لافتات ضخمة غزت شوارع وميادين مصر تروج للموافقة على الدستور مكتوب عليها "المشاركة فى الدستور يعنى نعم ل 30 يونيو و25 يناير"، تم تعليقها منذ فترة مبكرة وقبل الانتهاء من صياغة الدستور أو تحديد موعده وفى الوقت الذى كان هناك اختلافات جوهرية بين أعضاء لجنة الخمسين حول العديد من المواد، إلى جانب عدم توافر أية معلومات حول مواد الدستور تتيح للمواطن فرصة تشكيل القرار؛ نظرا لسرية جلسات اللجنة وعدم إذاعتها فى وسائل الإعلام كما حدث فى دستور 2012. يتزامن مع تلك الحملات الإعلانية فى الشوارع والطرق، حملات أخرى تبنتها غالبية القنوات الفضائية الخاصة المملوكة لرجال أعمال محسوبين على نظام مبارك، جميعها يدعو المصريين للمشاركة فى الدستور، والتصويت ب"نعم" باعتبار التصويت لصالحهم جزءا من الوطنية، و لن يكون الأخير فى مصر حيث إن الناس لا يمكنهم أن يتوافقوا تمامًا على شىء واحد. ومن المعروف أن صاحب حملة "نعم للدستور" الخبير الإعلانى طارق نور الذى تولى الحملة الدعائية للرئيس المخلوع مبارك وأيضا حملة "أنا الرئيس" للمرشح الرئاسى الخاسر أحمد شفيق. لا يقف وراء تلك الحملات الإعلانية المروجة بالموافقة على الدستور طارق نور فقط بل يدعمه رجال أعمال استفادوا من نظام مبارك وأيضا النخبة العسكرية وفقا لما أكده العديد من الخبراء، مشيرين إلى أن انطلاق تلك الحملات قبل الانتهاء من صياغة الدستور بفترة كبيرة، يؤشر على وجود حالة من الرعب لدى النخبة السياسية فى مصر، ونخبة رجال الأعمال التابعين للنظام السابق، من التصويت على الدستور بالرفض أو عدم الموافقة عليه بنسبة أقل من 64% وهى نسبة التصويت على دستور 2012. وأكدوا ل"الحرية والعدالة" أن هذا الحشد المبكر للتصويت بنعم يدخل ضمن عمليات غسيل المخ التى يقوم بها قادة الانقلاب بمعاونة أداتهم الإعلامية ويعكس الاستخفاف بعقلية المواطن المصرى والاستهانة به ومعاملته معاملة القطيع، مشيرين أن تلك الحملات تبين اعتزام الانقلابيون تزوير نتيجة الاستفتاء خشية أن يُفضحوا أمام الرأى العام العالمى. نية التزوير بداية يقول مجدى حسين -رئيس حزب الاستقلال (العمل سابقا)- أن الانقلاب أعاد مصر إلى عهد الشمولية والاستبداد كما كان فى عهد مبارك، مشيرا إلى أنه يسعى إلى عمل "غسيل مخ" للشعب المصرى بشكل مركزى وذلك بمشاركة رجال الأعمال الفاسدين فى تمويل إعلانات "نعم للدستور". ويضيف "فكرة الترويج للتصويت بنعم للدستور مشابهة لما حدث فى الاستفتاء فى عهد مبارك حيث كان شكليا"، موضحا أن الدعاية للدستور والتصويت عليه بنعم تمت قبل الانتهاء منه فى الوقت الذى كانت هناك خلافات جوهرية مثل المواد المتعلقة ب 50% عمال وفلاحين، لافتا إلى أن هذا يعيد فكرة ضرورة أن يسير الشعب كالقطيع ويوهمون أنفسهم أن الشعب سيستجيب لمطالبهم وينساق وراءها، مؤكدا أنه لن يستجيب. ويتابع حسين قائلا "الدعاية للتصويت ب"نعم" تعنى أن الانقلابيين ينتوون التزوير واتباع ممارسات النظم الاستبدادية كما كان فى عهد مبارك"، منوها إلى أن الشعب أصبح لن ينخدع بتلك الأساليب فأصبح على خبرة بها لذا لن تؤثر فيه. ويستطرد قائلا "يسعى الانقلابيون إلى عمل دعاية للدستور من الناحية الشكلية حتى يعلنوا فيما بعد أن تكون نسبة المشاركة فى الاستفتاء على الدستور أكبر من فى استفتاء 2012 وكذا نسبة الموافقة على الدستور بحيث تتجاوز الثلثين". ويوضح أن الخبير الإعلانى طارق نور والذى يقف وراء حملة الإعلانات الضخمة ل"نعم للدستور" هو من تولى عمل الإعلانات والدعاية لاستفتاءات مبارك باعتباره عضو لجنة السياسات فى الحزب الوطنى، مشيرا إلى أنه كان مسئول الفكر الإعلانى والإعلامى للحزب الوطنى، مشددا على أنه يدعم تلك الحملات كل من كان ينطق باسم الحزب الوطنى من أمثال رجل الأعمال نجيب ساويرس، إلى جانب التمويل الخارجى من الإمارات والسعودية. الاستخفاف بالشعب ومن جانبها توضح الدكتورة نيرمين عبد السلام -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- أن الدعاية للتصويت بنعم على الدستور بدأت منذ فترة مبكرة جدا وقبل الانتهاء منه ليس فقط عن طريق الإعلانات المباشرة فى الشوارع والتليفزيون والقنوات الفضائية وإما بصورة غير مباشرة من خلال المذيعين ومقدمى البرامج الذين تصب مقولاتهم فى إطار التصويت بنعم مهما كان اختلافك مع الدستور ونعم تساوى محاربة الإرهاب وعدم عودة الإخوان ومحاربة المؤامرات الدولية وما إلى ذلك، مؤكدة أنه لا توجد فرصة حقيقة أمام المواطن لتشكيل رأيه. وتشير إلى أن الإعلام المصرى يقود حملات إعلامية مكثفة للتصويت ب"نعم" أكثر منها توعية للمواطن بالنواحى الإيجابية والسلبية بالدستور ويسير بمبدأ "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، لافتة إلى أنه يوازى هذه الحملات حملات أخرى تخويف من أن يكون الإخوان والإرهاب والتطرف هو البديل الوحيد. وتؤكد "عبد السلام" أنه لا يوجد إعلام حقيقى ولا توعية حقيقية بما يمثل استخفافا بعقول الشعب، موضحة أن الإعلام أصبح إعلاما سلطويا لا يعدو عن كونه أداة فى يد السلطة الحالية وبوقا لها، ويقتصر دوره على الترويج لكل مواقف السلطة والاستمرار فى حملة كراهية وتشويه مناهضى الانقلاب العسكرى. وتضيف" الإعلام يستمر فى مسلسل غسيل مخ المواطن مستخدما أساليب متعددة منها اللعب على وتر بث الرعب والخوف لدى الرأى العام"، مشيرة إلى أن ذاك الإعلام لا يحترم عقلية المواطن ويتعامل مع الرأى العام على أنه قطيع من الخرفان تُساق نحو اتجاه السلطة فى أى شىء. مخاوف الانقلابيين وتتابع أستاذ الإعلام قائلا "يقف وراء تلك الحملات الإعلانية (نعم للدستور) كل رجال الأعمال المستفيدون من نظام مبارك مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس باعتبارها آخر معركة بالنسبة لهم؛ حيث إن المال يلعب دورا كبيرا فى تلك المرحلة. وتُبين أن الدعاية المبكرة ل"نعم للدستور" ربما تعكس تخوفا من ضعف نسبة المشاركة فى الاستفتاء على الدستور، وهو ما قد يكشف عن فشل الانقلاب ويفضحه أمام الرأى العام العالمى، مؤكدة أن هناك احتمالا آخر مطروح بقوة وهو تزييف وتزوير نسبة التصويت بحيث تكون أكبر منها فى الاستفتاء على دستور 2012 والموافقة عليه، وخاصة أنه لا توجد ضمانات حقيقية تحول دون حدوث تزوير. وتقول عبد السلام" إن الإعلام المصرى يعمل على إسكات صوت العقل وتكريسه فى اتجاه واحد، حيث يدعو المواطن إلى الموافقة على الدستور -حتى لو كان هناك خلافات أو أخطاء سيتم تداركها فيما بعد– باعتباره الحل الوحيد حتى لا تضيع مصر. مسألة مبدأ وبدوره يقول الدكتور أحمد سمير –أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر- إن الإعلان عن التصويت بنعم على الدستور قبل الانتهاء منه يعد شكلا من أشكال الاستخفاف بالمواطن المصرى وكأن الإعلام يخاطب مجموعة من الحمقى أو الأطفال. ويوضح أن هذه الإعلانات إلى جانب الحملات التى تتبعها وسائل الإعلام لن تؤثر على نتيجة الاستفتاء ولن تحسمها، موضحا أن المسألة مبدئية من الأساس بمعنى أن من يؤيد الانقلاب العسكرى سيقول نعم ومن يعارض الانقلاب سيقول لا ومن يكون محايدا سيقاطع الاستفتاء.. وهكذا، بخلاف الاستفتاء على دستور 2012 حيث كان القرار بناء على مواد الدستور، مؤكدا أن هذه المفارقة تبين أن دستور 2012 حظى بشعبية كبيرة وحوار مجتمعى وشفافية وإن كان الأسوأ –كما يدعى البعض- يكفى أنه كان يمتاز بالشفافية. ويضيف سمير قائلا "ما يحدث يعد عبثا حيث الموافقة على الدستور أو رفضه لن يدفع مصر إلى الأمام بل سيدخلها فى دوامات"، مشيرا إلى أنه فى حال قبول الدستور وإقراره لن تقوى البلاد على إجراء انتخابات برلمانية بعدها بشهرين خاصة فى ظل غياب القوى السياسية.