تمردت الفتاة الجميلة وتكاسلت. ولنصيحة جدتها أهملت وتجاهلت. وصمت أذنيها عن تنفيذها وأعرضت. ولطائر خيالها أطلقت العنان وحلقت. لكن الأماني ضاعت وتبخرت فلا الأولي وقعت ولا الأخري تحققت. فتاة شابة فقيرة. نشأت يتيمة الأبوين. وعاشت مع جدتها العجوز في القرية الطيبة. تشاركها في عملها خلال مواسم الحصاد. تخرجان معاً إلي الطريق المؤدي للحقول. تجمعان سنابل القمح. التي تتساقط من أحمال الجمال وعربات الكارو. وفي آخر الموسم تتولي الجدة معالجة السنابل. واستخراج حبات القمح منها. ثم تخزينها. لطحنها في وقت الحاجة لصنع الخبز علي مدار العام. وتتكرر هذه المهمة.. في مواسم حصاد الأرز والشعير وغيرهما من المحاصيل. كما تخرج الأم الكبيرة. في معظم الأيام إلي الحقول المجاورة. تجمع بعض أعواد الرجلة أو الملوخية. وتعدها للطعام. وهذا الأمر يسعد أصحاب الأرض ويوفر عليهم جهد تنقية هذه النباتات مضت الأيام والشهور والأعوام متتابعة ومتلاحقة. والبطون هادئة ساكنة لا تشكو. أو تتألم. خلعت البنت الصغيرة رداء الطفولة. وارتدت ثوب الصبا والجمال. أصبح الوجه مشرقاً مضيئاً. وامتد القوام بالطول والعرض. وأعلنت تضاريسه وتفاصيله عن نفسها بشجاعة وقوة. جاء موسم الحصاد الذي تعرفه الجدة العجوز وانقضت أيام الربيع. وأقبلت أيام الصيف. وتحولت سنابل القمح من اللون الأخضر. إلي اللون الذهبي. تمنت الفتاة الشابة أن تستبدل ثوبها القديم بثياب جديدة. تناسب ما تحتها من كنوز وثروات وثمار ناضجة. وسرحت بخيالها. كأنها عصفور شاب يحلق في عالم الخيال. رأت فارس أحلامها. يحملها علي جواده الأبيض إلي عش الزوجية الدافئ الجميل. قالت الجدة: استعدي يابنيتي لجمع السنابل وردت الفتاة: كفي يا جدتي. وآن لرحلة الشقاء أن تنتهي. تقدم بك العمر. وظهرت عليك علامات الشيخوخة واضحة جلية وسوف تموتين هذا العام. وربما خلال أيام. وأنا علي أعتاب الشباب. وسوف أتزوج في القريب العاجل. وانتقل إلي عش الزوجية. يا ابنتي كل شيء بأمر الله. وعلينا أن نسعي علي رزقنا. طالما فينا عرق ينبض. كل الكائنات تفعل ذلك. الجاموسة تدور في الساقية. والحمار يحمل البرسيم. حتي الطيور في الهواء. والأسماك في الماء تبحث عن طعامها. لم تقتنع الفتاة بكلام جدتها. ورفضت الخروج لجمع السنابل. ولم تخرج الأم الكبيرة في هذه المرة لضعف بصرها. وأيضا لتعلم حفيدتها حكمة الحياة ودرسها الكبير. انتهي موسم الحصاد. وتتابع المساء بعد الصباح وجاءت الرياح بما لا يشتهي الملاح. فلا الجدة ماتت ولا الفتاة تزوجت.