ببيانٍ عسكريٍ يطوي الجيش السوداني حكم عمر البشير، القادم على ظهر دبابته قبل 30 عامًا، ليحل الرجل الجديد “عوض بن عوف” محل حكمه العسكري على ظهر دبابة أخرى. انتهى دور البشير.. هذا ما يقوله البيان، لا سيما بعد أن فقد الرجل رفاقه في الحكم واحدًا تلو الآخر، تمامًا كما فقد أصدقاءه على الساحة الإقليمية والدولية، فلم ينفعه الوقوف طويلًا في الوسط، ولم تنفعه تعزيزات قواته إلى اليمن تحت لواء التحالف العربي بقيادة السعودية، ولم تنفعه علاقاته الموثوقة بالدوحة وأنقرة، وعلاقاته المميزة مع إيران، حتى مغازلة الحليف الروسي في زيارة الأسد لم تنفعه، لكن البيان الذي يتذرع بإعلام السودانيين وآمالهم إنما يمثل في رأي المعارضة عنوانًا لانقلاب عسكري يلتف على مطالب الشارع، ويرهن السودان بيد الطغمة العسكرية الحاكمة نفسها. يتكرر مشهد القاهرة بالسودان قبل نحو 6 أعوام، حين التفّ قادة الجيش المصري على مطالب المتظاهرين في 30 يونيو، فقطعوا آمالهم في مستقبل أفضل. وتتواصل ردود الفعل السياسية والشعبية على بيان الجيش السوداني بخلع البشير، وتولي إدارة شئون البلاد لفترة انتقالية طويلة تستمر لمدة عامين، حيث أعلن تجمع المهنيين وتحالفات المعارضة عن رفضها لبيان الجيش جملة وتفصيلًا، ومواصلة الاعتصام حتى تسليم السلطة لسلطة مدنية انتقالية. وقد وجّه تجمع المهنيين السودانيين، الذي يقود الحراك الاحتجاجي، نداء إلى ضباط الجيش دعاهم فيه إلى التصدي لما أسماه “محاولة سرقة الثورة من قبل سدنة النظام”. وفي بيانٍ أعقب خطاب الجيش، دعا التجمع ضباط وجنود الجيش السوداني الشرفاء إلى الوقوف مع الشعب من أجل عودة الجيش المختطف إلى وضعه الطبيعي، على حد قول البيان. قناة “مكملين” ناقشت، عبر برنامج “قصة اليوم”، قصة الجيش العربي وأحلام العرب، وبيان الجيش السوداني، ودور القوى الإقليمية في تصعيد “بن عوف”. بدوره رأى الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، أن الثورات لها مواصفات، والانقلابات لها شروط ومواصفات، ويجب التمييز بين الثورات التي ترتبط بإرادات الشعوب وبين الانقلابات التي ترتبط بقوى معينة في داخل النظام، وبعضها يسمى “انقلاب قصرٍ”، وبعضها يسمى “انقلاب قوة”، لكن يبقى الأمر في النهاية انقلابًا على إرادة الشعب. وأضاف عبد الفتاح أن السودان تعيش المرحلة المهمة والفاصلة التي لا تجيب عنها إلا الشعوب، ووعيها وقدرتها على فرز كل ما يتعلق بقوى من داخل النظام تريد أن تسرق الثورة، وما بين قوى شعبية حقيقية تمثل إرادة الشعوب وتريد حماية الثورة. وأوضح عبد الفتاح أن الشعب السوداني قدم صورة غاية في الروعة فيما يتعلق بالوعي السياسي، فهو قادر على التعبير عن إرادته وحمايتها، مضيفًا أن بيانات المعارضة واعية وتقدم حالة من حالات الوعي، وتُميز بين الجيش كمؤسسة والمنظومة التي تحكم وتتحكم بشكل من الأشكال لتحمي مصالحها الدنيئة والضيقة. بدوره رأى إسماعيل التاج، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، أن ما حدث انقلاب بهدف إنتاج نظام الإنقاذ وتدوير النظام، مؤكدًا أن النظام لا يزال موجودًا، فالبشير لا يمثل النظام، ومطالب الثورة كانت واضحة بتنحي البشير ونظامه؛ لأنها حلقة متكاملة ولا يمكن أن تقطع الرأس وتترك الجسد الذي تدب يه الحياة ليعيد إنتاج النظام المتعسف والقمعي الغاشم. وأكد التاج رفض المتظاهرين لبيان الجيش، وأن الشعب السوداني سيكمل المشوار للحصول على الحرية، لافتا إلى أن البيان لم يستجب لمطالب الحراك، كما لم ينسق الجيش مع تجمع المهنيين السودانيين وحلفائه، لذلك جاء البيان منقوصًا؛ فالحراك طالب بإزالة نظام البشير وتكوين حكومة انتقالية مدنية للانتقال بالسودان خلال 4 سنوات إلى الديمقراطية. وأوضح “التاج” أن التظاهرات سوف تستمر على الرغم من فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال، مضيفًا أن الحراك طالب بسيادة القانون واحترام حق التظاهر والتجمع، وجاء البيان بفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال دون أن يترك للشعب الحق في الفرحة.