ذكرنا أن النفقة علي الفقراء من الواجبات الدينية التي يغفل عنها كثير من الناس. وأن الإسلام جعلها من المال في حق الأقارب ومن زكاة المال وصدقاته في حق غير الأقارب. وتكلمنا عن حكم النفقة علي الصغير من الأقارب. ثم قسمنا الحديث عن أحكام النفقة علي الأقارب البالغين الفقراء بحسب مرتبتهم من حيث كونهم من الوالدين أو غير الوالدين. "1" أما الوالدان الفقيران فقد بينا استحقاقهم للنفقة علي الأولاد ذكورا أو إناثا بالإجماع. وتكون النفقة بينهم بالسوية عند الحنفية والشافعية في وجه. أو بحسب درجة يسارهم عند المالكية في المشهور. أو بحسب نصيبهم في الإرث عند الحنابلة والشافعية في الوجه الثاني. ويثور التساؤل عن حكم نفقة الوالدين علي الأحفاد إذا انعدم الأولاد. أو كانوا فقراء؟ وقد اختلف الفقهاء في ذلك علي مذهبين. ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة : إلي وجوب تلك النفقة علي الأحفاد» لأنهم من جملة الأبناء. وذهب المالكية : إلي أن نفقة الوالدين لا تجب إلا علي الأولاد المباشرين فقط دون غيرهم» لأن صفة الوالدية لاتنسحب إلا عليهم. وهل يشترط لوجوب النفقة علي الآباء الفقراء أن يكونوا عاجزين عن الكسب؟ هناك مذهبان للفقهاء في ذلك : ذهب الحنفية وبعض المالكية وهو الأظهر عند الشافعية إلي وجوب النفقة علي الآباء الفقراء ولو كانوا قادرين علي الكسب» لأن الله تعالي قد أمر بالإحسان إليهم. وفي إلزامهم التكسب مع غني الأبناء ترك للإحسان إليهم وإيذاء لهم. وهو محظور شرعا. وذهب المالكية في المشهور والشافعية في قول للحنابلة إلي أن النفقة لا تحب علي الاباء الفقراء إن كانوا قادرين علي الكسب» لأن النفقة تجب علي سبيل المواساة والبر. والقادر علي الكسب في حكم الموسر مستغن عن المواساة. "2" وأما إذا كان القريب الفقير كبيراً بالغاً وليس من الآباء أو الأجداد مثل الإخوة والأخوات والأعمام والعمات فقد اختلف الفقهاء في حكم النفقة لهم علي مذهبين: المذهب الأول: يري أن النفقة علي الأقارب الفقراء البالغين من غير الآباء لا تجب مطلقاً. وإنما يأخذون من الزكاة. وهو مذهب المالكية والشافعية. وحجتهم: أن الشرع ورد بإيجاب نفقة الوالدين والمولودين. ومن سواهم لا يلحق بهم. المذهب الثاني: يري أن النفقة علي الأقارب الفقراء البالغين من غير الآباء واجبة في الجملة وإلي هذا ذهب الحنفية والحنابلة. وحجتهم : قياس الأقارب علي الوالدين. واشترط أصحاب هذا المذهب لوجوب النفقة علي الأقارب الفقراء من غير الآباء: أن يكون المنفق واجدا ما ينفقه فاضلا عن نفسه وعياله وخادمه. كما اشترطوا اتحاد الدين بين المنفق والمنفق عليه. كما اشترطوا صفة القرابة. إلا أن الحنفية فسروا القريب بذي الرحم المحرم. أمام الحنابلة فقالوا: يكفي أن يكون القريب وارثا. وحجة الجميع: قوله تعالي: وعلي الوارث مثل ذلك¢ "البقرة:233". وفي قراءة ابن مسعود: وعلي الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك . وزاد الحنفية شرطا وهو أن يحكم القاضي بالنفقة. فلا تستحق قبله» لأنها صلة محضة. وهذا بخلاف نفقة الأصول والفروع فهي لا تتوقف علي قضاء القاضي لأنها وجبت بطريق الإحياء. لما فيها من دفع الهلاك لوجود معني البعضية بين المنفق والمنفق عليه.