احتفل الاتحاد الأفريقي قبل أيام بمرور نصف قرن علي تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية التي أسسها رواد التحرر الوطني الأفريقي عام 1963 بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ومعه الإمبراطور هيلاسلاسي. إمبراطور أثيوبيا في ذلك الوقت والزعماء جوموكنياتا زعيم كينيا. وكينيث كاوندا زعيم زامبيا والزعيم الغاني نكروما وغيرهم من رموز النضال الوطني الأفريقي في ستينيات القرن الماضي مثل جيوليوس نيريري ومانديلا رمز النضال الوطني ضد العنصرية. عندما استجابوا لنداء مصر وزعيمها في ذلك الوقت والذي يعتبره الأفارقة باني ومحرر أفريقيا الحديثة لتأسيس المنظمة. وجاء تأسيسها بعد سنوات قليلة من حرب السويس. وتأميم القناة ووضع حجر الأساس للسد العالي. أحد أبرز المشاريع القومية من أجل التنمية في أفريقيا. وبعد 8 سنوات من مؤتمر باندونج الذي أسس منظمة عدم الانحياز بقيادة عبدالناصر مع الزعيم اليوغوسلافي تيتو والهندي نهرو في فترة مهمة كانت مصر الدولة تشارك في رسم خريطة العالم الجديد. وتطيح بأحلاف الغرب واتفاقية "سايكس بيكو" التي قسمت افريقيا بين دول الاستعمار في بداية القرن الماضي. وبلا شك حملت المنظمة وهج ثورات التحرر الوطني الحديث في معظم دولها مع الزعماء الأوائل واستطاعت أن تشكل كتلة سياسية ضد الاستعمار. وبعد عقود التحرر ورحيل الرواد ترهلت المنظمة وبقدر نجاحها السياسي في المحافل الدولية فشلت خططها للتنمية خاصة في دول حوض النيل. وانشغلت دولها بالحروب العرقية ومشاكل التنمية وتزوير الانتخابات والقيادات الدائمة التي طبقت المثل الشعبي الذي أضعفها كثيراً وهو "يا مسا التماسي والموت علي الكراسي" اختلفت افريقيا من مرحلة الرموز الأوائل إلي مرحلة ما بعدهم ووقع كثير من الزعماء في فخ الدول الغربية والاستعمار السابق وغابت التنمية وحل محلها الصراع علي الحكم والحروب الحدودية كما حدث في الكونغو ورواندا والصومال والأوجادين وأنجولا ومالي والسودان وغيرها قائمة طويلة بدول جمعها علم المنظمة وفرقها تكالب القيادات علي الحكم. والقمة الأفريقية الاخيرة بمناسبة مرور نصف قرن علي تأسيسها حملت ملفات مهمة لحل النزاعات الكثيرة في دول القارة. وبينها ملف التنمية الذي تعرض للإهمال قرابة 4 عقود وتحولت اجتماعات المنظمة سابقاً. الاتحاد حالياً إلي تظاهرة احتفائية تعقد وتنتهي دون أجندة عمل ترسم استراتيجية أفريقيا الحديثة الغنية بالثروات والموارد الطبيعية التي لو استغلت استغلالاً صحيحاً ستبني كتلة اقتصادية تتفوق علي نمور آسيا التي استطاعت أن تقود العالم اليوم.. فقد تخلفت الدول الأفريقية في التعليم والصحة ويكفي أن مرض الإيدز ينهش عظام الملايين بها وينتظرون عطف منظمة الصحة العالمية والغرب بمنح العلاج. ومطلوب من زعماء أفريقيا اليوم قراءة برامج الرواد الأوائل ليحققوا حلم الافارقة في التنمية والبناء وإقامة مشروعات استراتيجية كثيفة العمالة بدلاً من أن تظل كما كانت في سنوات الماضي مجرد مصدر للمواد الخام للدول الصناعية التي لم تفكر في إقامة تنمية صناعية حقيقية في هذه الدول. بل كانت تعمل بخبث سياسي علي تغذية النعرات والنزاعات الحدودية والقبلية بحسب مصالحها مما عرقل خطط التنمية بها. والحقيقة أن أفريقيا الستينيات في مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار اليوم تحتاج أكثر من أي وقت مضي إلي استغلال مواردها وإقامة مشروعات استراتيجية واستغلال موارد القارة الاقتصادية في دولها والمؤهلة لأن تكون بها أكثر من نمور اقتصادية في شمالها ووسطها وشرقها وجنوبها. ولا يزال يحدونا الأمل في تحقيق حلم السوق الأفريقية المشتركة وبناء كيانات اقتصادية عملاقة تخاطب نحو 60 دولة بين كيب تاون والقاهرة. وما يؤلمنا اليوم كمصريين أن اثيوبيا مقر الاتحاد "صفعت" دول حوض النيل وسط غمار الاحتفال بمرور نصف قرن باقامة سد "النهضة" الذي يؤثر مباشرة علي حصة مصر في مياه النيل. ويفتح الملف الشائك الذي يشغل القارة وخاصة دول حوض النيل لسنوات اعتقد ليست قليلة.