تحت مظلة النجاح والشهرة لبرامج التوك شو والأعمال الدرامية الكبيرة، أعطى أصحاب الفضائيات أنفسهم الحق في فرض جرعات زائدة من المواد الإعلانية على المشاهد الذي كاد يهرب إلى وسائل إعلامية أخرى أكثر مراعاة لاحتياجاته. برامج التوك شو بينما تستحوذ برامج التوك شو على النصيب الأكبر من اهتمام مشاهدي الفضائيات، تجدها مكتظة بالإعلانات إلى درجة تنفر المشاهد من متابعة الحلقات، التي قد ينسى أولها بحلول آخرها على إثر كم الأعلانات الهائل الذي يطارده على مدار العرض. وهذا ليس غريبا، فمن الطبيعي أن البرامج الأكثر مشاهدة تجذب المعلنين أكثر من غيرها. ولكن يجب على أصحاب القرار تقنين مساحة الإعلانات بما يضمن بقاء المشاهد أمام الشاشة حتى لحظة النهاية، دون انتهاك لحقه في المتابعة والاندماج والاستمتاع أيضا. وكيف يتوقع أصحاب الفضائيات ورؤساء القنوات الأرضية والفضائية من جيل "الثري جي بي" و"الآي فون" و"التصفح على الموبايل" و"اللابتوب" أن يتابع برنامجا مدته الفعلية لا تتعدى ال20 دقيقة بينما تتخللها فواصل إعلانية لا يقل عددها عن خمسة إلى ستة، ويستمر الواحد منها 10 دقائق على الأقل؟؟ ولماذا يضطرون لذلك بينما يوجد حل سحري خال من أي مقاطعة ولا يحتاج إلى كل هذا الانتظار: "اليوتيوب" و"الفيس بوك". ففي دقائق معدودة تشاهد أي برنامج أو حلقات مسلسل أو مقاطع أفلام أو حتى فيديو كليب، بل وتدعو أصدقاءك لمشاهدته أيضا دون أي مداخلة إعلانية تنتهك حقهم في المتابعة والاندماج، وبالتالي في الاستمتاع. محطات الإذاعة ولم يقتصر الأمر على التلفزيون، بل أصبح شبح الإعلانات يلاحقنا في كل مكان حتى في سياراتنا، ووسائل المواصلات. فمع صعود نجم محطات الراديو بشكل كبير، استغنى الكثيرون عن شرائط الكاسيت أو السي دي، وأصبحوا من الزبائن الدائميين لبرامج الراديو المختلفة. ولكن "يا فرحة ماتمت". فقد تحولت هذه البرامج إلى وصلات مستمرة من الإعلانات إلى درجة أنك تقطع مسافات طويلة دون أن تستمع إلى فقرة كاملة من أي برنامج إذاعي ناجح. مسلسلات رمضان ومع استمرار ماراثون صناع الأعمال الدرامية الذين يتبارون على حصتهم في خريطة رمضان، جاءت النتيجة عكسية، وفاق العرض الطلب، ومرة أخرى يزيد الأمر عن حده وينقلب ضده. وبدلا من أن ينال كل عمل حقه من المشاهدة، تخسر معظم الأعمال - رغم جودتها - حظها من المتفرجين وتصبح الميزة عيبا. وبالطبع، لا تخل هذه الأعمال من الجرعة الدعائية المكثفة. حيث تذهب البطولة الحقيقية بمعظمها للفواصل الإعلانية التي يتناسب طولها طرديا مع أجر نجم العمل وبالطبع مع درجة "حرقة دم المتفرج". النتيجة وبعد أن هجر الشباب وسائل الإعلان، عفوا، وسائل الإعلام التقليدية لأنها "فاكسة آخر حاجة " بلغة هذا الجيل، ولجأ إلى الوسائط الأخرى التي تلبي احتياجتهم من سرعة العرض وسهولة الوصول والتوافر في أي وقت ومكان، أصبحت النسبة الأكبر من مشاهدي التلفزيون من الفئات العمرية الأكبر سنا، وهم بالطبع لا يشكلوا الشريحة الكبرى من المستهدفين من قبل المعلنين!! وبينما يتوافرجميع أنواع المحتوى المقروء والمرئي والمسموع على الإنترنت، وتتوجه كبرى القنوات الإخبارية والترفيهية وشركات الإنتاج لإنشاء صفحاتهم على الإنترنت ومواقع "اليوتيوب" و"الفيس بوك"، أتخيل اختفاء التلفاز من البيوت العصرية قريبا، بعد أن يهجره مشاهدوه لإصابتهم بفوبيا الإعلانات.