يعتبر مركز الإبداع الفنى هو المكان المثالى -ويكاد يكون الوحيد- فى مصر المؤهل لإنتاج عروض مسرحية تحترم عقل الأجيال الصاعدة ممن ذاقوا طعم الإنترنت، وعرفوا كيف أصبحت الكرة الأرضية أصغر من كرة القدم، فلم تعد تغريهم أو تبهرهم نجومية النجوم أو اللقاء المباشر معهم. وفى الوقت ذاته، نجحت تجربة المركز فى إنتاج عروض تليق بمكانة مصر وتاريخها العريق فى هذا المجال الإبداعى، وذلك لأنه تخلص من الروتين المميت الذى وقعت فيه البيوت الفنية فحولها إلى "قبور فنية" لا مجال فيها للإبداع، بل صارت مرتعا للتخلف الفنى والإدارى، ولذا انطلق المركز كطائر يحلق فى سماء الإبداع لا يعوقه شىء. الملفت للنظر أن المركز استطاع أن يتخذ من المعوقات نقطا يرتكز عليها فى الانطلاق، فمثلا تعد المواد الدراسية فى الأكاديميات واستوديوهات الممثل معوقا للطلاب وجزءا من المعاناة لهم، إلا أنها تحولت إلى عروض فنية لا تبارى، فقد أنتج المركز فى شهرين فقط عرضين على أحدث طراز مسرحى فى العالم، الأول هو "عرض خاص 1"، وفيه تم تقديم أربع مسرحيات كاملة فى أربعين دقيقة فقط بعد اختصارها بالطبع، وبالفعل كانت المسرحيات لمن شاهدها وجبة كاملة الدسم؛ لأن العرض عمد إلى تقديم الأحداث الرئيسية فى تناول جديد يتناسب مع رؤية المخرجين الشباب. والعرض الثانى هو "أين أشباحى"، وهو نتاج الورشة فى مادة الاستعراض، وقبل أن يتداعى إلى الذهن ما يمكن أن يتوارد من أفكار حول طبيعة هذا الاستعراض فإنه جاء مختلفا تماما عما تعارفت عليه الأجيال المسرحية المتعاقبة من استعراضات أشبه بالرقص أو "هز الوسط"، فقد اعتمد العرض على اختبار قدرة الدفعة الثالثة من طلبة المعهد على الانتشار والرشاقة والقدرة على ملء فراغات المسرح والسرعة فى الأداء والحركة وأداء استعراضات تتطرق إلى اختبار مناطق جديدة فى الجسم الإنسانى بعيدة تماما عن الابتذال والعرى، والدليل أن هذا العرض لم يظهر منه كتف فتاة أو ساقها.. وهكذا الأولاد. فى حين اعتمد العرض على حبكة مسرحية مفادها تجربة لثلاثة من أفراد الأمن يقومون بحراسة إحدى الفيلات المهجورة، وقد ظهرت لهم تهيؤات الليلة الأولى لهم فى العمل بعد أن علموا بأن صاحبة الفيلا قد احترقت فى إحدى الليالى التى كانت تستضيف فيها أقرانها ممن كانوا يستهويهم الاستعراض، وطوال العرض يبحث هؤلاء الثلاثة عن الأشباح التى تقوم بأداء عشرات الاستعراضات على مدار ساعة كاملة لم تتوقف خشبة المسرح فيها ثانية لتغيير المشهد أو الديكور كما يحدث فى بعض العروض. وقد جاءت الأحداث سريعة رشيقة متتالية كموج بحر هادر، وكأن العرض هو الذى يبحث عن شبح الموهبة بين أفراد الدفعة الثالثة قرب انتهاء تدريباتهم ومن ثم تخرجهم. يذكر أن ميزانية مركز الإبداع الفنى لا توازى أصغر فرقة بالبيوت الفنية، فى حين جاء مردوده عاليا على الوسط الفنى كله لا المسرحى فقط، بعد أن نجح خريجوه فى السيطرة على الأعمال الفنية هذا العام، وظهرت نماذج بعضها احتل المركز الأول، وأغلبها ما زال يسيطر على الأدوار الثانية لاعتبارات الخبرة والأقدمية فى الوسط الفنى، وعلى مستوى عرض "أين أشباحى" فقد تم عرضه ثلاث مرات متتالية فى ليلة وقفة رمضان، على عكس الأيام العادية التى كان يتم فيها إعادة العرض مرتين فقط من كثرة إقبال الجمهور عليه.