يمثل المخرج محمد أمين حالة خاصة في الإبداع السينمائي المصري. فهو يقدم الفانتازيا السياسية في اطار كوميدي ويكتب ويخرج أفلامه. وقد بدأ تميزه واختلافه منذ فيلمه الاول "فيلم ثقافي" عام 2000. ثم كتب سيناريو فيلمين "جاءنا البيان التالي" و"أفريكانو" لكنه عام 2005 قدم "ليلة سقوط بغداد" الذي أثار جدلاً كثيراً تحت تأثير الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003. وفي عام 2010 كتب واخرج فيلم "بنتين من مصر" الذي عبر بوضوح سياسي عن الحال الذي وصلت إليه مصر قبل ثورة يناير. وتعرض له دور السينما هذا الاسبوع فيلمه الجديد "فبراير الأسود" والذي تبدو احداثه متأخرة عما يحدث في الواقع سنتين علي الاقل. لكن محمد أمين حاول أن يربط أحداث السيناريو المكتوب قبل الثورة بالاوضاع التي تعيشها مصر في المرحلة الانتقالية. يحكي الفيلم عن عالم الاجتماع الدكتور حسن "خالد صالح" وشقيقه الكيميائي الدكتور صلاح "طارق عبدالعزيز" اللذين يعيشان في منزل واحد مع أسرتيهما ويتعرضان أثناء رحلة سفاري إلي عاصفة رملية. أرسلت السلطات فرقة لانقاذهم فقاموا بانقاذ لواء أمن دولة وأسرتة أولا ثم رجل القانون المستشار وأسرته ثانياً وتركوا الباقي في الرمال المتحركة!! وبعد عودة حسن وشقيقه والأسرتين يفكر حسن في حل للمشكلة الاجتماعية التي يعيشونها حيث لا تعترف السلطة إلا بالضباط والمستشارين ورجال الأعمال بينما تهمل باقي فئات المجتمع. يقرر حسن أن يرتبط بأي شكل مع أي من تلك الفئات المتميزة اجتماعياً وسياسياً حتي يتمكن من البقاء في مصر. الفيلم كوميديا سياسية يعتمد السيناريو علي نفس بناء "ليلة سقوط بغداد" مع اختلاف الموضوع. وتعتمد الكوميديا علي البحث عن عريس للابنة ريم "ميار الغيطي" بشرط أن يكون من الفئات الاجتماعية المتميزة. كما تفكر العائلتان بالهجرة من مصر أو باحتراف ابنهم عمرو لعب الكرة وكلها محاولات للخروج من مستنقع التجاهل الاجتماعي إلي سطح التميز والاحترام الخاص. يبدأ الفيلم بلقطات حصول العالم المصري الشهير أحمد زويل علي جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 واستلام الجائزة من ملك السويد. وينتهي الفيلم بتردد العروس ريم بين العرسان الثلاثة الضابط والقاضي والعالم معتمد. وهل تختار العلم وهو طريق المستقبل لمصر أم غير ذلك. والحقيقة أن العرسان ينقصهم عريس رابع ظهر خلال المرحلة الانتقالية وهو السلفي أو المتشدد الذي سيعود بالعروس للوراء مائة عام إلي عصر الحريم. كوميديا محمد أمين كما ذكرنا لها مذاق خاص. فهي معجونة بالسياسة والنقد الاجتماعي مع بعض الاشارات الجنسية التي تنتزع ضحكات الجمهور. لأن محمد أمين خاصة في الافيهات الجنسية يميل إلي استخدام النظرة الشعبية السائدة للجنس بغض النظر عن كون هذه النظرة صحيحة أم لا.. لكن من العيوب الواضحة عند محمد أمين أنه يريد تبسيط رؤيته السياسية والاجتماعية من خلال احداث الفيلم بطريقة شديدة الوضوح حتي يبدو كمن يخاطب مجموعة من الأطفال. لكن الحقيقة أن جمهور السينما حاليا لم يعد يشكو من غموض الافلام السياسية كما في السابق. كما أن الفيلم ليس به رموز صعبة بل يبدو واضحاً أكثر من اللازم. وكما هي العادة في أفلام محمد أمين. تألقت كل الادوار بطريقة ملفتة للنظر خاصة ياسر الطوبجي في دور معتمد وطارق عبدالعزيز في دور صلاح وسليمان عيد في دور الكابتن نزهي وكذلك ادوارد وأحمد زاهر وأمل رزق والفت امام ورانيا شاهين ومعهم جميعاً خالد صالح في دور الدكتور حسن. "فبراير الأسود" عند محمد أمين يتحدث عما قبل "فيراير" الذي تنحي فيه مبارك. لأن الماضي كان سيئاً لكن الحاضر أصبح أسوأ!!