عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلاحة المصرية التى لا تستريح
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 05 - 2009

الفلاحة المصرية كائن لا يهدأ طوال النهار: تطبخ وتغسل الأواني. تعمل فى أرضها وفي أراضى الآخرين بالأجر. تفصل ثيابها بيديها وتدخل جمعيات لتحل مشاكلها الاقتصادية دون عبء إضافى على الزوج.
تبيع الجبن والزبد، وتتصدق ببعض الحليب "زكاة" عن الحبايب. تخترع أكلات بسيطة ورخيصة لكن مشبعة فى الظروف
طريق ترابي ضيق، علي جانبية حقول كالبساط الأخضر يتخللها أشجار البرتقال بزهورها التي تمليء الهواء بعطرها، وحقل اقتربت سنابل القمح به من النضج فتميل إلي اللون الذهبي.
وعلي الجانب الآخر لوحة رائعة تمتزج بها ألوان الخضروات وبراعم الثمار التي لم تنضج بعد.
ينتهي الطريق بمنعطف علي ناصيته بيت شاهق الارتفاع من الطوب الأحمر لم يكن موجودا من سنوات قليلة مضت، ويجاوره عدد من البيوت المنخفضة المبنية بالطوب اللبن، بألوانها المبهجة، أبوابها الضخمة المفتوحة دائما، أمام أحد تلك الأبواب وعلي المصطبة.
تجلس الست محاسن إحدي الفلاحات بقرية كفر منصور بمركز كفر شكر، مع مجموعة من النساء يفترشن الأرض ويتعاون في تفريط كمية كبيرة من الذرة.
"العيش عندنا خلص وبنحضر للخبزة الجاية، ما نعرفش تأكل عيش الطابونة". تقول الست محاسن وهى تستعد للحدث الكبير.
يوم الخبيز أشهر المناسبات التي يجتمع فيها نساء القرية، تتجمع عيه أكثر من أسرة تقتسم مجهود العجن والخبيز الشاق، وفي ذات الوقت تكون فرصة جيدة تتبادل فيها النساء الحكايات. "ما فيش سر يستخبي في القرية أكتر من يوم، والبركة فينا احنا الستات".
محاسن، 45 سنة، تستضيف فريق الخبيز، فقد عرفت القرية وظيفة الخبازة مع انتشار التعليم.
سومة هى خبازة القرية التي تتولي الخبيز عن ربة البيت، التى لا تجد الوقت، أو التي لا جيد الخبيز. تقول الست محاسن قائلة "وأنا عندي 6 سنين كنت أكنس وأطبخ، ولما تميت السابعة كنت أقعد مع أمي وأخبز مكانها.
وكان هو ده العادي، كانوا أهلى يقلعوا ويزرعوا، وأمي كانت تبقي طول النهار في الغيط، وأنا أشيل البيت".
تسكت برهة ثم تقول "طب إية رأيك إني أتجوزت وأنا عندي 13 سنة".
يرتفع صوت أم محمود إحدي الفلاحات الجالسات، "13 سنة ايه، أنا متجوزة وأنا عندي 10سنين، كنت أنام علي نفسي، وجوزي كان يشيلني علي كتفه و ينيمني في المقعد بتاعنا، وخلفت محمود قبل ما تم 11 سنة".
قديما كان سن الجواز من 9 إلي 16سنة، ومن تعدت 16 بدون زواج تصبح عانسا، حاليا لا تتزوج البنت قبل 18 لأنها تكون قاصراً، إلا أن زواج دون 18 مازال موجودا "لسه قريب البت فاطمة بنت أم حسن اتجوزت ابن عمها وهي عندها 14 سنة، دفعوا للمأذون والحكاية عدت"..
هل مازالت "بنت العم لإبن العم بثلاثة فضة"؟
ترد غالية إحدي الجالسات، فلاحة شابه في وجهها حسن يختفي تحت قناع من التعب والتراب وآثار الشمس الحارقة. "آه، إحنا ستر وغطا علي بعض وهو أولي وبكده نحافظ علي الأرض بدل ما تتفرق. أنا اتجوزت ابن عمي، أو يعني الرجالة اتفقوا وما ينفعش اكسر كلامهم.
بس ابن عمي هناني جاب لي شبكة بألفين جنيه، وبدل ما هي مرمية في البيت، بعتها بعد كده كملت علي ثمنها واشتريت جاموسة، مش هناكل من الدهب، لكن الجاموسة هي اللي فاتحة البيت".
في أحيان كثيرة تتم خطبة البنت وهي طفلة تقول محاسن "البنت تتحجز من صغرها وممنوع حد يخش عليها، وقبل الجواز بشهر بتقعد في البيت ، لا يراها العريس علشان ما تنكبسش، وما حدش يعمل لها عمل، فيؤثر علي العلاقة الزوجية بينها وبين العريس".
عم محمد زوج الست محاسن كان يراها أثناء مرورها أمام حقله في طريقها إلي أرضها. "كان عنده أربعين سنه ومطلق وعنده ثلاث أطفال، نفيسة كانت أكبرهم، وكانت أصغر مني بسنة، أهلي غصبوا عليا، قلت لأ كتير.
وفي الآخر اتجوزته غصبانيه". سبب تصميم أهلها علي زواجها منه "لإنه كان طيب وزرعته مرعرعة".
يستدرك محاسن الكلام موضحة أن في الوقت الحالي البنات المتعلمات، خاصة التعليم الجامعي الآن مسموح لهم المشاركة في اختيار شريك الحياة، "زمان كان دكتور الصحة بيسنن البنت، يعني يقول شكلها يديها كام سنة والمؤذون يكتب الكتاب علي أساس الشهادة دى".
وتلمح شبح ابتسامة وتقرأ في عينها الفخر وهي تقول " لما الدكتور شافني قال علي طول ما شاء الله دي عروسة، هي دي محتاجه قولان ،أصل الخير كان كتير، فرجلي شالتني بسرعة".
تتذكر الست محاسن إن مهرها كان 40 جنية "اشتريت كردان خمس أدوار وحلق والنحاس وسرير، وكل ده إتحمل علي عربية كاروا بحصان والناس تزفتها وتقول عطر مين ده؟ دلوقي أنا صرفت علي سعاد بنتي في جوازها ولا عشر آلاف ولسه في واحدة الله أعلم هتأخذ كام؟".
تصمت ربما تفكر في التكلفة أو تنتظر مواساة.
الداية هي البطل الأول و الأساسي في الزواج ، فهي التي تتولي تجهيز العروسة وتزيينها وكانت تدخل مع العريس يوم الفرح.
"وشك شارد يالعريس".
مطلع الأغنية التي تغنيها أهل البلد وهم يمشون خلف أهل العروسة، وهم يطوفون البلد "بالثلاث محارم" فخرا بعرض ابنتهم الذي هو دليل شرفهم. تقول محاسن أن هذه العادة قلت بشكل كبير إلا أنها مازالت موجودة في قري كثيرة. "من قريب كنت في الشرقية في فرح ابن عمتي وعملوا الحكاية دي".
ومن الأدوار الرئيسية التي تحتفظ بها الداية دور دكتور النساء والتوليد. "معظم عيال القرية مولودة علي يد زينب الداية، وهي بتأخذ 40جنية، ولما الولادة تكون عسيرة تشم بيضة ولا بصلة، ولو مجاش الفرج نتصل بالإسعاف أو نروح المستشفي".
حتي آخر أيام الحمل لا تتوقف الفلاحة عن العمل وتحكي "كنت في آخر أيام الحمل ورحت أجمع الدودة من القطن، جالي الوجع هناك رحت البيت ووضعت، وبعد أسبوع نزلت أجمع الدودة تاني".
بعد الولادة ترتاح الفلاحة سبعة أيام حتي السبوع، وبعدها تقوم بمهامها سواء في الحقل أو البيت "نترك الطفل في المنزل مع حماتي وأبقي أرجع أشوفه كل فترة، لحد ما يبقي كام شهر أخده معايا، وأتركه بجانبي وأنا باشتغل".
من العادات الراسخة في السبوع والتي تعتقد فيها نساء القرية تقول محاسن "الداية لازم تعمل حجاب به سبع حبات منهم فول وعدس ورز، حجاب تعطيه للأم والثاني يتعلق علي صدر العيل.
وبعد ثلاث أيام ترميه في البحر، في النيل يعني، علشان رزق العيل يبقي كثير، ده غير عقد فيه 15 حبة حمرا تلبسه الأم قي رقبتها، علشان اللبن يكتر.
أنجبت الست محاسن ثمانية أولاد تقول "زمان كان فيه أرض واسعة وتحتاج شغل كتير، بس بقينا بنروح الوحدة وبنأخذ وسيلة لمنع الحمل".
توضح الست محاسن أن الحياة زمان كانت بسيطة، لا تحتاج للنقود، وخير الأرض من حب وخضار كان كافيا لمتطلبات الحياة. "أنا كنت بشتغل عند صاحب الأرض اللي مأجرين منه، وهو يخصم حق شغلي من ثمن الإيجار".
بعد الجواز بأسبوع نزلت محاسن مع زوجها الأرض. "كنا بنزرع 20قيراط، منهم عشرة بالإيجار، الأرض كانت بتجيب خير بس بالتعب والشقي، أنا اللي بزرع الأرض أصل عمك محمد كان بيشتغل بالأجرة أو في مصنع علشان يجيب قرش للبيت، كانت يوميته ثلاث قروش بمقام ثلاثين جنية.
كان لازم أزرع في الأرض كل الخضار والحبوب، لأن مفيش فلوس أشتري من السوق، وكنت أحرث يومين ثلاثة وأعزق وأبدر الأرض، وأحصد كمان، أما دريس الغلة كان في الجرن وبالنورج، كنت أحول القمح بعد ما أحصده للجرن، وفي عز الحر علشان القمح يكون ناشف أدرسه بالنورج، وأقعد شهر علي الحال ده".
زراعة القطن هي المصدر الحقيقي للدخل. تقول محاسن: "كان معظم الجواز بيكون بعد حصاد القطن، لأنه هو الزرعة الوحيده اللي كان الفلاح يأخذ منها لبيته قرش مجمد لبيته، كان منظر نوار القطن الأبيض يشرح القلب الحزين".
تشتكي الست محاسن من أن الدولة حاليا لا تهتم حاليا بزراعة القطن، البذور منخفضة الإنتاجية، والمبيد مغشوش والفلاح لابد أن يدفع الثمن مقدما.
إلى جانب امتناع البنوك عن إقراض الفلاح قرض يعينه علي مصاريف الزراعة بضمان المحصول كما كان يحدث قبل سابق تقول أن إنتاج الفدان لا يزيد عن قنطار، تأخذه الجمعية الزراعية بعد فترة بخمسمائة جنية "لا يكفي حق الخدمة، وده خلي العيشة صعبة".
وفي بعض الأحوال تتحمل الفلاحة المسؤلية كاملة. "سومه جارتنا، جوزها تعبان وهي بتشتغل بالأجرة في الأراضي.
الصيف اللي فات كانت تعبانة قوي بس كان موسم حصاد الغلة، وحصاد القيراط عشرة جنية، فضغطت علي نفسها علشان تجيب فلوس لدروس العيال، وفي الآخر وقعت من طولها وراحت المستشفي".
وفي كل الأحوال تتحمل الزوجة الجزء الأكبر من المسؤلية، فهي تصحو قبل الفجر لتوقظ الجميع، وليبدأ يومها الشاق، فالي جانب عملها في الحقل، يكون مطلوب منها الأعمال المنزلية فتقوم بإعداد الفطور.
وتحلب اللبن وتقضي حتي فترة الظهيرة في الحقل، ثم تعود لتجهيز الغداء و وتحمله لزوجها في الحقل، هذا خلاف وجبة العشاء الدسمة والتي يعتبرها الزوج مكافأة له علي يوم طويل شاق من العمل في الحقل.
بالإضافة إلي ما سبق هناك من العادات والتقاليد ما يتطلب من الفلاحة جهدا مضاعفا، ففي حالات الوفاة يكون لزاما علي البيت أن يخرج صينية إفطار عليها القشطة والجبن والبيض وغيرها.
وصينية غداء تصل تكلفتها الي30 جنيه، تقول محاسن "تجهيز الأكل لا يستغرق أكثر من ساعة، ده ضغط عليا في الفلوس لكن ده واجب مقدرش أفوته، أما في الأفراح بنودي الأكل ناشف وبنعطي فلوس".
وعن الوضع الحالي بعد تطور الآلات الزراعية تقول" زرع الأرض مش متعب تعب إيه ولا نصف تعب زمان بدرس بالدراسة، وأروي بالماكينة ويا دوب علي عزيق الأرض أو زرعها أو حصاد القمح.
كلام فاضي يعني، لكن بيأخد فلوس، ري وحرث ودريس،والمشكلة إنه مفيش فلوس" وتضيف أن المعيشة نفسها أصبحت مكلفة، فلوس كهرباء ومياه وغاز وتعليم الأولاد والدروس وكل هذه التكاليف التي تقول عنها "شيء كتير قوي علينا".
مع الغروب ينفض مجلس السيدات من أمام بيت محاسن لأنه الوقت الذي يذهبن فيه إلي الأرض للإنجاز المهام المطلوبة وإطعام الحيوانات، قبل عودتها للبيت.
ألوان صاخبة تطلي جدران حجرة المسافرين الملصوق عليها أكثر من بوستر لحمادة هلال، علي منضدة قديمة تلاحظ صندوق خشبي مغلق ماعدا جزء تظهر منه سماعة تليفون، وهي طريقة لتحويل عدة التليفون إلي استقبال فقط "المفتاح مع عمك محمد بس، وكده أحسن من إن الفاتورة تيجي كبيرة".
وعبر شباك الحجرة كبير ومنخفض، تتفق محاسن مع جارتها علي الذهاب لغسل الأواني وفرش البيت في النهر غدا باكرا وتبرر محاسن ذلك قائلة "النهر بيخلي الحاجة تضوي".
تضحك وتضع يدها علي فمها وتقول" زمان نغسل شعرنا، دلوقتي المية دخلت البيت ، بس لسه ندعك كعب رجلنا في الحجر اللي علي الشط".
لا تستخدم الست محاسن سوي الكحل للزينة. "الفلاحة اللي يبقي معاها قلم شفايف تبقي حاجة فل، زمان كنا نقرص خدودنا عشان تحمر أو ندعكها بنقي الخوخ." تمصمص شفتيها وتقول: لكن بنات اليومين دول كل واحدة معاها علبة ألوان بدورين.
تشعر الست محاسن بدخول عم محمد قادما من الحقل، تنتفض وتقوم لاستقباله وتأخذ الحيوانات للحظيرة.
الجاموسة التي تمثل للفلاح مصدر الدخل الحقيقي، وتصل درجة أهميتها الي حد تخصيص نصف مساحة المنزل كحظيرة للحيوانات. تبيع الست محاسن الزبد والقشطة كل سوق "أكفي بثمنهم الأسبوع". علي الرغم من صعوبة الحال الإ أنها لا تبيع اللبن الحليب.
"ما ينفعش، أنا باوزعه لله ولأهل البيت". في القرية من المألوف أن تجد من تطرق بابك ومعها إناء محترم من اللبن وتقول لك "كل عام وأنت بخير" ويكون هذا زكاة عن بيتها ومواشيها.
الأزمة الاقتصادية الأصعب تحدث في فترة انقطاع الجاموسة عن الحليب، فالست محاسن تعد العدة لهذه الأيام، فتشترك مقدما في جمعية مع الجيران وتزرع أنواع متعددة من الخضروات لتؤمن احتياجات المنزل وتبيع جزء منها في سوق القرية.
خزين المش والطماطم يمثل حلا لمشكلة الإفطار والغداء أما العشاء وهو الوجبة الأساسية يكون الخضار المطبوخ وتأخذ الست محاسن نفسا عميقا وتقول "صحيح مفيش لحمة لكن ريحته تقلب الشارع من أوله لآخره".
وعندما تشتدد الأزمة تقوم بعجن الدقيق وتقليه في الزيت وتضع عليه بعض السكر"و أهي بتمشي ، والواحدة لازم تحاسب علي القرش وتصرف حالها".
الملابس تقوم الست محاسن بتفصيلها "في هدوم للشغل، وهدوم للبيت، المهم الواحد يحافظ".
تربي محاسن الطيور للأكل والبيع وذلك عوضا عن اللحمة التي تصفها بأنها "عزيزة، من زمان وكانت من الموسم للموسم، ولحد دلوقتي غالية علينا" وتحكي أن شراء اللحمة يتطلب منها ادخار النقود قبلها بشهر.
ورغم كل الظروف لا يزال يوم الخميس يوم الموسم. " لازم أكله جامدة، عوضا عن المجهود الذي بذله الزوج طوال الأسبوع، وما سوف يبذله".
تلمح الرضا علي قسمات وجهها الخمري الدائري وهي تحكي هذه الذكريات وسمعه في نبرة صوتها وهي تقول" الحمد لله الواحد راضي وعمري ما اشتكيت من التعب ، كان فيه صحة، ولما كنت أتعب كان شوية مية بملح يشفوا الواحدة، لكن لو قعدت فاضية أتعب بصحيح".
بتردد تقول مرة واحده هي اللي تعبت فيها أسبوعين، أصلي رميت مية سخنة أمام باب البيت وقت صلاة العيد" وبخوف شديد وبصوت هامس تقول تقول " الأرض مسّتني، دستور يا أسيادنا".
275 خرافة تتحكم فينا
دراسة ميدانية قام بها د. محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة أظهرت أن هناك نحو 300 ألف شخص في مصر يدعون علاج الأمراض بتحضير الأرواح، وأن المصريين ينفقون نحو عشرة مليارات جنيه سنوياً على الدجالين والمشعوذين والنصابين.
وأوضح الباحث في دراسته أن هناك اعتقادا من بعض الفئات بقدرة السحر على حل مشاكل مستعصية مثل التأخر في الزواج, أو عدم الإنجاب أو العقم أو فك السحر.
دراسة أخرى أجراها كل من الباحثين المصريين رشدي منصور ونجيب اسكندر في المركز القومي للبحوث النفسية بالقاهرة أظهرت أن 63 % من المصريين يؤمنون بالخرافات والخزعبلات ويمثل الفنانون والسياسيون والمثقفون والرياضيون منهم نسبة11%.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك نحو 275 خرافة تتحكم في عقول المصريين، على رأسها مشكلات تأخر سن الزواج وعدم الانجاب والمشكلات الجنسية المعقدة، اضافة إلى الأمراض المستعصية. وجاءت القاهرة في موقع الصدارة من حيث عدد الدجالين أو تركزهم حيث يصل عددهم إلى نحو 100 ألف.
الست الدكتورة
أنشأ محمد على مدرسة الدايات بجوار المدرسة الطبية الجديدة في القاهرة، فى بدايات القرن التاسع عشر. وهناك تعلمت الطالبات مبادئ القراءة والكتابة والعمليات الصغيرة والتعامل مع المرضي والتوليد‮. ومع تنظيم الخدمة الصحية عام1884 ‮ تم رسميا إطلاق لقب الحكيمات على خريجات المدرسة‮.
وحتى الآن تلعب الداية دورا كبيرا في الحياة الصحية للريف المصرى، من التوليد والختان، إلى تجبير العظام والمتابعة للحالات المرضية البسيطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.