إنه موسم الميراث فى البلاد العربية.. موسم ليس كل جيل محظوظ ليشهده والحمد لله أنَّا قد شهدناه، وكنا نظن لطول عمر المورثين وسوء عملهم أنه لا يأتى، وكنا نحسب أنه إن أتى لن يورثنا سوى أكل خمط وأثل وشىء من سدر قليل، وأن الوارثين لابد أنهم سيكونون على عمود النسب من ذرية مبارك والقذافى وعلى صالح، إلى آخره من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، حتى أنه ولسخرية الأحداث ومن سهولة انقياد شعوبنا فإن الورثة كانوا يحكموننا حال حياة المورثين فصرنا نناقش مبادرات أولياء العهد فى وجود أصحاب الجلالة، والفكر الجديد فى حضرة العهد القديم، وتبلورت النظرية الرابعة والكتاب البنفسجى ولم تطوِ بعد صفحات الكتاب الأخضر بنظريته الثالثة.. غير أن ما يسترعى انتباهى ليس مشهد الميراث فى مستواه الأعلى فى مستوى الرؤساء، إنما ما يثير الاهتمام هو مشهد التوارث فى مستوياته الأدنى، والمثال الأوضح هو ما يجرى فى مصر الآن من قتال ضار على تركة المخلوع والتى كان الشعب جزءًا منها باعتبار أنه كان يملك الأرض ومن عليها. - المستشار الزند يقترح قانونًا للسلطة القضائية يقترح فيه ألا يولى القضاء إلا من كان سليل قاضٍ أو مستشار، رافعًا شعار أن الله فضل بعضكم على بعض فى الرزق، وأن القضاة لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا وظائفهم التى هى مصدر رزقهم الوحيد، فكيف تنازعون أيها الناس أبناء القضاة فى أرزاقهم، والحقيقة أن ذلك المشهد كان الأكثر فجاجة فى تقسيم تركة المخلوع. - الدكتور الجنزورى يولى الوزارة، ومنذ اللحظة الأولى لولايته يطلق ممتاز السعيد بالونات اختبار يتحدث فيها عن التصالح مع لصوص الأراضى، ثم يصدر القرار تلو القرار بتسعيرها التحكمى، وتستوحى فايزة أبو النجا - بتعبير طه حسين – ألفاظًا كانت مستعملة فى العصر القديم من أمثلة الاستقرار والاستثمار والتكرار يعلم الشطار، باعتبار أن الأرض ميراث اللصوص بينما يرث الشعب ما تحدده الحكومة من ثمن بخس بأسعار وقت سرقة الأرض وبالتقسيط المريح، غير أن الورثة الجدد رفضوا التصالح والوصاية من الجنزورى وأبو النجا اللذين ظهرا وكأنهما المجلس الحسبى يجيز تصرفات جرت على أموال الورثة القصر المستضعفين. وبدت ظواهر الميراث فى كل مؤسسة حكومية فى مصر وفى كل شركة وأمام كل وزارة رايات للمستضعفين المطالبين بالتركة حتى اختلط الورثة بالأدعياء فى مشهد فئوى لم تشهده مصر من قبل، فمن بعد القضاة وواضعى اليد على أراضى الدولة جاء دور الجيش الذى أوحى إلى على السلمى ما أوحى فضمن السلمى وثيقته الشهيرة نصف التركة تقريبًا للجيش وللشعب كله النصف الآخر وجعل من الجيش البالغ الراشد قيمًا على الشعب السفيه المبذر، ووليًا لنعمته وحارسًا على مدنيته، ولم يزل الجنرالات يكافحون حرصًا على ميراثهم حتى أهملوا عملهم الأساسى وهو حماية حدود الدولة، فكانت الفجيعة على أرض رفح ما أعطى لرئيس الدولة الحق فى رفع الإصر والأغلال التى كانت عليه، وصار ميراث المجلس العسكرى هو فقط ما يستحقه نظير عمله المقدس العظيم من الدفاع عن الأوطان كحال كل العسكريين فى العالم. غير أن المشهد الأوضح فى تمسك أدعياء الإرث بميراثهم كان مشهد تمسك رؤساء الصحف القومية وإصداراتها بوظائفهم باعتبارها حقًا إلهيًا مقدسًا لا يمكن المساس به ولا الجدل بشأنه، فهم "ولا هم إلا هم" صناديد الصحافة وكهنتها، وأن رئاستهم للتحرير قد اختلطت بدمائهم الزرقاء، فهى فى أصل خلقتهم وخلقة الصحافة، فلا يجوز الجدل بشأن استحقاقاتهم، ولا يصح مثلاً – لا سمح الله – أن يحمل أحدهم السيرة الذاتية لشخصه النبيل ويسير بها إلى مجلس الشورى ليطلب من الورثة الجدد تثبيت حصته الميراثية، فيما اعتبره رؤساء التحرير انتقاصًا لسيادتهم على صحف الدولة وعودتها – لا قدر الله – إلى الشعب مالكها الأصلى ووارثها الشرعى.