مازالت روائح الفساد التي سادت مصر علي مدي 30 عاما تلقي بظلالها من خلال مشروع العلاج علي نفقة الدولة الذي تسربت اعتماداته إلي جيوب الأثرياء. وأصيبت الخدمات الطبية بحالة من التدني الملموس والانهيار الحاد نتيجة لضعف الرقابة.. لقد اشتدت الأزمة وتوقفت الخدمات العلاجية المجانية تماما.. واختفي العلاج علي نفقة الدولة.. وأصبح توفير سرير بالرعاية المركزة يتطلب وساطة والعلاج أصبح للقادرين فقط.. أما الفقراء فليس لهم الحق في الرعاية الصحية.. بل عليهم فقط انتظار الموت.. بعد أن أصبح المريض عاجزا عن استيعاب تلك الأرقام الفلكية لأتعاب الأطباء.. والتي يكون الموت أهون من مجرد سدادها. ان ما نراه الآن يؤكد وجود خلل كبير في نظام العلاج علي نفقة الدولة نتيجة تراجع الاهتمام بالعلاج المجاني.. وهذا لا يحدث فقط في المستشفيات الحكومية بل في المستشفيات الخاصة ذات البريق والشكل الجمالي من الخارج فقط.. لكن ما يحدث داخلها شيء يختلف تماما لأنها مجرد مؤسسات تجارية لا علاقة لها بالرعاية الصحية.. فهي دون رقابة..! فكثير من مرضي الفشل الكلوي يشكون من الانتظار لفترات طويلة لإجراء الغسيل الكلوي في المستشفيات الحكومية.. وكثيرا ما يعودون إلي منازلهم دون إجرائها.. وآخرون يتعذبون من أجل تحديد موعد لجلسات العلاج الطبيعي علي فقرات العنق أو أسفل الظهر.. ويضطر بعضهم للعلاج الخارجي علي نفقتهم الخاصة في المراكز الخاصة. ورغم ان المقصود من التأمين الصحي الخدمات الصحية التي تقدم للمواطنين.. إلا انه أصبح جليا تدني مستوي هذه الخدمات.. وغياب المسئولية وضعف الرقابة وتحصيل مبالغ دون وجه حق. نعم.. النظام الصحي في مصر يعاني من أمراض خطيرة.. أبرزها الفوضي واهدار الامكانيات وتشتت المنظومة العلاجية وضعف تأهيل القائمين علي العملية العلاجية.. أيضا سوء معاملة العاملين بالتأمين الصحي للمرضي وكبار السن والاهمال الملحوظ لكل متردد علي مستشفيات التأمين الصحي.. يؤدي إلي تدهور حالاتهم. حضر إلي شاب بهيئة التأمينات الاجتماعية يعالج من قصور الأوعية الدموية ويحتاج لعملية جراحية سريعة.. ولم يتم حتي الآن تحديد موعد لها منذ شهرين لقلة عدد الأطباء وعدم وجود غرف متاحة. وآخر من المستفيدين من التأمين الصحي.. يقول تزداد أعباؤنا يوما بعد يوم من مشاكل التأمين الصحي.. فنحن كبار السن نعاني مشاكل الحجز بالتليفون عند الاستشاري الخاص بأمراض معينة.. وعند الحضور في الموعد المحدد.. نفاجأ باعتذار الطبيب فنعاود الكرة في الحجز عدة مرات في موعد لا يقل عن شهرين ونظل 4 شهور بدون علاج.. ونتساءل لماذا العرض علي الاستشاري.. إذا كنا نأخذ العلاج الثابت للأمراض المزمنة كالضغط والسكر والقلب.. لماذا لا يتم صرف الدواء عن طريق الاخصائي رحمة بنا حيث اننا نعاني من صعوبة الحركة والانتقال إلي مستشفيات التأمين الصحي. المرضي يشكون من عدم وجود الأدوية الحديثة لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية والدهون والكوليسترول والأمراض النفسية والعصبية ونقص عدد الأطباء المتخصصين في الأمراض المختلفة وهم يعالجون بأقل الامكانات. مطلوب إعادة هيكلة وتجديد المستشفيات الحكومية والجامعية وتجهيزها وفق معايير الجودة العالمية.. واعداد دورات متخصصة لكل العاملين بالهيئة وزيادة عدد الأطباء المتخصصين. أملنا في خدمة صحية متميزة بعيدة عن المعاناة والتعقيدات وأملنا في اصدار قانون موحد يقوم علي التكافل الاجتماعي وتغطي مظلته جميع المواطنين.. وتتحمل الدولة أعباء غير القادرين.. وحماية حقوق الإنسان. ومطلوب إنشاء جهاز مستقل لمراقبة أداء مقدمي الخدمة بما يضمن ضبط الأداء ورفع كفاءته والارتقاء بجودة الخدمة. وتوفير صيدليات للهيئة مع إدارة خاصة مهمتها مراقبة العمل وكتابة تقارير لكشف المقصرين وحل مشاكل الأطباء والعاملين.. وأن تختم عبوات الدواء بخاتم الهيئة مع تغليظ العقوبة علي المتلاعبين في صرف الدواء وتعمد تقديم بيانات خاطئة.