“أطلب منكم وأنا بشر غير منزه عن الخطأ، المسامحة والمعذرة والصفح عن كل تقصير ارتكبته في حقكم بكلمة أو بفعل. وأطلب منكم أن تظلوا موفين الاحتفاء والتبجيل لمن قضوا نحبهم ولمن ينتظرون من صناع معجزة تحريرنا الوطني”.. بهذه الكلمات التي اختتم بها رسالة الكتاب الأخير للشعب، طوى الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة صفحة استمرت نحو عشرين عامًا من حكمه البلاد. وسرّبت الاستخبارات الفرنسية بعض الملفات السرية عن الرئيس الجزائري، نشرت في مجلة “لونوفيل أوبسيرفر”، الثلاثاء الماضي، كشفت فيها عما وصفته ب”أرشيف عبد العزيز بوتفليقة” المليء بالانقلابات والصراع على السلطة والاغتيالات السياسية. عديم الضمير وفي تقرير مجلة “لونوفيل أوبسيرفر”، وصفت الاستخبارات الفرنسية، وزير الخارجية السابق عبد العزيز بوتفليقة، ب”شخصية عديمة الضمير”، وأوضحت أن تقرير الاستخبارات الفرنسية صور بوتفليقة بأنه “رجل مؤامرات”، مؤكدة أنه المحرض الرئيسي على الانقلاب العسكري لصالح هواري بومدين، ضد الرئيس السابق أحمد بن بللا في يونيو 1965، وعُين بوتفليقة في الستينيات ضابطًا بالجيش، وألحق بهيئة قيادة العمليات العسكرية، وبعدها بهيئة قيادة الأركان قبل أن يوفد عام 1960 إلى حدود البلاد الجنوبية لقيادة “جبهة المالي”، وتولى منصب وزير الخارجية في العام 1963. ووفقًا لتقرير الاستخبارات الفرنسية، استشعر بوتفليقة أنه سيتم إقصاؤه من الحياة السياسية في الجزائر، بعدما عمل بن بللا– الرئيس حينها- على الإطاحة بعدد من المناصب الحساسة في بلاده، فلجأ بوتفليقة إلى بومدين وزير الدفاع للإطاحة بالرئيس. المجلة الفرنسية أكدت أن بوتفليقة، في الستينات والسبعينيات، تعرض للمراقبة والتجسس، بناءً على طلب من بومدين نفسه الذي وصل إلى منصب الرئاسة بعد الانقلاب، ويكشف تقرير لوزارة الخارجية الفرنسية أيضًا، عن أن عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية حينها، ووزير الداخلية أحمد مدغري، تمكنا من عزل أنيسة بومدين زوجة الرئيس. كما يزعم تقرير الاستخبارات الفرنسية، أن بوتفليقة يقف خلف عدد من الاغتيالات السياسية، التي كان أبرزها وأشهرها الزعيم التاريخي، كريم بلقاسم، الذي قتل في العام 1970 في ألمانيا. وترى الباحثة دالية غانم أنه على الرغم من أن حكم بوتفليقة للجزائر قوبل في البداية بترحيب داخلي وخارجي واسع، نظرا لما بعثه من أمل في إنهاء الحقبة الدموية التي مرت بها البلاد، فإن الكثيرين يرون أنه أصبح فيما بعد “الرجل الذي لطّخ سمعة الجزائر”. التلاعب بالدستور وتلفت غانم إلى عدة أمور قام بها بوتفليقة؛ أبرزها تعديل الدستور حتى يتمكّن من الترشّح لمنصب الرئاسة متجاوزا الفترتين الرئاسيتين المقرّرتين، والتستر على فساد كبار المسئولين، واتخاذ قرارات أضعفت مؤسسات المجتمع المدني، وترجع الباحثة السياسية “نجاح بوتفليقة” في نزع فتيل الاحتجاجات التي اندلعت ضد حكمه بالتزامن مع انتفاضات الربيع العربي عام 2011، إلى سياسته التي قامت على “مزيج من القمع والهبات السخيّة بفضل ثروة النفط والغاز في الجزائر”. وسبق أن اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش نظام بوتفليقة بالتوسع في “المحاكمات الجنائية ضد مدونين وصحفيين وإعلاميين استخدموا حقوقهم في التعبير السلمي، باستخدام مواد من قانون العقوبات تجرم إهانة الرئيس أو إهانة مسئولي الدولة أو الإساءة إلى الإسلام”. ولفتت المنظمة، في تقريرها السنوي لعام 2017، إلى أن السلطات الجزائرية حاكمت نشطاء نقابيين نظموا أو دعوا إلى مظاهرات سلمية بتهم مثل “التجمهر غير المرخص”، فيما يرى مؤيدو بوتفليقة أنه استطاع قيادة زمام الأمور والخروج بالجزائر من كبرى الأزمات التي تعرضت لها في تاريخها الحديث، يُحمّله آخرون المسئولية عن إغراق البلاد في مشكلات أخرى، ربما يتمثل أهمها في انتشار الفساد وتدهور أحوال البلد الغني بالنفط اقتصاديًّا. قبل أشهر، اتهمت المعارضة الجزائرية بوتفليقة ونخبته الحاكمة بتبديد أموال طائلة تبلغ تريليون دولار خلال الفترة بين 1999 و2019، وهي قيمة الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية ودعم الاستثمار، وفقًا لبيانات وأرقام الرسمية. وحينها، رفض حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم تلك الاتهامات؛ إذ قال أمينه العام السابق جمال ولد عباس: إن “كل دولار صرف منذ 1999 إلى يومنا جُرد وأحصي، ومن يتحدث عن تبذير ألف مليار دولار فهو يريد تضليل الرأي العام، فإنجازات الرئيس بوتفليقة لا ينكرها إلا جاحد”. عصابة الفساد في المقابل، قال رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، وهي جهة مستقلة، جيلالي حجاج: إن “حجم العمولات التي تم دفعها في مختلف الصفقات يقدر بنحو 60 مليار دولار، وتورط فيها مقربون من بوتفليقة والنظام السياسي بصفة عامة بمستويات مختلفة”. وأضاف جيلالي، في تصريحات صحفية، أن “البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر في سنوات حكم بوتفليقة الأولى بفعل ارتفاع أسعار النفط، كانت العامل الأساسي لانتشار الفساد، حيث كثرت قضايا إهدار المال العام”. وعلى الرغم من أن الجزائر ليست مثقلة بديون خارجية كبيرة، إلا أن احتياطيّها من العملة الصعبة انخفض بواقع النصف إلى 70 مليار دولار منذ عام 2014، بسبب تراجع أسعار النفط والغاز، وفقا لوكالة رويترز. من اللافت في هذا الصدد أن السلطات الجزائرية صادرت هذا الأسبوع جوازات سفر أكثر من عشرة من رجال الأعمال، في إطار تحقيقات في مزاعم فساد، وذكر تلفزيون النهار الجزائري، الأربعاء أن السلطات احتجزت رجل الأعمال علي حداد، المعروف بدعمه لبوتفليقة وقربه من نظامه، ووجهت له اتهامات بالفساد.