حزب الأحرار يثمن توجيهات الرئيس السيسى للهيئة الوطنية بشأن الانتخابات    بعد بيان السيسي.. مرشح واقعة فتح صناديق الانتخابات قبل انتهاء التصويت: سنقدم الطعون ونسبة تفاؤلي ارتفعت من 50 ل 90%    الحكم في قرار منع هدير عبد الرازق من التصرف في أموالها 19 نوفمبر    وزيرة التضامن الاجتماعي ومحافظ الفيوم يتفقدان مشروعات مصنع الغزل والنسيج بالعزب    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    صادرات مصر من السلع نصف المصنعة بلغت 868.7 مليون دولار خلال يوليو 2025    الكرملين: موسكو لا تسعى إلى مواجهة حلف الناتو ونأمل في عقد لقاء بوتين وترامب بمجرد الانتهاء من التحضيرات    الرئيس الكوري الجنوبي يبدأ زيارة رسمية إلى الإمارات    مبعوث واشنطن السابق لإيران: ضربات إسرائيل وأمريكا على مواقع طهران عواقبها ستطول المنطقة    رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة تعقب على حكم الإعدام.. ماذا قالت؟    تقرير: هاوسن سليم وجاهز لمواجهة إلتشي    الأهلي يفتح باب المفاوضات لضم أسامة فيصل وأشرف داري يقترب من الرحيل    التعليم: عقد امتحانات نوفمبر للصفين الأول والثاني الثانوي ورقيا    ضبط 3 طلاب تعدوا على زميلهم بالضرب أمام المدرسة بأسيوط    القبض على المتهم بإطلاق النار على سائق لشكه بإقامة علاقة مع طليقته بالهرم    طقس الغد.. تغيرات في درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 26    انهيار وصراخ ورفض أدلة.. ماذا جرى في جلسة محاكمة سارة خليفة؟    وزارة الثقافة تطلق احتفالية «فرحانين بالمتحف المصري الكبير» ديسمبر المقبل    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    لا تُجيد القراءة والكتابة.. الحاجة فاطمة تحفظ القرآن كاملًا في عمر ال80 بقنا: "دخلت محو الأمية علشان أعرف أحفظه"    الصحة تعلن نتائج حملة قلبك أمانة للكشف المبكر عن أمراض القلب بشراكة مع شركة باير لصحة المستهلك    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    التنسيقية : إرادة المصريين خط أحمر .. الرئيس يعزز ثقة الشعب في صناديق الاقتراع    المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية في التحقيقات : صليت العصر وروحت أقتله    تعرف على حورات أجراها وزير التعليم مع المعلمين والطلاب بمدارس كفر الشيخ    أهالي قرية ببني سويف يطالبون بتعزيز من «الإسكان» قبل غرق منازلهم في الصرف الصحي    من هو إبراهيما كاظم موهبة الأهلي بعدما سجل ثنائية فى الزمالك بدوري الجمهورية ؟    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    الكرة النسائية l مدرب نادي مسار: نستهدف التتويج برابطة أبطال إفريقيا للسيدات    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    هيئة الدواء: توفر علاج قصور عضلة القلب بكميات تكفي احتياجات المرضي    توم كروز يتوّج ب أوسكار فخري بعد عقود من الإبهار في هوليوود    حزب حماة الوطن ينظم مؤتمرا جماهيريا فى بورسعيد دعما لمرشحه بانتخابات النواب    مدير متحف الهانجول الوطني بكوريا الجنوبية يزور مكتبة الإسكندرية    وزير الخارجية يؤكد لنظيره السوداني رفض مصر الكامل لأي محاولات تستهدف تقسيم البلاد أو الإضرار باستقرارها    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    موعد التصويت بمحافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    موعد قرعة الملحقين الأوروبي والعالمي المؤهلين ل كأس العالم 2026    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    وزارة العمل: تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور    بعد ساعات من السيطرة عليهما.. الجيش السوداني ينسحب من منطقتين بولاية كردفان    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 3 جمعيات في محافظتي القاهرة والمنيا    رئيس مصلحة الجمارك: منظومة «ACI» تخفض زمن الإفراج الجمركي جوًا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    شريهان تدعم عمر خيرت بعد أزمته الصحية: «سلامتك يا مبدع يا عظيم»    أسعار الدواجن والبيض في مصر اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025    كلية دار العلوم تنظم ندوة بعنوان: "المتحف المصري الكبير: الخطاب والمخاطِب"    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    جامعة الإسكندرية توقع بروتوكول تعاون لتجهيز وحدة رعاية مركزة بمستشفى المواساة الجامعي    اسعار الفاكهه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 بأسواق المنيا    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    هاني ميلاد: أسعار الذهب تتأثر بالبورصة العالمية.. ومُتوقع تسجيل أرقام قياسية جديدة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلاحة المصرية التى لا تستريح
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 05 - 2009

الفلاحة المصرية كائن لا يهدأ طوال النهار: تطبخ وتغسل الأواني. تعمل فى أرضها وفي أراضى الآخرين بالأجر. تفصل ثيابها بيديها وتدخل جمعيات لتحل مشاكلها الاقتصادية دون عبء إضافى على الزوج.
تبيع الجبن والزبد، وتتصدق ببعض الحليب "زكاة" عن الحبايب. تخترع أكلات بسيطة ورخيصة لكن مشبعة فى الظروف
طريق ترابي ضيق، علي جانبية حقول كالبساط الأخضر يتخللها أشجار البرتقال بزهورها التي تمليء الهواء بعطرها، وحقل اقتربت سنابل القمح به من النضج فتميل إلي اللون الذهبي.
وعلي الجانب الآخر لوحة رائعة تمتزج بها ألوان الخضروات وبراعم الثمار التي لم تنضج بعد.
ينتهي الطريق بمنعطف علي ناصيته بيت شاهق الارتفاع من الطوب الأحمر لم يكن موجودا من سنوات قليلة مضت، ويجاوره عدد من البيوت المنخفضة المبنية بالطوب اللبن، بألوانها المبهجة، أبوابها الضخمة المفتوحة دائما، أمام أحد تلك الأبواب وعلي المصطبة.
تجلس الست محاسن إحدي الفلاحات بقرية كفر منصور بمركز كفر شكر، مع مجموعة من النساء يفترشن الأرض ويتعاون في تفريط كمية كبيرة من الذرة.
"العيش عندنا خلص وبنحضر للخبزة الجاية، ما نعرفش تأكل عيش الطابونة". تقول الست محاسن وهى تستعد للحدث الكبير.
يوم الخبيز أشهر المناسبات التي يجتمع فيها نساء القرية، تتجمع عيه أكثر من أسرة تقتسم مجهود العجن والخبيز الشاق، وفي ذات الوقت تكون فرصة جيدة تتبادل فيها النساء الحكايات. "ما فيش سر يستخبي في القرية أكتر من يوم، والبركة فينا احنا الستات".
محاسن، 45 سنة، تستضيف فريق الخبيز، فقد عرفت القرية وظيفة الخبازة مع انتشار التعليم.
سومة هى خبازة القرية التي تتولي الخبيز عن ربة البيت، التى لا تجد الوقت، أو التي لا جيد الخبيز. تقول الست محاسن قائلة "وأنا عندي 6 سنين كنت أكنس وأطبخ، ولما تميت السابعة كنت أقعد مع أمي وأخبز مكانها.
وكان هو ده العادي، كانوا أهلى يقلعوا ويزرعوا، وأمي كانت تبقي طول النهار في الغيط، وأنا أشيل البيت".
تسكت برهة ثم تقول "طب إية رأيك إني أتجوزت وأنا عندي 13 سنة".
يرتفع صوت أم محمود إحدي الفلاحات الجالسات، "13 سنة ايه، أنا متجوزة وأنا عندي 10سنين، كنت أنام علي نفسي، وجوزي كان يشيلني علي كتفه و ينيمني في المقعد بتاعنا، وخلفت محمود قبل ما تم 11 سنة".
قديما كان سن الجواز من 9 إلي 16سنة، ومن تعدت 16 بدون زواج تصبح عانسا، حاليا لا تتزوج البنت قبل 18 لأنها تكون قاصراً، إلا أن زواج دون 18 مازال موجودا "لسه قريب البت فاطمة بنت أم حسن اتجوزت ابن عمها وهي عندها 14 سنة، دفعوا للمأذون والحكاية عدت"..
هل مازالت "بنت العم لإبن العم بثلاثة فضة"؟
ترد غالية إحدي الجالسات، فلاحة شابه في وجهها حسن يختفي تحت قناع من التعب والتراب وآثار الشمس الحارقة. "آه، إحنا ستر وغطا علي بعض وهو أولي وبكده نحافظ علي الأرض بدل ما تتفرق. أنا اتجوزت ابن عمي، أو يعني الرجالة اتفقوا وما ينفعش اكسر كلامهم.
بس ابن عمي هناني جاب لي شبكة بألفين جنيه، وبدل ما هي مرمية في البيت، بعتها بعد كده كملت علي ثمنها واشتريت جاموسة، مش هناكل من الدهب، لكن الجاموسة هي اللي فاتحة البيت".
في أحيان كثيرة تتم خطبة البنت وهي طفلة تقول محاسن "البنت تتحجز من صغرها وممنوع حد يخش عليها، وقبل الجواز بشهر بتقعد في البيت ، لا يراها العريس علشان ما تنكبسش، وما حدش يعمل لها عمل، فيؤثر علي العلاقة الزوجية بينها وبين العريس".
عم محمد زوج الست محاسن كان يراها أثناء مرورها أمام حقله في طريقها إلي أرضها. "كان عنده أربعين سنه ومطلق وعنده ثلاث أطفال، نفيسة كانت أكبرهم، وكانت أصغر مني بسنة، أهلي غصبوا عليا، قلت لأ كتير.
وفي الآخر اتجوزته غصبانيه". سبب تصميم أهلها علي زواجها منه "لإنه كان طيب وزرعته مرعرعة".
يستدرك محاسن الكلام موضحة أن في الوقت الحالي البنات المتعلمات، خاصة التعليم الجامعي الآن مسموح لهم المشاركة في اختيار شريك الحياة، "زمان كان دكتور الصحة بيسنن البنت، يعني يقول شكلها يديها كام سنة والمؤذون يكتب الكتاب علي أساس الشهادة دى".
وتلمح شبح ابتسامة وتقرأ في عينها الفخر وهي تقول " لما الدكتور شافني قال علي طول ما شاء الله دي عروسة، هي دي محتاجه قولان ،أصل الخير كان كتير، فرجلي شالتني بسرعة".
تتذكر الست محاسن إن مهرها كان 40 جنية "اشتريت كردان خمس أدوار وحلق والنحاس وسرير، وكل ده إتحمل علي عربية كاروا بحصان والناس تزفتها وتقول عطر مين ده؟ دلوقي أنا صرفت علي سعاد بنتي في جوازها ولا عشر آلاف ولسه في واحدة الله أعلم هتأخذ كام؟".
تصمت ربما تفكر في التكلفة أو تنتظر مواساة.
الداية هي البطل الأول و الأساسي في الزواج ، فهي التي تتولي تجهيز العروسة وتزيينها وكانت تدخل مع العريس يوم الفرح.
"وشك شارد يالعريس".
مطلع الأغنية التي تغنيها أهل البلد وهم يمشون خلف أهل العروسة، وهم يطوفون البلد "بالثلاث محارم" فخرا بعرض ابنتهم الذي هو دليل شرفهم. تقول محاسن أن هذه العادة قلت بشكل كبير إلا أنها مازالت موجودة في قري كثيرة. "من قريب كنت في الشرقية في فرح ابن عمتي وعملوا الحكاية دي".
ومن الأدوار الرئيسية التي تحتفظ بها الداية دور دكتور النساء والتوليد. "معظم عيال القرية مولودة علي يد زينب الداية، وهي بتأخذ 40جنية، ولما الولادة تكون عسيرة تشم بيضة ولا بصلة، ولو مجاش الفرج نتصل بالإسعاف أو نروح المستشفي".
حتي آخر أيام الحمل لا تتوقف الفلاحة عن العمل وتحكي "كنت في آخر أيام الحمل ورحت أجمع الدودة من القطن، جالي الوجع هناك رحت البيت ووضعت، وبعد أسبوع نزلت أجمع الدودة تاني".
بعد الولادة ترتاح الفلاحة سبعة أيام حتي السبوع، وبعدها تقوم بمهامها سواء في الحقل أو البيت "نترك الطفل في المنزل مع حماتي وأبقي أرجع أشوفه كل فترة، لحد ما يبقي كام شهر أخده معايا، وأتركه بجانبي وأنا باشتغل".
من العادات الراسخة في السبوع والتي تعتقد فيها نساء القرية تقول محاسن "الداية لازم تعمل حجاب به سبع حبات منهم فول وعدس ورز، حجاب تعطيه للأم والثاني يتعلق علي صدر العيل.
وبعد ثلاث أيام ترميه في البحر، في النيل يعني، علشان رزق العيل يبقي كثير، ده غير عقد فيه 15 حبة حمرا تلبسه الأم قي رقبتها، علشان اللبن يكتر.
أنجبت الست محاسن ثمانية أولاد تقول "زمان كان فيه أرض واسعة وتحتاج شغل كتير، بس بقينا بنروح الوحدة وبنأخذ وسيلة لمنع الحمل".
توضح الست محاسن أن الحياة زمان كانت بسيطة، لا تحتاج للنقود، وخير الأرض من حب وخضار كان كافيا لمتطلبات الحياة. "أنا كنت بشتغل عند صاحب الأرض اللي مأجرين منه، وهو يخصم حق شغلي من ثمن الإيجار".
بعد الجواز بأسبوع نزلت محاسن مع زوجها الأرض. "كنا بنزرع 20قيراط، منهم عشرة بالإيجار، الأرض كانت بتجيب خير بس بالتعب والشقي، أنا اللي بزرع الأرض أصل عمك محمد كان بيشتغل بالأجرة أو في مصنع علشان يجيب قرش للبيت، كانت يوميته ثلاث قروش بمقام ثلاثين جنية.
كان لازم أزرع في الأرض كل الخضار والحبوب، لأن مفيش فلوس أشتري من السوق، وكنت أحرث يومين ثلاثة وأعزق وأبدر الأرض، وأحصد كمان، أما دريس الغلة كان في الجرن وبالنورج، كنت أحول القمح بعد ما أحصده للجرن، وفي عز الحر علشان القمح يكون ناشف أدرسه بالنورج، وأقعد شهر علي الحال ده".
زراعة القطن هي المصدر الحقيقي للدخل. تقول محاسن: "كان معظم الجواز بيكون بعد حصاد القطن، لأنه هو الزرعة الوحيده اللي كان الفلاح يأخذ منها لبيته قرش مجمد لبيته، كان منظر نوار القطن الأبيض يشرح القلب الحزين".
تشتكي الست محاسن من أن الدولة حاليا لا تهتم حاليا بزراعة القطن، البذور منخفضة الإنتاجية، والمبيد مغشوش والفلاح لابد أن يدفع الثمن مقدما.
إلى جانب امتناع البنوك عن إقراض الفلاح قرض يعينه علي مصاريف الزراعة بضمان المحصول كما كان يحدث قبل سابق تقول أن إنتاج الفدان لا يزيد عن قنطار، تأخذه الجمعية الزراعية بعد فترة بخمسمائة جنية "لا يكفي حق الخدمة، وده خلي العيشة صعبة".
وفي بعض الأحوال تتحمل الفلاحة المسؤلية كاملة. "سومه جارتنا، جوزها تعبان وهي بتشتغل بالأجرة في الأراضي.
الصيف اللي فات كانت تعبانة قوي بس كان موسم حصاد الغلة، وحصاد القيراط عشرة جنية، فضغطت علي نفسها علشان تجيب فلوس لدروس العيال، وفي الآخر وقعت من طولها وراحت المستشفي".
وفي كل الأحوال تتحمل الزوجة الجزء الأكبر من المسؤلية، فهي تصحو قبل الفجر لتوقظ الجميع، وليبدأ يومها الشاق، فالي جانب عملها في الحقل، يكون مطلوب منها الأعمال المنزلية فتقوم بإعداد الفطور.
وتحلب اللبن وتقضي حتي فترة الظهيرة في الحقل، ثم تعود لتجهيز الغداء و وتحمله لزوجها في الحقل، هذا خلاف وجبة العشاء الدسمة والتي يعتبرها الزوج مكافأة له علي يوم طويل شاق من العمل في الحقل.
بالإضافة إلي ما سبق هناك من العادات والتقاليد ما يتطلب من الفلاحة جهدا مضاعفا، ففي حالات الوفاة يكون لزاما علي البيت أن يخرج صينية إفطار عليها القشطة والجبن والبيض وغيرها.
وصينية غداء تصل تكلفتها الي30 جنيه، تقول محاسن "تجهيز الأكل لا يستغرق أكثر من ساعة، ده ضغط عليا في الفلوس لكن ده واجب مقدرش أفوته، أما في الأفراح بنودي الأكل ناشف وبنعطي فلوس".
وعن الوضع الحالي بعد تطور الآلات الزراعية تقول" زرع الأرض مش متعب تعب إيه ولا نصف تعب زمان بدرس بالدراسة، وأروي بالماكينة ويا دوب علي عزيق الأرض أو زرعها أو حصاد القمح.
كلام فاضي يعني، لكن بيأخد فلوس، ري وحرث ودريس،والمشكلة إنه مفيش فلوس" وتضيف أن المعيشة نفسها أصبحت مكلفة، فلوس كهرباء ومياه وغاز وتعليم الأولاد والدروس وكل هذه التكاليف التي تقول عنها "شيء كتير قوي علينا".
مع الغروب ينفض مجلس السيدات من أمام بيت محاسن لأنه الوقت الذي يذهبن فيه إلي الأرض للإنجاز المهام المطلوبة وإطعام الحيوانات، قبل عودتها للبيت.
ألوان صاخبة تطلي جدران حجرة المسافرين الملصوق عليها أكثر من بوستر لحمادة هلال، علي منضدة قديمة تلاحظ صندوق خشبي مغلق ماعدا جزء تظهر منه سماعة تليفون، وهي طريقة لتحويل عدة التليفون إلي استقبال فقط "المفتاح مع عمك محمد بس، وكده أحسن من إن الفاتورة تيجي كبيرة".
وعبر شباك الحجرة كبير ومنخفض، تتفق محاسن مع جارتها علي الذهاب لغسل الأواني وفرش البيت في النهر غدا باكرا وتبرر محاسن ذلك قائلة "النهر بيخلي الحاجة تضوي".
تضحك وتضع يدها علي فمها وتقول" زمان نغسل شعرنا، دلوقتي المية دخلت البيت ، بس لسه ندعك كعب رجلنا في الحجر اللي علي الشط".
لا تستخدم الست محاسن سوي الكحل للزينة. "الفلاحة اللي يبقي معاها قلم شفايف تبقي حاجة فل، زمان كنا نقرص خدودنا عشان تحمر أو ندعكها بنقي الخوخ." تمصمص شفتيها وتقول: لكن بنات اليومين دول كل واحدة معاها علبة ألوان بدورين.
تشعر الست محاسن بدخول عم محمد قادما من الحقل، تنتفض وتقوم لاستقباله وتأخذ الحيوانات للحظيرة.
الجاموسة التي تمثل للفلاح مصدر الدخل الحقيقي، وتصل درجة أهميتها الي حد تخصيص نصف مساحة المنزل كحظيرة للحيوانات. تبيع الست محاسن الزبد والقشطة كل سوق "أكفي بثمنهم الأسبوع". علي الرغم من صعوبة الحال الإ أنها لا تبيع اللبن الحليب.
"ما ينفعش، أنا باوزعه لله ولأهل البيت". في القرية من المألوف أن تجد من تطرق بابك ومعها إناء محترم من اللبن وتقول لك "كل عام وأنت بخير" ويكون هذا زكاة عن بيتها ومواشيها.
الأزمة الاقتصادية الأصعب تحدث في فترة انقطاع الجاموسة عن الحليب، فالست محاسن تعد العدة لهذه الأيام، فتشترك مقدما في جمعية مع الجيران وتزرع أنواع متعددة من الخضروات لتؤمن احتياجات المنزل وتبيع جزء منها في سوق القرية.
خزين المش والطماطم يمثل حلا لمشكلة الإفطار والغداء أما العشاء وهو الوجبة الأساسية يكون الخضار المطبوخ وتأخذ الست محاسن نفسا عميقا وتقول "صحيح مفيش لحمة لكن ريحته تقلب الشارع من أوله لآخره".
وعندما تشتدد الأزمة تقوم بعجن الدقيق وتقليه في الزيت وتضع عليه بعض السكر"و أهي بتمشي ، والواحدة لازم تحاسب علي القرش وتصرف حالها".
الملابس تقوم الست محاسن بتفصيلها "في هدوم للشغل، وهدوم للبيت، المهم الواحد يحافظ".
تربي محاسن الطيور للأكل والبيع وذلك عوضا عن اللحمة التي تصفها بأنها "عزيزة، من زمان وكانت من الموسم للموسم، ولحد دلوقتي غالية علينا" وتحكي أن شراء اللحمة يتطلب منها ادخار النقود قبلها بشهر.
ورغم كل الظروف لا يزال يوم الخميس يوم الموسم. " لازم أكله جامدة، عوضا عن المجهود الذي بذله الزوج طوال الأسبوع، وما سوف يبذله".
تلمح الرضا علي قسمات وجهها الخمري الدائري وهي تحكي هذه الذكريات وسمعه في نبرة صوتها وهي تقول" الحمد لله الواحد راضي وعمري ما اشتكيت من التعب ، كان فيه صحة، ولما كنت أتعب كان شوية مية بملح يشفوا الواحدة، لكن لو قعدت فاضية أتعب بصحيح".
بتردد تقول مرة واحده هي اللي تعبت فيها أسبوعين، أصلي رميت مية سخنة أمام باب البيت وقت صلاة العيد" وبخوف شديد وبصوت هامس تقول تقول " الأرض مسّتني، دستور يا أسيادنا".
275 خرافة تتحكم فينا
دراسة ميدانية قام بها د. محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة أظهرت أن هناك نحو 300 ألف شخص في مصر يدعون علاج الأمراض بتحضير الأرواح، وأن المصريين ينفقون نحو عشرة مليارات جنيه سنوياً على الدجالين والمشعوذين والنصابين.
وأوضح الباحث في دراسته أن هناك اعتقادا من بعض الفئات بقدرة السحر على حل مشاكل مستعصية مثل التأخر في الزواج, أو عدم الإنجاب أو العقم أو فك السحر.
دراسة أخرى أجراها كل من الباحثين المصريين رشدي منصور ونجيب اسكندر في المركز القومي للبحوث النفسية بالقاهرة أظهرت أن 63 % من المصريين يؤمنون بالخرافات والخزعبلات ويمثل الفنانون والسياسيون والمثقفون والرياضيون منهم نسبة11%.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك نحو 275 خرافة تتحكم في عقول المصريين، على رأسها مشكلات تأخر سن الزواج وعدم الانجاب والمشكلات الجنسية المعقدة، اضافة إلى الأمراض المستعصية. وجاءت القاهرة في موقع الصدارة من حيث عدد الدجالين أو تركزهم حيث يصل عددهم إلى نحو 100 ألف.
الست الدكتورة
أنشأ محمد على مدرسة الدايات بجوار المدرسة الطبية الجديدة في القاهرة، فى بدايات القرن التاسع عشر. وهناك تعلمت الطالبات مبادئ القراءة والكتابة والعمليات الصغيرة والتعامل مع المرضي والتوليد‮. ومع تنظيم الخدمة الصحية عام1884 ‮ تم رسميا إطلاق لقب الحكيمات على خريجات المدرسة‮.
وحتى الآن تلعب الداية دورا كبيرا في الحياة الصحية للريف المصرى، من التوليد والختان، إلى تجبير العظام والمتابعة للحالات المرضية البسيطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.