهاء الذين لا عمل لهم سوي تبديد الثروة وليس تنميتها وزيادتها.. ومن باب السفاهة والغفلة يدخل المتآمرون وتنجح مؤامراتهم لا لأنهم أذكياء ولكن لأن ورثة الوطن سفهاء وأغبياء.. تماماً مثل أهل سبأ السفهاء الذين ملوا رغد العيش والسفر والسير في طرقهم ليالي وأياماً آمنين.. فقد أصابتهم السفاهة والميراث الجاهز فقالوا: "ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم" وكفروا بأنعم الله فمزقهم كل ممزق وجعلهم أحاديث.. ولقد جئتكم من سبأ بنبأ عظيم.. مأساة سبأ وأهلها تتكرر بحذافيرها في مصر.. تبديد الوطن الموروث علي الجاهز.. تلويث البلدة الطيبة وجحود نعمة الرب الغفور.. والنتيجة أن يمزقنا الله كل ممزق ويجعلنا أحاديث "وفرجة" لخلق الله.. ومصر صارت فعلاً "فرجة" وأضحوكة العالم ونكتة سخيفة تبكي أهلها وتضحك الدنيا كلها.. ومحاولة فهم أي شيء في هذا البلد صارت محاولة عبثية لا جدوي منها.. هذا بلد تسمع فيه جعجعة ولا تري طحناً غير طحن الشعب وسحقه تحت نعال المتصارعين علي الكراسي والمناصب والنجومية.. الشعب اليوم تحت نعال الساسة الموالين والمعارضين.. الشعب الذي هتف في كل مظاهرة ابتداء من هوجة الخامس والعشرين من يناير "أنه يريد".. تبين أنه خدعنا وأنه لا يستطيع أن يريد.. لأنه بلا إرادة.. فكيف يريد شعب بلا إرادة؟ هذا "يا جدع".. بلد البدع.. وكل البدع في هذا البلد ضلالات.. وكل الضلالات في النار.. نحن نفهم ونستطيع أن نتفهم أن الوضع الطبيعي في العالم كله أن تكون هناك مظاهرات واحتجاجات واعتصامات للمعارضة.. لكن البدعة المصرية الضلالة والتي لا مثيل لها في العالم كله أن تكون هناك مظاهرات واعتصامات واحتجاجات وإضرابات تأييد وموالاه.. لا أستطيع ولا يستطيع أي امرئ لديه ذرة عقل أن يفهم معني أن تكون هناك مظاهرات تأييد.. يعني يمكن أن يضرب موظف عن الطعام مثلاً اعتراضاً علي قرار رئيسه في العمل.. ويمكن أن يجمع من حوله عدداً من الموظفين وينظموا اعتصاماً أو مظاهرة أو وقفة ضد رئيسهم "ماليش دعوة إن كانوا علي حق أو علي باطل".. لكن هذا أمر مفهوم.. أما غير المفهوم فهو أن يضرب موظف عن الطعام أو يتظاهر مع زملائه تأييداً لرئيسهم "يعني إيه؟".. فمظاهرات وإضرابات واعتصامات التأييد والموالاة بدعة مصرية لا مثيل لها في العالم كله.. سوي في بعض أو معظم الدول العربية التي هي جميعا موبوءة ومنكوبة.. ونحن فعلاً لدينا وحدة عربية في المساوئ والكوارث والبدع والضلالات وخيبة الأمل "اللي راكبة جمل". **** "حد يفهمني يعني إيه مظاهرات تأييد".. هذه ديمقراطية مصرية ابتدعتها كل العهود ابتداء من ثورة 23 يوليو عام ..1952 والكلام عن الصندوق عندنا كلام ناقص.. لأن قواعد اللعبة الديمقراطية تقول إن التأييد في الصندوق لكن المعارضة خارج الصندوق في الشارع.. يعني الديمقراطية لها جناحان.. صندوق الموالاه.. وشارع المعارضة.. أي الصندوق للمؤيدين والشارع للمعارضين.. ولا أحد يلغي الآخر أو ينازعه مكانه.. والمعارضة مطلبية.. بمعني أن لها مطالب ولا سبيل أمامها سوي التظاهر أو الاعتصام أو الاحتجاج لتوصيل رسائل لأهل الصندوق.. أما الموالاه فقد تحققت مطالبها بالوصول للسلطة عبر الصندوق وصارت صاحبة قرار أو صانعة قرار.. وصاحب القرار وصانعه لا حق له ولا حاجة له في الشارع.. لأن الشارع لأصحاب المطالب وليس لأصحاب القرار.. صاحب القرار لا حق له في التظاهر أو الاحتجاج أو الاعتصام أو الإضراب "ولو عمل كده يبقي مجنون".. "ويبقي مناكف".. لكن صاحب المطالب سواء كانت بحق أو بغير حق لا يملك القرار وليس من سبيل أمامه سوي التظاهر أو الاحتجاج في الشارع. في أوروبا والدول المتقدمة علي رأي فيلم الإرهاب والكباب لم نسمع أو نقرأ يوماً عن مظاهرات تأييد لأوباما أو أنجيلا ميركيل أو فرانسوا أولاند.. "طب تأييد ليه؟.. ماخلاص بقي في السلطة وصاحب قرار".. لكننا نسمع ونقرأ كل يوم عن مظاهرات ضد هؤلاء "ده الوضع الطبيعي".. مظاهرات التأييد ليست سوي استعراض للقوة ومناكفة للمعارضة "وهذا تخلف مصري وعربي أزلي".. ومظاهرات المعارضة لو ترك لها الشارع الذي هو حقها لصارت كل المظاهرات في مصر وسيلة للجذب السياحي.. وصارت نزهة.. المعارضة حتي لو طالبت بإسقاط النظام فهو مطلب وليس قراراً.. والذي يفسد أي مظاهرات في العالم العربي هو نزول المؤيدين لمناكفة المعارضين.. "يعني نزول الموالين إلي الشارع الذي هو ملك المعارضة وحقها".. هنا يحدث الاقتتال والعنف والدم.. أن ينزل صاحب القرار لمواجهة صاحب المطالب.. وصاحب القرار يفترض أنه الأقوي والأعلي كعباً.. فما حاجته لمواجهة دموية مع الأضعف وهو صاحب المطالب؟ وإذا سألتني عن الحل للوضع المعقد في مصر الآن أقول لك إن الحل في يد صاحب القرار وليس في يد صاحب المطالب.. وأول الحل قرار إلغاء مظاهرات الموالاة في مواجهة مظاهرات المعارضة وساعتها سيمر ألف ثلاثين يونيه علي خير.. لا معني لمظاهرات تأييد أبداً في أي وقت ولكننا قد نفهم معني مظاهرات المعارضة.. نفهم الدوافع بصرف النظر عن تأييدنا أو رفضنا لهذه الدوافع.. أما مظاهرات الموالاة أو التأييد فليست لها أي دوافع ولا معني سوي أنها محاولة أو نية مبيتة للتصعيد. ومن عناصر الحل أن يتخذ صاحب القرار قرارات تلبي مطالب المعارضة إذا رآها منطقية وألا يري في ذلك هزيمة أو تراجعاً.. فأعظم الحكام هو الذي يتراجع لصالح شعبه أو حتي فئة منه.. فتلك قوة وليس ضعفاً.. ويقال إن الانسحاب من المعركة يحتاج إلي شجاعة وعبقرية تفوق شجاعة وعبقرية المضي فيها.. أحياناً الانسحاب شجاعة وحنكة والمضي في المعركة تهور.. هناك منسحب ينقذ وطنه.. وهناك مصمم علي المضي في المعركة يدمر وطنه.. ومن الحل أيضاً أن يعلن صاحب القرار أن المطالب غير منطقية وأنه لن يلبيها.. وأن لديه أسبابه لعدم التلبية.. أما التجاهل والتعامي والتغاضي فهو أمر ولي زمانه ولم يعد يصلح الآن.. صاحب القرار يعبر عن احترامه لمطالب المعارضة في حالتي إعلانه تلبيتها أو إعلانه رفضها لأسباب يعلمها هو.. أنت صاحب قرار وأنا صاحب مطلب.. وعليك أن تعلن صراحة تلبية مطلبي أو تعلن صراحة رفض مطلبي.. في الحالتين أنت تحترمني. ولقد كانت انتفاضة 18. 19 يناير 1977 "قد 25 يناير مائة مرة".. "وقد 30 يونيه مائة مرة أيضاً" وكان الرئيس الراحل أنور السادات بطلاً بحق حين أعلن تراجعه وتراجع الحكومة عن قرارات رفع أسعار بعض السلع وقال جملته المشهورة والمحترمة "مافيش حكومة في العالم مابتغلطش وإحنا غلطنا ورجعنا في كلامنا".. ليس مهماً أنه سماها انتفاضة الحرامية فهي بالفعل شهدت سرقات وتجاوزات وتخريباً لكن المهم هو القرار التاريخي ربما غير المسبوق أو الملحوق بالتراجع عن رفع الأسعار. **** صاحب القرار وحده وليس صاحب المطالب هو الذي بيده إنقاذ الوطن من الهاوية.. وبيده ألا نصل إلي 30 يونيه أسود بل يكون إذا أراد وقرر عيداً للديمقراطية.. ولعلي أكون حسن الظن حين أتوقع قرارات ربما صدرت أثناء كتابة هذه السطور وتؤدي إلي نزع فتيل القنبلة والعبوة الناسفة.. وفي كل الأحوال سواء صدرت هذه القرارات أو لم تصدر فإن القرار الأهم ألا تخرج مظاهرات تأييد وموالاة بعد اليوم "خلاص كفاية تأييد وموالاة" "لكن مش كفاية معارضة".. سلمية أي مظاهرات يضمنها فقط ترك الشارع للمعارضين.. ويكفي أن يكون المؤيدون أصحاب قرار ولا معني لأن يكونوا أصحاب مطالب.. فلا مطالب لصاحب قرار "هو يقول ويطول". "علي بلاطة كده وبصراحة" إذا سال دم فهو في رقبة الموالاة.. سواء في 30 يونيه أو في غيره من المظاهرات والاعتصامات بعد ذلك لأن المؤيدين ليست لديهم إجابة علي سؤال مهم وصعب: "هو انتوا نازلين ليه؟".. "انتوا عايزين إيه؟.. تأييد من جاء به الصندوق تحصيل حاصل.. طب ما هوجه خلاص.. انتوا بتأيدوا إيه؟".. لا جواب سوي أن المؤيدين خرجوا لمعارضة المعارضة وهذا عمل عبثي وغير مسئول.. ومادام العمل عبثياً وغير مسئول ومجنوناً "تبقي أنت أكيد.. أكيد في مصر".. أنت أكيد في بلد الورثة السفهاء الذين ورثوا كنزاً وتسابقوا في تبديده وإضاعته.. بلد الذين بطروا أنعم الله.. وخسروا بلدة طيبة وجحدوا نعمة الرب الغفور.. وصاروا "فرجة الدنيا" وأضحوكة العالم.. بلد الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. أنت في بلد البدع.. يا جدع!!! نظرة الدون سيناضلون ويجاهدون إلي آخر مواطن مصري.. نحن جميعاً وقود معركة الأغبياء الذين يزعمون أنهم أنبياء هذا الوطن.. بينما هم شياطينه.. نحن نستحقهم وما يظلم ربك أحداً "احنا نستاهلهم".. الأغبياء يقودون الأغبي منهم.. قلت لكم من قبل إن تقسيم مصر جغرافياً "ماشي زي الحلاوة".. ولن يتحقق إلا بالتقسيم الطائفي والفكري والمذهبي والعقائدي أولاً بحيث يصبح تقطيع مصر جغرافياً هو الحل الذي نقبله جميعاً لحقن الدماء.. الشعب المصري كله الآن متطرف وإرهابي.. كل واحد إرهابي بطريقته "سيبك من حكاية القلة المندسة والمؤامرات الخارجية والكلام الفارغ ده".. الفتنة لم تعد طائفية فقط.. الفتنة شعبية عامة.. سنة ضد شيعة.. مسلمون ضد مسيحيين.. صعايدة ضد فلاحين.. صعايدة ضد بعضهم.. فلاحون ضد بعضهم.. منابر إرهابية.. إعلام إرهابي.. موالاة إرهابية.. معارضة إرهابية.. الدم المصري لم يعد حراما "لأنه مافيش دم".. هذا شعب ينتحر.. منا من ينتحر ومنا من ينتظر.. هذا شعب الأخسرين أعمالاً.. هذا شعب أحفاد بني إسرائيل.. شعب العجل والبقرة وفرعون والسامري وقارون.. لا جدوي من الكلام "سكت الكلام والبندقية اتكلمت والنار وطلقات البارود شدت علي إيدين الهنود الحمر وابتسمت".. كل الشعب ضد كل الشعب.. الفتنة أكبر من طائفية.. فتنة الشعب "الهفية".. صوتي وغطيني يا صفية!!!