تواصل تصويت الجالية المصرية بالكويت في ثاني أيام جولة الإعادة بالدوائر ال19    التضامن: تسليم 567 طفلًا بنظام الأسر البديلة الكافلة منذ يوليو 2024    بمناسبة أعياد الميلاد.. القابضة الغذائية تطرح «لحوم وأسماك» بتخفيضات 20%    ارتفاع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه في بداية تعاملات اليوم    البنك المركزي يحسم أسعار الفائدة في اجتماعه الأخير.. مساء اليوم    الإحصاء: 15% زيادة في أعداد خريجي الجامعات التكنولوجية عام 2024    الإمارات تسلم روسيا متهما في 15 قضية احتيال ب 88 مليون روبل    وزير الخارجية: استهداف مصر مستمر "كل شوية يطلعولنا بحاجة"، ونسعى للدبلوماسية الوقائية    تصاعد الخلاف بين بروكسل وواشنطن ..عقوبات الفيزا السبب    أطباء السودان: الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة    أمم أفريقيا 2025| حصاد مجموعة مصر بعد الجولة الأولى.. 6 أهداف وانتصارين    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    بدء استبدال «التوك توك» بسيارة «كيوت» صغيرة بمحافظة القاهرة | تفاصيل - صور    تغليظ عقوبات المرور... المواطن يدفع ثمن فشل نظام السيسي والطرق تتحول إلى فخاخ    تقديم أكثر من 10.4 مليون خدمة طبية بالمنشآت الصحية بكفر الشيخ خلال عام    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    وزير الري يلتقى وكيلة السكرتير العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية لاتفاقية مكافحة التصحر    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في محافظتي القاهرة والإسكندرية    مباريات اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    بشير التابعي يكشف عن الطريقة الأنسب لمنتخب مصر أمام جنوب إفريقيا    باسل رحمي: نعمل علي تنفيذ استراتيجية مشتركة للمساهمة في تنمية الصادرات    رئيس الوزراء: لا أعباء جديدة على المواطن في مراجعتي صندوق النقد الأخيرتين    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا التضامن و العمل يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتى الفيوم ووادى النطرون    إصابة 3 أشخاص فى حادث تصادم سيارة وتروسيكل بدار السلام سوهاج    بديل حضاري وآمن ومرخص.. بدء تنفيذ مبادرة استبدال التوكتوك بسيارات كيوت صغيرة بالقاهرة    وزير الثقافة: المرحلة المقبلة ستشهد توسعًا في الأنشطة الداعمة للمواهب والتراث    أنشطة متنوعة بمراكز إبداع صندوق التنمية الثقافية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    قوات الاحتلال الإسرائيلي تنتشر في عدة قرى وتفتش المارة بجنوب سوريا    هجوم أوكراني يستهدف خزانات النفط بميناء تيمريوك الروسي    جامعة العاصمة تنظم حفل تأبين للدكتور محمد فاضل مدير مستشفى بدر الجامعى السابق    طقس الكويت اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    جيش الاحتلال: هاجمنا عنصرًا مسلحًا في الناصرية جنوبي لبنان    أسعار الحديد والصلب في أسوان اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    بوتين يشيد ب«بطولات جنود كوريا الشمالية» في حرب أوكرانيا    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    تحدث بعد الجرعة الثانية، اكتشاف سبب التهاب عضلة القلب النادر بعد لقاحات كورونا    تطعيم الجديري المائي بمراكز «فاكسيرا» في القاهرة والمحافظات    بعد 159 عامًا في قصر العيني.. «البرلمان» ينقل جلساته للعاصمة الجديدة    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    سقوط نواب بارزين وصعود وجوه جديدة.. أطول ماراثون برلماني يقترب من خط النهاية    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    بعد تصريح مدبولي: "لا أعباء جديدة حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي".. كيف طمأنت الحكومة المواطنين؟    محافظ الدقهلية ونائبه يطمئنان على حالة المصابين بحادث العقار المنهار اجزاء منه بسبب انفجار غاز    كارم محمود: لم أجد صحفيا مهنيا تورط يوما في انتهاكات أثناء تغطية العزاءات    الكاميرون تفتتح مشوارها الإفريقي بانتصار صعب على الجابون    دوري أبطال آسيا 2.. عماد النحاس يسقط بخماسية رفقه الزوراء أمام النصر بمشاركة رونالدو    كأس الأمم الأفريقية 2025.. الكاميرون تهزم الجابون بهدف "إيونج"    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    صاحب فيديو صناديق الاقتراع المفتوحة بعد خسارته: لم أستغل التريند وسأكرر التجربة    العالمي فيديريكو مارتيلو: الموسيقى توحد الشعوب ومصر وطني الثاني    صفاء أبو السعود: 22 دولة شاركت في حملة مانحي الأمل ومصر تلعب دور عظيم    سكرتير بني سويف يتابع أعمال تطوير مسجد السيدة حورية للحفاظ على هويته التاريخية    بالأسماء، أحكام الإدارية العليا في 49 طعنا على نتائج ال 30 دائرة الملغاة بانتخابات النواب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بويتري».. سينما إنسانية ومشاعر ممزقة
نشر في القاهرة يوم 25 - 01 - 2011

"ميجا" امرأة تعيش في مدينة ريفية يقيم معها في شقتها الصغيرة شاب مراهق يدعي "ووك". انتقلت أمه بعد الطلاق إلي مدينة أكبر اسمها "بوسان". تركته لترعاه أمها "ميجا" المرأة ذات الست والستين سنة من العمر التي تزحف عليها الأعراض الأولي لمرض "الزهايمر" فتنسي أسماء الأشياء التي تحتاج إلي التعامل معها في حياتها. مع ذلك تقوم برعاية رجل مُسن أصيب بالشلل مقابل أجر تسد بها احتياجاتها، رجل ثري يملك صيدلية كبيرة تعمل فيها بناته، لكنه عاجز عن مغادرة المكان الذي يسكن فيه، فتذهب إليه لتُحممه وتُساعده في تغيير ملابسه وفي تناول طعامه وقضاء حاجته.
"ميجا" قضت حياتها مثل أغلب النساء في العناية بالآخرين، والآن بعد أن كبرت وأصبحت جدة تتحمل صلافة الرجل العجوز القبيح الذي ترعاه، مثلما تتحمل تصرفات حفيدها البليد والفظ الذي يقضي الساعات بعد عودته من المدرسة في متابعة ألعاب الكمبيوتر، أو في الحديث عن طريق المحمول مع أصدقائه، أو مصاحبتهم إلي صالات الألعاب الإلكترونية لكنه يغلق علي نفسه باب غرفته ولا يتحدث مع جدته، ولا يغسل الأوعية التي يأكل فيها، ولا يقوم بإزالة الأوساخ أو ترتيب الفوضي الذي يتركها وراءه.
دهشة الشعر
تائهة في الحياة، حزينة تتذكر "ميجا" أمها كانت تقول لها :ابتسمي لكي يقبل عليك الشبان." ترتدي أثواباً وقبعات رُسمت في قماشها زهور ألوانها زاهية، وتبحث عن وسيلة لتجميل حياتها، لتحقيق ذاتها. في أحد الأيام تصادف لافتة موضوعة علي أحد الجدران تُعلن عن جمعية يتم فيها تعليم الناس كتابة الشعر. تتذكر أن إحدي مدرساتها قالت لها إنها تحمل في أعماقها عرقاً شاعرياً فتنضم إلي الجمعية، وتحضر اجتماعات تعليم الشعر مع مجموعة من النساء والرجال. تتتبع المدرس وهو يقلب تفاحة بين يديه ويقول: "إنكم تصادفون هذه التفاحة في حياتكم لكن يجب أن تتأملوها من مختلف زواياها لتكتشفوا ما فيها من جمال. عندئذ ستصيبكم الدهشة. الشعر هو الاندهاش إزاء ما نراه في حياتنا، اندهاش يحرك مشاعرنا، ويدفعنا إلي التعبير عنها، عن صور في خيالنا".
في المفكرة التي تحملها تشرع في كتابة ملاحظاتها وتتساءل هل ستستطيع ان تكتب الشعر فعلاً، فكل محاولاتها تنتهي بالفشل، تُعاني إحساساً بالعجز لأسباب تظل خافية عليها. يبدو العالم من حولها خالياً من الجمال، ومن العواطف الإنسانية فالمحيطون بها لا يبالون بامرأة عجوز ووحيدة مثلها.
في أحد الأيام تسمع عن وقوع حادثة مفزعة في المدرسة التي يتردد عليها حفيدها. خمسة من الشباب قاموا باغتصاب زميلة لهم عدة مرات مما دفع الفتاة إلي الانتحار بإلقاء نفسها من علي كوبري إلي النهر. تحزن لمصير الفتاة، شقيقتها في المعاناة ورغم أنها لا تعرفها لكنها مثلها ضحية لغدر المجتمع، فتستبشع ما قام به هؤلاء الشبان دون أن تُدرك أن الجريمة التي وقعت ليست مفصولة عن جانب من حياتها. تمر الأيام ليتضح أن حفيدها التي تحملت أوزاره حفاظاً علي الأسرة، وحباً في الوريث التي وضعت فيه آمالها هو أحد الشبان المشاركين في اغتصاب الفتاة، ودفعها إلي الانتحار. يتصل بها أحد آبائهم مُوفداً من الآخرين خوفاً من أن تُخطئ التصرف فيكتشف أن أبناءهم هم الذين ارتكبوا الجريمة. يدعوها إلي حضور اجتماع سيناقشون فيه وسائل الحيلولة دون تسرب المعلومات عما جري إلي الصحافة، أو البوليس بعد أن اتفق أحدهم مع ناظر المدرسة علي الكتمان حفاظاً علي سمعتها.
شراء الصمت
في هذا الاجتماع الذي يعقد في مكتب أحدهم يدور النقاش وهم يحتسون البيرة ويتفقون علي جمع مبلغ من المال يشترون به صمت الأم التي فقدت ابنتها الوحيدة، فيطلبون من "ميجا" دفع نصيبها. تنصرف قبل أن يفضوا الاجتماع بحركة فيها إعراض عن اللامبالاة القاسية التي يظهرونها وتسير في الشارع لا تلوي علي شيء، ممزقة بين بشاعة ما يراد منها إخفاؤه وحرصها علي حماية حفيدها. تزور أم الفتاة المرأة السمراء الجميلة فتلتقي بها في الحقل الصغير الذي تملكه. تحضر القداس الذي أُقيم في الكنيسة بمناسبة وفاة الضحية، وتستولي خلسة علي صورة لها كانت علي رف في مدخل الكنيسة. تقصد معمل المدرسة الذي حدث فيه الاغتصاب. تفعل كل هذا مدفوعة برغبة غامضة في تتبع ما يتعلق بمصير الفتاة المسكينة. تضع الصورة علي مائدة الإفطار ليراها حفيدها فيلقي عليها نظرة عابرة وهو جالس يتناول طعامه ثم ينصرف دون أدني تعبير في الجمود البليد لوجهه. في اليوم التالي تتجه إلي الكوبري الذي قفزت من فوقه الفتاة وتتأمل مياه النهر من أعلي الحاجز. ينهمر عليها مطر غزير، يبلل ملابسها تماماً وفجأة كأنها حسمت أمرها تتجه إلي مسكن الرجل العجوز المشلول الذي ترعاه بعد أن انقطعت عن الذهاب إليه لأنه حاول ان يضاجعها. تصعد السلالم وتقتحم غرفته. تبحث في الأدراج عن أقراص الفياجرا التي يحتفظ بها. تناوله كوباً من الماء وقرصاً ليبتلعه، وأثناء قيامها بتحميمه تُساعده علي ممارسة الجنس معها في مشهد يجمع بين قُبح ما يحدث معها، والتعاطف مع الرجل الهرم المشلول الذي يريد أن يحيا لحظة من المتعة قبل أن يموت، ثم تستغل رغبة الرجل العجوز للتستر علي ما حدث لترغمه علي كتابة شيك بمبلغ المال الذي ستساهم به لشراء صمت أم الفتاة. تُسلم المبلغ لرجل الأعمال الذي كان يتصل بها ثم تتصل برجل من رجال البوليس تعرفت عليه في جلسات إلقاء الشعر فيحضر ويتسلم حفيدها. تترك قصيدة تُعبر فيها عن التصالح الذي وصلت إليه مع نفسها، عن التجربة الفاصلة التي مرت بها في حياتها يقرأها المدرس علي المشاركين في الجمعية وهي غائبة لأنها في هذا الوقت كانت قد استقلت أتوبيساً مرتدية أزهي ثيابها لتتوجه إلي الكوبري الذي انتحرت من أعلاه الفتاة. تقف عند الحاجز وتتأمل النهر المتدفق تحته وفي آخر مشهد نري صورة الفتاة وهي تبتسم لينتهي الفيلم بخاتمة مفتوحة لتفسيرات مختلفة وربما متضاربة.
مجتمع قاتل للمشاعر
مخرج هذا الفيلم وكاتب السيناريو من كوريا الجنوبية اسمه "لي شانج دونج". استند في هذا الفيلم إلي حدث وقع بالفعل في إحدي مُدن الريف. اختار أن يكون المشهد الأول فيه جثة فتاة طافحة علي المياه المتدفقة للنهر يسارع بانتزاعها منه شبان كانوا يتنزهون علي الشاطيء. غامر "لي تشانج دونج" في اختياره إخراج هذا الفيلم فهو ليس من النوع الذي يجذب لرؤيته عدداً كبيراً من رواد السينما. غامر في اختياره موضوعه، وفي الشخصية الرئيسية التي جعلها محور الفيلم، امرأة عجوز عمرها ستة وستون عاماً، في الأسلوب الهاديء الذي تعرض به لأدق المشاعر، للتمزق الذي استولي عليها إزاء ما قام به حفيد له مكانة خاصة في مشاعرها. تعرض في الفيلم لظاهرة خطيرة أصبحت شائعة علي نطاق العالم في كل قطر وفي كل مكان، ظاهرة إجرامية ضحاياها أساساً نساء في سن الشباب تترك علي حياتهن أثاراً لا تُمحي، وفي سياق الفيلم صور ما حدث لأعداد كبيرة من شباب هذا العصر في مجتمع ذكوري تربعت عليه فئة رجال الأعمال، مجتمع تكنولوجي ساد فيه البحث عن الماديات، وساد فيه الاستمتاع السريع، والعنف، والاغتصاب علي حساب القيم الإنسانية والحس الأخلاقي. هذا دون أن يلجأ إلي الخطب أو الوعظ، او الفرقعات المثيرة وإنما اعتماداً علي التفاصيل الصغيرة، علي ردود فعل الشخصيات في الفيلم، والتحليل الدقيق المرهف لذواتهم.
حصل هذا الفيلم علي جائزة السيناريو في مهرجان "كان" السينمائي الدولي 2010 - وعُرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الرابع والثلاثون خارج المسابقة الرسمية - لأن موهبة "لي شانج دونج" تبرز علي الأخص فيما يكتبه رغم قدراته الواضحة كمخرج، ففي هذا الفيلم اخترق وجدان المشاهد لكن ربما دون أن يصل إلي أعمق أعماقه، دون أن يحرك مشاعره بالقدر الذي حرك به عقله، ذلك أن الفيلم بإيقاعه الهاديء المتأمل كان تحليلياً أكثر منه مبنياً علي تحريك المشاعر. إنه إيقاع فرضه اختياره للشخصية الرئيسية، لجدة سنها ستة وستين عاماً، ولا بأس من ذلك فإننا في حاجة إلي سينما تُثير تفكيرنا، وتساؤلاتنا، وتُعطينا الفرصة لتأمل الحياة التي نعيشها في هذا العصر. فتُبعدنا أحياناً عن الانغماس في المشاعر الساخنة والصاخبة علي حساب الفكر. تجعل المشاهد يحافظ علي قدر من المسافة بينه وبين العمل الفني وهي مسافة مطلوبة لكي يعمل العقل.
انقلاب المعايير
قادنا المخرج بلمساته الحساسة إلي المشاركة في المأساة التي توالت فصولها في مسألة لصيقة بحياتنا، لكن نادراً ما يتناولها صناع الفن السينمائي. قادنا إلي التفكير في أسلوب حياتنا، في المقاييس التي تحكمها. إلي الإدراك بأن شخصية الإنسان تصنعها الأوضاع التي تُحيط به في المجتمع قبل أي شيء آخر، قبل الوراثة أو الاختيار الحر للشخص، بأن المال والماديات أصبحت تُشكل تصرفاتنا ومقايسنا في عالم انقلب فيه كل شيء إلي سلعة تباع وتشتري حتي ضمير الإنسان، حتي مشاعره ونظرته للصواب وللخطأ.
كان المراهق "ووك" وزملاؤه، كان رجال الأعمال آباء الشبان الأربعة، كان ناظر المدرسة ورجل البوليس الذي قبض علي الولد "ووك" في نهاية الفيلم، كانت أم الفتاة التي قبلت الصمت مقابل ترضية مالية، كان الرجل العجوز المشلول الذي استأجر جسد الجدة بماله مقابل لحظة حس عابرة، بل كانت حتي الجدة في النهاية ضحية للمال الذي سعت للحصول علي مبلغ منه لتُنقذ حفيدها المجرد من كل خلق أو حس.
اختار "لي تشانج دون" الممثلة القديرة والمخضرمة "يون جونج هي" لتقوم بدور الجدة "ميجا". جذبها من اعتكافها الطويل دام ستة عشر عاماً لتقوم بدور امرأة عجوز كجزء من المغامرة التي قرر أن يخوضها بإخراجه لهذا الفيلم متحدياً عالم سينمائي صار مبنياً علي نجوم صغار السن، صاحبات أجسام رشيقة، وملامح مرسومة خالية من التجاعيد ليقدم لنا نموذجاً من البشر تم ركنه علي رفوف النسيان، رغم أنهن بشر مازال لهن دور مهم في حياة كل من يتذكر طفولته، ويدرك أهمية الأثر الذي تُمارسه الجدة في وجودنا. اختار هذه الشخصية لأنه أراد أن ينبهنا إلي خطأ هذا النسيان، إلي خطأ التغاضي عن حكمة وإدراك الجدات ودورهن في مواصلة الحياة، في إضفاء مشاعر وتجارب يجب أن تظل جزءاً من بنيان نحن في حاجة إليه. لكن في النهاية كانت المغامرة التي خاضها ناجحة لأن "يون جونج هي" استطاعت أن تحمل هذا الفيلم من أول حتي آخر لحظة علي جسمها الضئيل وملامحها المعبرة، وتمكنت أثناء الساعتين والتسعة وثلاثين دقيقة أن تُجسد أدق الأحاسيس. نجحت أيضاً لأن المخرج وهو كاتب السيناريو أحاطها بنماذج من البشر مختلفة تماماً ساعدت علي المقارنة فجعلنا نري مميزاتها الإنسانية وقيمتها بوضوح كامرأة أعطت لأسرتها طوال حياتها ثم أقدمت علي فعل أقسي ما تستبشعه مع الرجل العجوز المشلول لإنقاذ حفيدها ولنواجه بمشهد ربما هو الفريد من نوعه في تاريخ السينما.
فيلم "بويتري" يحدثنا عن ضياع الشعر في حياتنا، عن ضياع الاندهاش والإحساس بجدة وجمال ما يمكن أن نراه أثناءها رغم كل القبح الذي يحاصرنا في سوق معولم يولد مختلف صور الاغتصاب علي حساب ما يعطي معني أعمق للحياة. فيلم حدثتنا الكاميرا فيه عن رؤية الطبيعة، رؤية المياه، والخضرة والأشجار، فقد التقط المصور مناظر لها تخطف الأنفاس أضافها إلي تتبعه الدقيق لملامح المرأة "ميجا" المعبرة عن الحيرة والتأمل والتساؤل، واليأس والحزن والاندهاش مما يحدث حولها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.