بأسلوب كلاسيكي للانقلابات العسكرية، يكاد يتكرر السيناريو الانقلابي المصري في السودان، ببيان يكاد يتطابق مع بيان 3 يوليو، ليجمع “عوض بن عوف”، وزير الدفاع المطلوب دوليًّا، بين قيادة المجلس العسكري والفترة الانتقالية لحكم العسكر المقدرة بعامين. ويرى مراقبون أنه على القوى الثورية في السودان تحري الأخطاء التي وقع فيها المصريون، منذ تركوا ميدان التحرير في 12 فبراير 2011، ليطبقوا نصيحة روجها إعلام المجلس العسكري عن الشيخ الشعراوي “الثائر الحق من عاد ليبني الأمجاد”، ولكن الجيش السوداني أعلن عن انقلاب عسكري بعد اعتقال البشير، وفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال، وتولّي الجيش الحكم لمدة عامين بحكومة مشكلة من المجلس العسكري. كما أن هناك اتفاقًا على أن الجملة الأولى من عبارة الشعراوي “يثور ليهدم الفساد” فعلها السودانيون رغم المعاناة، وشجعهم على استكمالها نجاح أشقائهم في الجزائر على الإطاحة ببوتفليقة. يبدو أنها معاناة امتدت من نوفمبر الماضي بعد ثورة رغيف الخبز، الحد الأدنى من الكفاف، وأعلنوا قبل قليل عن استمرار الاعتصام في شوارع الخرطوم رغم بدء سريان حظر التجوال الذي أعلن عنه وزير الدفاع، والذي رد هو الآخر بتعيين نائب له في قيادة المجلس العسكري ليكون أشبه بمجلس طنطاوي عنان. رافضون للمغادرة وكما كان في ميدان التحرير بالقاهرة رافضون للمغادرة قبل استحقاقات الشعب والتخلص من الفاسدين من الفلول (الدولة العميقة)، وعت قوى الحراك الشعبي في السودان، ورفضت مبكرًا والجماهير محتشدة في الميدان بيان الجيش السوداني، حيث رفض تجمع المهنيين السودانيين وعدد من القوى السياسية المعارضة، بيان قائد الجيش السوداني الذي أعلن فيه “اقتلاع” نظام الرئيس عمر البشير، وتشكيل مجلس حكم عسكري انتقالي لمدة عامين، معتبرين ذلك “إعادة إنتاج للنظام ولا يعبر عن مطالب الشعب بتغيير النظام بالكامل”، بحسب بيان على قناة “السودان بكره”. وقال المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، رشيد سعيد، في تصريحات ل”سكاي نيوز عربية”، التي تنطلق من أبو ظبي: إن “ما تحقق شيء ضئيل جدا. لم يكن الهدف إسقاط البشير فقط وإنما إسقاط النظام بالكامل بكافة مؤسساته وهيئاته”. وفي بيان رسمي، قالت قوى إعلان الحرية والتغيير التي تضم عددا من الأحزاب المعارضة وتجمع المهنيين، إن بيان المؤسسة العسكرية يعد “انقلابا عسكريا تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها. يسعى من دمروا البلاد وقتلوا شعبها إلى أن يسرقوا كل قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان”. وتابع البيان: “إننا في قوى إعلان الحرية والتغيير نرفض ما ورد في بيان انقلابيي النظام، وندعو شعبنا العظيم للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، وفي بقية الأقاليم، وللبقاء في الشوارع في كل مدن السودان”. ومن جانبه، قال القيادي في حزب الأمة المعارض صديق صادق المهدي لموقع “سكاي نيوز عربية”: إن “ما حدث تغيير محدود جدا لكن لا يزال النظام قائمًا بمؤسساته وأجهزته التي كانت سببا في معاناته”. في السياق نفسه، قالت مريم الصادق المهدي، القيادية في حزب الأمة القومي، للجزيرة: إن النظام نفّذ انقلابًا عسكريًّا، وإن بيان وزير الدفاع “امتهان للجيش السوداني وكرامته”. وأضافت أن ما قاله الوزير يعبر عن “توازنات داخل نظام البشير”، داعية الشعب السوداني إلى مواصلة التظاهر في الميادين. كما عبر عثمان باونين، رئيس حزب مؤتمر البجا، عن رفضه لبيان وزير الدفاع، واصفا إياه ب”المسرحية”. ودعا، في تصريحات صحفية، السودانيين إلى الاعتصام وعدم مغادرة الميادين “حتى تتحقق كافة مطالبهم، وعلى رأسها تشكيل حكومة مدنية لإدارة المرحلة الانتقالية”. من جهته، قال فتح الرحمن البدوي، القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي: إن الحزب يرفض بيان الجيش جملة وتفصيلا. وأكد رفض تولي أي من قادة الجيش- الذين اعتبرهم جزءا من النظام السابق- تسيير أمور البلاد. الجيش والحزب الحاكم ورغم أنه محسوب على الرئيس البشير، إلا أن لكلمات عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني، وقعها حيث نصح الجيش السوداني ليكون نموذج “سوار الذهب” لا نموذج “عبد الفتاح السيسي”، يقول الدقير: “أمام قيادة الجيش فرصة للاستدراك، وذلك بالجلوس مع ممثلي قوى الثورة للاتفاق حول تشكيل سلطة انتقالية مدنية وفقا لإعلان الحرية والتغيير. الإجراءات الأمنية لن تمنع الشعب السوداني من مواصلة الاعتصام وكل أشكال الحراك السلمي لحراسة ثورته ورفض الالتفاف على مطالبها”. أفراد من الجيش السوداني يرفضون بيان المجلس العسكري ويهتفون مع المواطنين: #تسقط_تاني .. pic.twitter.com/PnoN6M4ojb — نحو الحرية (@hureyaksa) April 11, 2019