لاشك أن الفنان الراحل محمد فوزي هو واحد من أعظم فناني مصر والعالم العربي تلحيناً وغناء وتمثيلاً.. مثل 36 فيلماً منها ثلاثون فيلماً استعراضياً وكان هو الرائد في هذا المجال.. لحن حوالي 450 أغنية لنفسه ولكبار المطربين والمطربات إلي جانب المطربة اللبنانية فيروز. اشتهر بخفة ظله في تمثيله وفي أغنياته ولاتزال أغنية شحات الغرام مع ليلي مراد واحدة من الأغنيات الخالدة في خفة الظل.. وضع لحن النشيد الوطني للجزائر وهو أول من لحن وغني للأطفال وللمسرح الغنائي ومسرح الأطفال ومسرح العرائس. هو أول من أنشأ شركة لطبع الأسطوانات في مصر بعد أن كانت تطبع أسطوانات فنانينا في اليونان وإنجلترا وفرنسا وقد أممها عبدالناصر عام 1961 فأصابه بشلل مؤقت وبعد أن كان مالكاً لشركة مصروفون "نسبة إلي مصر" أصبح موظفاً بسيطاً وأعطوه غرفة البوفيه ليجلس فيها. هو أول من أدخل الأفلام الملونة إلي مصر من خلال فيلم "الحب في خطر". المدهش والغريب أن محمد فوزي كان لاعب كرة موهوباً من طراز فريد ولعب لفريق طنطا ومنتخب الوجه البحري وسمع عنه المدرب المجري سابو الذي تولي تدريب منتخب مصر لإعداده للمشاركة في كأس العالم عام 1934 بإيطاليا فاستدعاه للحضور إلي القاهرة لتجربته تمهيداً لضمه لمنتخب مصر الذي كان يتدرب بملعب الجيش البريطاني بكوبري القبة.. ولما حضر تاه في القاهرة التي نزل إليها لأول مرة وكان عمره 16 سنة فعاد ثانية إلي مسقط رأسه كفر أبوجندي ضواحي مدينة طنطا بمحافظة الغربية. اليوم الجمعة 19 أكتوبر 2012 يمر 46 عاماً علي وفاته حيث لفظ أنفاسه الأخيرة يوم الخميس 20 أكتوبر 1966 وخرجت جنازته في اليوم التالي الجمعة 21 أكتوبر من مسجد عمر مكرم ودفن في قبره بحي البساتين بجوار مسجد الدندراوي وشيعه آلاف المعزين من محبيه وعشاق فنه. بهذه المناسبة تقيم جمعية أصدقاء الفنان محمد فوزي التي يرأسها صديقه صلاح الشامي حفلاً لإحياء ذكراه وتقديم بعض الأعمال التي تم العثور عليها مؤخراً. كان صلاح الشامي الضابط بالقوات الجوية بعد خروجه من الخدمة ألحقه محمد فوزي بمعهد الموسيقي العربية ودفع له 8 جنيهات رسوم الالتحاق ووفاء منه لصديق عمره أنشأ جمعية تحمل اسم أصدقاء محمد فوزي وكان من عشاق محمد فوزي فضيلة الإمام الشيخ أحمد حسن الباقوري. صدفة خير من ألف ميعاد كان لي الحظ أن أعرف اللواء مهندس نبيل النجل الأكبر لمحمد فوزي وأصبح قريباً منه ووثيق الصلة به وعرفني علي والدته الحاجة هواية عبدالمحسن يوسف الزوجة الأولي للفنان محمد فوزي كما عرفني علي السيدة زوجته وأولاده. تعرفت علي محمد نبيل "اسم مركب" بالصدفة عندما كنت عند الحلاق محمود سعيد بشارع شريف وسط القاهرة المواجه لعمارة الإيموبيليا التي يمتلك فيها الفنان محمد فوزي شقتين.. إحداهما للسكن والأخري للإنتاج الفني وبعد وفاته عاش في الشقة الحاجة هواية مع ابنها نبيل محمد فوزي وأولاده.. أما في الشقة الأخري فحولها إلي مكتب استشاري هندسي وشركة للمقاولات. أخذني نبيل إلي شقة والده وجلست مع والدته وروت لي الكثير من حياتها مع فوزي وكيف تعارفا وحكت ظروفه وتألقه تم تأميم شركته التي قصمت ظهره. قدمت لي الحاجة هواية مجموعة صور نادرة منها صورة لمحمد فوزي وشقته العليا كبيرة جداً وغليظة قبل أن يجري عملية تجميل لها. قال لي نجله نبيل إن والده محمد فوزي كان يقرأ صحف الصباح وأحياناً يمسك بالعود ويلحن ويغني بعض مانشيتات الصحف وبعض المقالات دليل براعته وإبداعه وإحساسه العالي بالكلمة والجملة حتي لو كانت مانشيت في جريدة. 24 أخاً وأخت ولد محمد فوزي عبدالعال حبس الحو يوم الأربعاء 28/8/1918 بقرية كفر أبوجندي.. كان والده الشيخ حبس قارئاً للقرآن يتلو في المناسبات الدينية وسرادقات العزاء دون مقابل ابتغاء مرضاة الله ويعمل بالزراعة ليكسب قوت يومه. تزوج الشيخ عبدالعال حبس الحو ثلاث زوجات أنجب منهن 25 كان ترتيب محمد فوزي "اسم مركب" ال21 له 22 أخاً ذكراً.. وشقيقتان هما بهيجة الحو التي سيصبح اسمها فيما بعد الفنانة هدي سلطان والصغري زينب "زوزو الحو" التي سيصبح اسمها فيما بعد الفنانة هند علام. كان محمد فوزي صوته جميلاً وهو يرتل القرآن في الكتاب وأعجب بصوته عسكري المطافي محمد الخربوطلي فضمه معه إلي فرقة موسيقي المطافي وترك الدراسة وقام بتحفيظه بعض الموشحات والطقاطيق والأدوار ويأخذه معه إلي مولد السيد البدوي بطنطا وكانت هناك مساحات شاسعة حول المسجد وكان يلعب فيها الشباب والصغار كرة القدم ولمع ونبغ بينهم الناشئ محمد فوزي الذي اختاروه ليلعب مع فريق طنطا ثم مع منتخب شباب الوجه البحري وضمه اليوزباشي "النقيب" عبدالعزيز سرور لنادي طنطا الرياضي وعمره أقل من 16 سنة ومن شدة نبوغه رشحوه لمدرب المنتخب سابو المجري. التحق محمد فوزي بمدرسة طنطا الثانوية واستمر في تعليم الغناء والمشاركة في فرقة عسكري المطافي محمد الخرادلي وعلم والده فغضب أشد الغضب وقام بكسر آلة العود التي كان يتعلم عليها. في عام 1938 وقبل أن يكمل العشرين من عمره سافر محمد فوزي إلي القاهرة والتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي واستأجر حجرة متواضعة علي السطوح بشارع التوفيقية أمام المعهد بها حصيرة ومخدة وكليم للغطاء لكنه لم يكن يملك ثمن الطعام وكانت أمه ترسل له كل شهر جنيهاً دون أن يعلم والده وساعده أستاذه مصطفي العقاد في أن يلتحق بفرقة بديعة مصابني وكان من زملاء دفعته في معهد الموسيقي العربية أحمد فؤاد حسن ومحمد الموجي وكارم محمود وعطية شرارة وأحلام. في فرقة بديعة مصباني تعرف علي الراقصة تحية كاريوكا وفريد الأطرش وإبراهيم حمودة ومحمد عبدالمطلب والراقصة لولا عبده التي أحبها حباً شديداً وكانت تعليمات صاحبة الفرقة أنه لا حب ولا صداقة بين كل العاملين. اختارت تحية كاريوكا وعطية شرارة وفريد الأطرش اسماً فنياً للمطرب محمد الحو ليصبح محمد فوزي. علمت بديعة مصباني أن الراقصة لولا عبده تعيش قصة حب مع المطرب الجديد محمد فوزي فاستغنت عن خدماتها وحاول محمد فوزي أن يقنعها بإعادتها لكنها رفضت فقدم هو الآخر استقالته من أجل حبيبته وانضما معاً لفرقة فاطمة رشدي التي كانت تقدم أوبريت "مصرع كليوباترا" ولعب فوزي دور أنطونيو ولولا عبده دور كليوباترا وليلة افتتاح أوبريت شهرزاد مرض إبراهيم حمودة بطل الرواية فاستدعوا محمد فوزي للقيام بالدور بدلاً منه لكنه لم يتمكن من حفظ الدور فكان ينسي الجمل علي المسرح وأثار ارتباك كل المشاركين في الأوبريت. في عام 1944 اختاره يوسف وهبي ليمثل دور مطرب شاب في فيلم "سيف الجلاد" بدلاً من المطرب جلال حرب الذي طلب مائة جنيه للقيام بالدور وعرض يوسف وهبي 75 فقط فترك الفيلم ورشح له حلمي زقلة الماكيير في ذاك الوقت المطرب الشاب محمد فوزي ليقوم بالدور بدلاً منه وسأله عبدالوهاب هتأخذ مني كام وتلعب الدور؟ ورد محمد فوزي بقوله "يا يوسف بيه أنا أدفع كام علشان يكون لي الشرف أمثل أمامك فضحك يوسف وهبي وقال والله لأعطيك مائة جنيه وكانت المفاجأة أن فوزي هو الذي لحن كل أغنيات الفيلم وحده وأعطاه يوسف بك مائة جنيه أخري. تعاقد استوديو مصر مع محمد فوزي ليقوم ببطولة فيلم "أصحاب السعادة" ورفض واعترض المخرج محمد كريم لأن شفته العليا غليظة ولهجته ريفية فلاحي وأقنعه الماكيير حلمي رفله بأنه سيغير لهجته الفلاحي وسيأخذه إلي طبيب تجميل لتصغير شفته العليا وأخذه بالفعل عند طبيب بريطاني ومساعده المصري الدكتور نادر سويلم وأجري له العملية الجراحية الناجحة لم ينس محمد فوزي الجميل لصديقه حلمي رفله فأقنعه بأن يترك الماكياج ويتجه للإخراج وأنه سوف يسند إليه إخراج أول فيلم من إنتاجه وهو العقل في أجازة عام 1947 وأحضر الفتاة الصغيرة فاطمة شاكر لتكون بطلة الفيلم أمامه واختارت فاطمة لنفسها اسم شادية وهو اسم مديحة يسري "شادية" في فيلم أزهار وأشواك. اعترض محمد فوزي علي اشتغال شقيقته بهيجة الحو بالغناء وتغيير اسمها إلي هدي سلطان وقاطعها لمدة عشر سنوات ولم يصالحها إلا بعد أن تزوجت فريد شوقي وأقنعه بأن يلحن لزوجته هدي سلطان شقيقته بعض الأغنيات. أنتج محمد فوزي أول أفلام الألوان هي "الحب في خطر" و"نهاية قصر" و"بابا عريس". أحب محمد فوزي ليلي مراد وكاد يتزوجها لولا اختلافه مع والدها زكي مراد وشقيقها منير. اعتمد محمد فوزي مطرباً في الإذاعة عام 1952 بعد أن سقط ثلاث مرات بينما نجح كملحن من أول مرة عام .1941 في عام 1958 أنشأ محمد فوزي شركة مصرفون لتصنيع الأسطوانات.. كان مقر الشركة في العتبة والمصنع في العباسية الشرقية.. وفي عام 1961 أمم جمال عبدالناصر الشركة وأصبح اسمها شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات. وبسبب ذلك أصيب محمد فووزي بأزمة قلبية. في عام 1964 أصيب محمد فوزي بمرض لعين "سرطان في النخاع الشوكي" ونقص وزنه من 80 كيلوجراماً إلي 50 كيلو جراماً فقط وتدخلت أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب لدي جمال عبدالناصر لإرساله إلي الخارج للعلاج علي نفقة الدولة وسافر إلي ألمانيا ومعه زوجته الأخيرة كريمة فاتنة المعادي التي رافقته حتي وفاته ولم يحدث تحسن في صحته فسافر إلي إنجلترا ومنها إلي أمريكا للعلاج في مستشفي البحرية التي عولجت فيها أم كلثوم ولما شعر بدنو أجله أرسل خطاباً من أمريكا إلي صديقه الكاتب الصحفي مصطفي أمين ولما علم أنه تم سجنه عام 1965 بعث بالرسالة إلي إحسان عبدالقدوس يقول فيها "إن الموت علينا حق فان لم نمت اليوم سنموت غداً وأحمد الله أنني مؤمن بربي فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الدنيا ومن الآلام التي أعانيها.. فإن مت فسوف أموت قرير العين فقد أديت واجبي نحو وطني وأهلي ولست مديناً لأحد ولم أظلم إنساناً وأنا راض عما قدمت" تحياتي لمصر وأهلها. لم يستأثر إحسان عبدالقدوس وحده بالرسالة بل بعث بها إلي كل الصحف والمجلات لتنشرها لعشاقه ومحبيه. لم تنجح محاولات علاجه فعاد إلي مصر ليلحن آخر أغنياته وأحلي أغنياته لمصر جاي لك بشوقي يا بلادي من بعيد جاي لك وحاسس إني مخلوق من جديد ظل وزنه يتناقص حتي أصبح 39 كيلو جراماً فقط ولفظ أنفاسه الأخيرة يوم 19 أكتوبر 1966 ومات في ريعان الشباب وعمره 48 عاماً فقط تاركاً وراءه كنوزاً وثروات عن الفن مازالت خالدة وتعيش في وجداننا حتي اليوم.