عزل الرئيس عمر البشير واعتقاله من قبل الجيش أعاد إلى الواجهة السؤال الذي يثار عند هكذا تدخلات، هل هو إنقلاب عسكري كما وصفته روسيا في رد فعلها، أم تتويج للثورة الشعبية السودانية التي استمرت 4 شهور تطالب برحيل رأس النظام، وأعلن بيان وزير الدفاع عوض بن عوف اعتقاله والتحفظ عليه. عزل البشير لم يكن سيحدث لولا ثورة الشعب عليه، لكنها وحدها ليست كافية. لا يملك ذلك إلا الجيش وقد فعلها في اللحظة الحاسمة حتى لا يندفع السودان نحو الفوضى ويتكرر فيه النموذج السوري. لاحظنا أن الفريق أول عوض بن عوف قدم نفسه كوزير للدفاع ورئيس للجنة الأمنية العليا ولم يأت على ذكر أنه النائب الأول للبشير. وفي ظني أنه يحاول بذلك الابتعاد عن أي تفسير قد يذهب إلى أن النظام انقلب على نفسه. لكن هذا التقديم تسبب في لغظ دولي ومحلي. اللغط الدولي تمثل في انتقادات روسيا ووصفها ما حدث بأنه انقلاب عسكري، ودول ومؤسسات أخرى حذت الحذو نفسه. إضافة إلى رد الفعل المحلي السريع حيث سيطر الغضب والاحباط على المتظاهرين والمعتصمين فهم يريدون تغييرا جذريا وشاملا، لكن ما هي السيناريوهات المؤدية إلى ذلك؟.. ليس متاحا في الوقت الحالي تجربة سوار الذهب فالبشير أفقر السودان سياسيا وحزبيا خلال العقود الثلاثة. الدولة العميقة أصبحت متجذرة ولا يمكن القضاء عليها بضربة واحدة أو ترك الأمر لحكم الشارع، فذلك معناه المخاطرة بقذف السودان إلى الفوضى، فتركيبته السكانية ستدفعه حتما إلى حروب أهلية لن تترك مكانا واحدا آمنا. بعيدا عن اللعب بالمصطلحات مثل تسمية ما حصل بأنه انقلاب أو استجابة لثورة الشعب أو ثورة حسمها الجيش بقوته وبما يملكه من القدرة على تغيير الأمر الواقع، فإن السيناريو الوحيد الذي كان متاحا هو التدخل العسكري. يبقى الآن هو كيفية استثمار المرحلة لتعضيد حكم مدني في نهاية مرحلة انتقالية يتم فيها ضبط الأحوال. هنا ننتظر من المجلس العسكري وضع ضمانات انجاز المرحلة الانتقالية وحماية الثورة والتأكيد على أن ابن عوف ليس تدويرا أو إعادة انتاج لنظام البشير. ظني أن البيان كتب بلغة غير سياسية، وأن الذين اتفقوا على صياغته وتوصلوا إلى بنوده لم يشركوا معهم ممثلين لحركة الشارع مثل تجمع المهنيين السودانيين الذي قام بدور بارز في الاحتجاجات. قد يتحقق ذلك خلال الأيام القادمة، فالمجلس العسكري سيقوم بتشكيل حكومة انتقالية لإدارة شؤون البلاد وهذه الحكومة ينبغي منحها صلاحيات كاملة بالنسبة للمرحلة المستقبلية وأعبائها وأهدافها. لا يزال الوقت مبكرا على الحكم على ما حدث، لكن السودانيين لديهم تجارب ثرية، وقادرون على الوصول إلى أفضل نموذج متاح خاص بهم دون تدخل دولي بدأنا نشم رائحته مبكرا. [email protected]