دراسة : بعض العيوب الشخصية لأحد الزوجين يثبت بها الخيار لفسخ عقد النّكاح أكد الدكتور محمد عبد ربه محمد السبحي مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة طنطا- أنّ الشّريعة الإسلامية حرصت على أن تكون العلاقة بين الزوجين أساسها الألفة والمحبة، فإذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيبًا، يمنعه من الاستمتاع، لم يكن يعلم به قبل إقدامه على عقد الزواج، فقد يؤدي ذلك غالبًا إلى فوات الألفة والمحبة . وتناول السبحي في الفصل الأول بدراسته، التي نُشرت بموقع الفقه الإسلامي بعنوان : "العيب الشخصي وأثره في عقد النكاح "، العيوب الخاصة بالرجل، مشيرًا إلى أنّ الفقهاء ذكروا أنها تتمثل في الجُب، والعنّة، والاعتراض، والخصاء. وأشار الباحث، إلى أنّه ثبت الخيار للمرأة بجب زوجها، وطلبت التّفريق فإن القاضي يُجيبها إلى طلبها فور ثبوت ذلك؛ لأنه لا فائدة في تأجيل المجبوب لفقدانه آلته، ولا يُرجى عودها مرة ثانية. أما العنّة فقال السبحي: إنها عيب من العيوب التي تُثبت الخيار للزوجة، موضحًا أن تعريف العنين اختلف فيه الفقهاء، فقال الحنفية: هو من لا يقدر على جماع النساء في الفرج خاصة، أو يقدر على جماع المرأة الثيب، ولا يقدر على جماع البكر، أو يقدر على جماع غير زوجته، ولا يقدر على جماع زوجته مع وجود الآلة، وذلك لمانع كأن يكون كبير السن أو مسحورًا أو ضعيفًا في أصل خلقته. وأضاف قائلا: إن دعوى امرأة الصبي والمجنون العنّة، عليهما لا تُسمع عند القاضي؛ لأن العنّة –كما ذكرنا- لا تثبت إلا بإقرار الزوج عند القاضي، أو شهادة شاهدين على إقرار الزّوج بأنه عنين أو بيمين الزوجة، بعد نكول الزوج عن اليمين، مشيرًا إلى أنّ إثبات العنّة خاصة في عصرنا هذا، يكون أمره موكولاً إلى الأطباء، حيث أصبح بإمكانهم إثبات ذلك بيسر وسهولة. وأضاف الباحث، أنّ الزّوجة إذا علمت بعيب زوجها وقت العقد، ثم أقدمت عليه، فإن حقها في طلب الفرقة يسقط؛ لرضاها دلالة بإسقاط حقها إلا في العنين، فإنها إذا علمت بعنته وقت العقد عليها، كما لو أخبرها بأنه عنين . وتطرق الباحث، إلى العيوب المختصة بالمرأة قائلا: هي العيوب التي لا يتناسب ظهورها إلا مع طبيعة المرأة غالبًا، وأكثر هذه العيوب تكون في موطن الحرث والنسل، وهذه العيوب التي تكون في هذا الموضع هي: 1- الرتق: وهو انسداد مسلك الذكر من بضع المرأة، بحيث لا يمكن معه الجماع، وهذا الانسداد تارة يكون بلحم، وتارة يكون بعظم . 2- القرن: وهو شيء يبرز من فرج المرأة يشبه قرن الشاة، يكون من لحم غالبًا، وتارة يكون عظماً . 3- العفل: لحم يبرز من فرج المرأة ولا يسلم غالبًا من رشح يشبه أُدْرة الرجل، بضم الهمزة وسكون الدال، أي انتفاخ خصيتي الرجل، وقيل: إنه رغوة في الفرج تحدث عند الجماع . 4- البَخر: أن يكون لفرجها رائحة نتنة تثور عند الوطء . 5- الإفضاء: اختلاط مسلكي الذكر والبول، أو بعبارة أخرى أن يكون مسلك البول ومسلك الجماع واحدًا، وكذلك إذا اختلط مسلك الذكر والغائط . 6- الاستحاضة: مجيء الدم للمرأة في غير أيام الدورة الشهرية . 7- الزهري: وهو مرض يبدأ بقرحة صغيرة قد تختفي داخل الفم، أو داخل المهبل أو عند الرحم . 8- السيلان: ويسبب التهابات مختلفة في الأعضاء التناسلية وقناة مجرى البول . والخصيتين في الرجال، والتهاب الرحم والقنوات في النساء، ويصيب أماكن كثيرة من الجسم مسببًا الالتهابات الصديدية في منطقة الحوض والتهابات المفاصل والعيون والقلب وأغشية المخ . وأضاف الباحث قائلا: فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والإمامية وبعض الزيدية، اتفقوا على أن الرتق والقرن من العيوب المثبتة للخيار، وأضاف المالكية، إلى هذه العيوب العفل والإفضاء والبخر، ووافقهم الحنابلة في الإفضاء والعفل، وكذا البخر في وجه، ووافقهم بعض الزيدية في العفل والبخر، ووافقهم الإمامية في الإفضاء، وأضافوا كون المرأة عمياء أو مقعدة، ولم يعتبر الشافعية من هذه العيوب سوى الرتق والقرن. ويرى الباحث أن كل عيب من العيوب السابقة، إذا سبب للرجل نفرة شديدة تُكدر عليه صفو الاستمتاع أو يمنع مقصود النكاح من الوطء، فإنه يثبت الخيار للرجل، ولكن إذا طلبت المرأة إعطاءها فرصة لمداواة ما بها من داء، فإنها تؤجل للتداوي مدة يضربها القاضي بناء على تقرير أهل الخبرة وهم الأطباء. وبيّن أن ليس من حق الزوج أن يمنعها من التداوي، وردها في الحال لأهلها، بل يلزمه أن يصبر المدة اللازمة لعلاجها، فإن انتهت المدة المحددة لعلاجها، ولم يذهب داؤها، فإن الزّوج يكون مخيرًا بين إبقائها في عصمته أو فسخ نكاحها، ولا يتحمل الزّوج نفقات العلاج؛ لأن عليها أن تمكن زوجها من أن يستمتع بها، واستمتاع زوجها متوقف على إزالة ما بها من داء، ولكنه يتحمل نفقتها من طعام وغيره؛ لأنه يتمكن من الاستمتاع بها من وجه آخر غير الوطء ولاحتباسها من أجله، ويشترط في التأجيل للتداوي إذا طلبته المرأة، أن يكون شفاؤها مرجوًا بلا ضرر يصيبها نتيجة لهذا التداوي، فإن كان يحصل بعد التداوي عيب في المرأة، فلا تجاب لما طلبته من التأجيل إلا إذا رضي الزوج بذلك، كما أنه ليس للزّوج أن يُجبر زوجته المعيبة على التداوي أو إجراء عملية جراحية لإزالة ما بها من عيب. وأشار الباحث إلى العيوب المشتركة بين الزوجين، موضحًا أنها هي التي يمكن أن تصيب كلا من الرجل والمرأة، وهذه العيوب كما عدها الفقهاء هي: 1- الجنون. 2- الجذام. 3- البرص. 4- الخنوثة. 5- العذيطة. 6- العقم. 7- بخر الفم. 8- الباسور. 9- الناسور. 10- الإيدز . ويرى الباحث، أنّ الرأي الراجح هو إثبات الخيار بهذه العيوب، وذلك لعدم إمكان تحملها ولعدم تحقق مقاصد النكاح معها، خاصة وأنّ هذه العيوب منها ما يُخشى منه العدوى والانتقال بالوراثة إلى النسل، ومنها ما يخاف معه على النفس. وتطرق الباحث في الفصل الثاني، خيار العيب في النكاح، وإلى نوع الفرقة التي تكون بسبب العيب في أحد الزوجين، هل هي فسخ أو طلاق؟ مشيرًا إلى الفقهاء على رأيين: الرأي الأول: وبه قال الشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية، إلى أنّ هذه الفرقة تعد فسخًا للنّكاح . الرأي الثاني: وبه قال الحنفية والمالكية، إلى أنّ هذه الفرقة تعد طلاقًا بائنًا. ويرى الباحث، أنّ الفرقة إن كانت بسبب عيب في المرأة فإنها تكون فسخًا، حتى لا يتحمل الزّوج توابع الطلاق مع أن الضرر واقع عليه، وأمّا إن كانت الفرقة بسبب عيب في الزوج فإن الفرقة تكون طلاقًا، حتى لا تضار الزوجة بسبب غرور الرجل لها وكتمان العيب عنها. وأوضح الباحث : أن الفرقة بين الزوجين بالطلاق تُحتسب من عدد الطلقات الثلاث، التي يملكها الزوج على زوجته، وأمّا الفرقة بالفسخ فلا تُحتسب من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته. وتطرق الباحث، إلى مسألة التفريق بالعيب، وهل تستحق المرأة المهر أم لا؟ مشيرًا إلى أن التفريق إن كان بسبب عيب في الزوجة، فإنها في هذه الحالة لا تستحق شيئاً من المهر. وأما إذا كانت الفرقة بسبب عيب في الزوج، فإن المرأة بعد الدخول تكون في هذه الحالة مستحقة للمهر كله وعليها العدة، وذلك لأن المهر يجب على الزوج بمجرد حصول عقد الزواج، ويستقر المهر بالدخول، كما أن المهر صار بالعقد دينًا في ذمة الزوج، والدخول لا يسقط هذا الدين، بل يؤكده، لأن الدخول ما هو إلا استيفاء المعقود عليه . وتطرق الباحث إلى مسألة المتعة قائلا : وجوب المتعة للمطلقة قبل الدخول ولم يسم لها مهر، بينما رأى أن حكم المتعة للتي لم يدخل بها الزّوج، وقد سُمي لها مهرًا، أن ما ذهب إليه القائلون بعدم وجوب المتعة للمطلقة قبل الدخول، وقد سُمي لها مهرًا هو الأولى بالقبول والراجح؛ وذلك لأن الله تبارك وتعالى ذكر للمطلقة في هذه الحالة نصف المهر، ولم يزد وهذا هو ما تستحقه بعدالة الشريعة؛ وذلك لأنه بالنّظر إلى الزّوج فإنها لا تستحق شيئًا من المهر ولا غيره، لأنه لم يستوف منافعه منها كاملة، وبالنّظر إلى الزّوجة فإنها تستحق المهر كله لما يلحقها من ضرر بيّن، فتوسط الشّارع الحكيم وجعل لها نصف المهر، وهذا يكفي لتحقيق العدالة، مشيرًا إلى اختلاف الفقهاء فيمن يراعي حالة في تقدير المتعة، على ثلاثة آراء: الأول: وبه قال أبو يوسف من الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية، في رأي عندهم إلى أن المعتبر في تقدير المتعة هو حال الزّوج من يسار وإعسار. الثاني: وبه قال الكرخي من الحنفية وأحد آراء الشافعية، إلى أن المعتبر في تقدير المتعة هو حال المرأة في يسارها وإعسارها . الرأي الثالث: وبه قال بعض الحنفية والشافعية في رأي ثالث، إلى أن المعتبر في المتعة حال الرجل والمرأة من يسار الزوج وإعسار ونسب المرأة وصفاتها. ويرى البحث : أنّ الرأي الراجح هو أن المتعة لا حد لها؛ لأن ذلك يوافق القرآن. وتطرق الباحث إلى عدة المعيبة قائلا : اتفق الفقهاء على أنه إذا وقعت الفرقة قبل الدخول والخلوة، فلا عدة على المرأة، كما اتفقوا على أنه إذا وقعت الفرقة بعد الدخول وجبت العدة . ثم اختلفوا بعد ذلك فيما لو حدثت خلوة بين الزوجين على رأيين: الرأي الأول: وبه قال الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو القديم من مذهب الشافعي إلى أنه تجب العدة على المختلى بها. الرأي الثاني: وبه قال الشافعي في الجديد والإمامية في الراجح عندهم، إلى أنه لا تجب العدة على من اختلي بها. ويرى أن ما ذهب إليه القائلون بأن الخلوة تُوجب العدة كما توجب المهر، هو الراجح والأولى بالقبول؛ وذلك لأنها مظنة الوقاع فتعامل معاملته خاصة، وأن الشّرع قد نص على اعتبار الخلوة في جانب المهر وتقريره كاملاً فيجب اعتبارها في إيجاب العدة. وتناول الباحث حكم النّفقة للزّوجة بعد الفرقة بالعيب، مشيرًا إلى أن الفرقة بالعيوب بين الزوجين هي فرقة بائنة بينونة صغرى، سواء عد الفقهاء هذه الفرقة طلاقًا أو فسخًا، حكم نفقة البائن اختلف الفقهاء في سبب وجوب النفقة للبائن الحامل على ثلاثة أقوال: الأول: ذهب الشافعي في الجديد وجماعة من فقهاء الحنابلة، إلى أنها تجب للزوجة من أجل الحمل؛ لأنها لو وجبت له لقدرت بكفايته، وذلك يحصل بما دون المد، لأنه دون كفاية أمه قطعًا، ولأنها تجب مع اليسر والإعسار، فكانت لها كنفقة الزوجات. والثاني: ذهب الشافعي في القديم والمالكية وبعض الحنابلة، إلى أنها تجب للحمل لأنها تجب بوجوده وتسقط بعدمه. والثالث: واختار ابن تيمية قولاً ثالثًا: هو أن النّفقة تجب للحمل، ولها من أجله لكونها حاملاً بولده، فهي نفقة عليه لكونه أباه لا لكونها زوجة له، ومعلوم أن أجر الرضاع تجب على الأب لكونه أبًا، فكذلك نفقة الحامل. وأوضح الباحث أن نفقة الحائل: هي غير الحامل، وقد اختلف الفقهاء في وجوب النفقة لها على ثلاثة آراء: الرأي الأول: وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة في رواية، وبعض الزيدية إلى أنه لا يجب لها من النفقة إلا السكنى. الرأي الثاني: وبه قال الحنفية والزيدية في الراجح عندهم إلى أنه يجب لها السكنى والنفقة. الرأي الثالث: وبه قال الحنابلة في ظاهر المذهب، والظاهرية والإمامية وبعض الزيدية إلى أنه لا نفقة لها ولا سكنى. ويرى أنّ الرأي الراجح هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية، ومن وافقهم من أن المطلقة البائن غير الحامل لها السكنى فقط وليس لها نفقة.