قد يكون رسام الكاريكاتير الجزائري على ديلام الأبلغ في رسم المشهد الجزائري عشية الانتخابات البرلمانية، عندما رسم صورة شاب جزائري يرفع علم بلاده أمام بوتفليقة المُقعد ويحمل الشاب صورة المرشح الفرنسي مانويل ماكرون. أجواء الحملة الانتخابية وزخم مكبرات الأصوات والملصقات المنتشرة في شوارع مختلف المدن الجزائرية، لأكثر من 12 ألف مرشح تبعث على الإنطباع بأن المنافسة محتدمة حول مقاعد البرلمان ال 462 التي تجري الانتخابات حولها اليوم الخميس الرابع من مايو، وبأنها محطة مصيرية في اختيارات الجزائريين لكيفية إدارة شئون بلدهم في السنوات الخمس المقبلة (فترة ولاية المجلس الوطني الشعبي- الغرفة الأولى في البرلمان)، لكن المتتبع للظروف التي تجري فيها هذه الانتخابات قد يتوصل إلى نتيجة مختلفة. في الانتخابات الماضية كان المناخ السياسي في البلاد يبعث على تفاؤل أكبر لدى فئات من المجتمع والشباب، ومع ذلك لم تتجاوز نسبة المشاركة في الاقتراع نصف الناخبين، وخلال السنوات الخمس الماضية تابع الجزائريون الدور الباهت لبرلمانهم في ظل حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ذو الثمانين عاما، والمُقعد منذ تعرضه في 2013 إلى جلطة دماغية. بوتفليقة ومستقبل الجزائر يهمين على المشهد حزبان قريبان من أجهزة الدولة، وبفضل شبكة ولاءات ومحسوبية مع فئات من المجتمع فيما يعرف بسياسة "شراء السلم الاجتماعي" أي توزيع ريع البترول والغاز، يتداول حزبان صدارة المشهد منذ عقدين من الزمن، ولمتخرج نتائج الانتخابات منذ وصول الرئيس بوتفليقة في أبريل نيسان 1999 لسدة الحكم، عن فوز أحدهما، ثم شريكين معا في الحكومة وبأغلبية مريحة. ففيما يهيمن حزبا "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، تراجع دور أحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية وحتى الوطنية ذات النزعة القبائلية التي لعبت دورا تاريخيا في تحرير الجزائر من الإستعمار الفرنسي مثل حزب جبهة القوى الاشتراكية. كما تراجع دور الأحزاب الإسلامية رغم تعددها، بسبب ارتباط النظرة إليها عند الجزائريين بسنوات "العشرية السوداء" والخوف من أن يُعيد انتخابها إلى البلاد كابوس العنف. بوتفليقة الذي يرأس البلاد في ولايته الرابعة، تولى الوزارة منذ عام 1962، تاريخ إستقلال الجزائر عن فرنسا، وهو عضو في حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم حاليا، وتولى في أول حكومة لدولة الجزائر المستقلة، منصب وزير الشباب والرياضة والسياحة. وما يزال بوتفليقة ذو الثمانين عاما على رأس الدولة، في بلد يتجاوز عدد سكانه 41 مليون نسمة وأكثر من 60 منهم شباب، وباستثناء عشر سنوات قضاها في شبه منفى بالإمارات العربية المتحدة، ظل بوتفليقة طيلة العقود الستة الماضية في صدارة الصف الأول للنظام، وهو في نظر قطاع واسع من الجزائريين، حبلَ نجاة للخروج من الحرب الأهلية أو"العشرية السوداء" التي خلفت المواجهات فيها بين الدولة وإسلاميي جبهة الإنقاذ، مقتل 150 ألف شخص. وبفضل سياسة "الوئام الوطني" التي انتهجها إثر توليه الرئاسة، وأسلوب "شراء السلم الاجتماعي" عبر توزيع ريع البترول والغاز، نأى حكم بوتفليقة بالجزائر عن موجة الاضطرابات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي في جواره المغاربي والعربي، لكن الاستقرار النسبي في الجزائر، ليس فقط وليد هذه السياسة، بل هو أيضا نتاج لتراكم عقود من هيمنة المؤسسة العسكرية وأجهزة الإستخبارات ونفوذ شبكات اجتماعية ومالية باتت تشكل دعائم النظام. ظروف صعبة وتأتي الانتخابات الحالية في ظروف صعبة بالنسبة للدولة، في ظل تراجع عائدات الطاقة بنسبة 70 في المائة خلال العام الحالي، وتشكل مواد الطاقة من البترول والغاز نحو 95 في المائة من صادرات الجزائر وتساهم بنسبة 60 في المائة من ميزانية الدولة، وذلك بحسب معطيات ميزانية الدولة لعام 2017. والجزائر بلد غني ويعتبر ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد روسيا والنرويج، حيث غطى 55 بالمائة من حاجيات إسبانيا من الغاز في 2016 إضافة إلى 16 بالمائة من حاجيات إيطاليا و15 بالمائة من حاجيات البرتغال، لكن ثرواته لا يصل ثمارها إلى فئات واسعة من المجتمع وخصوصا الشباب منهم، بل تذهب موارد كثيرة في الفساد، إذ توجد الجزائر في الرتبة 108 عالميا وفق منظمة الشفافية الدولية. وشهدت البلاد في السنوات الأخيرة محاكمات لمسئولين كبار في قطاعات الطاقة والبنيات التحتية، وبعض المقربين من الرئيس بوتفليقة مثل وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، وبحسب جيلالي حجاج رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد فإن نحو 15 مليار دولار تُستنزف سنويا بسبب عمليات تهريب الأموال خارج البلاد وتهريب السلع والنفط. وبحسب خبراء فإن عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الحالية قد يكون أكبر من سابقاتها، وفي حوار لموقع TSA الجزائري، توقعت السياسية اليسارية المخضرمة لويزة حنون أمين عام حزب العمال (معارضة) أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت هذه المرة "قياسية". وتعجُّ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات النقدية والساخرة من الظروف التي تجري فيها الانتخابات، ومنها صفحة "منظمة مناهضة الشيتة والشياتين" وتعني عبارة الشياتين بالعامية الجزائرية ماسحي الأحذية، لكن يُرمز بها إلى المتملقين للحكم والمتسلقين بطرق غير مستحقة، ويتجاوز عدد رواد هذه الصفحة 400 ألف متابع. ووضعت صفحة فيس بوك أخرى ساخرة لمنظمة تُدعى "منظمة محاربة الاستحمار"، عبارة "مانسوطيش" أي "لن نُصوِّت" كشعار لها خلال فترة الحملة الانتخابية، ويتابع هذه الصفحة أكثر من 315 ألف شخص. وتتعرض فئات من المدونين والصحفيين المستقلين ونشطاء من المجتمع المدني لحملات اعتقال وتضييقات بسبب إنتقادات أو بسبب التظاهر في الشوارع، كما تتم مراقبة الإنترنت على نطاق واسع. ماكرون "مرشح الشباب الجزائري" ومن المفارقات أن زيارة مرشح الانتخابات الرئاسية الفرنسية مانويل ماكرون إلى الجزائر في فبراير الماضي، أثارت اهتماما كبيرا لدى الشباب ومناقشات في مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر، فقد بدت عليه ملامح الشباب التي تفتقدها الجزائر في قمة هرم الدولة ومؤسساتها وفي الأحزاب الرئيسية. وكان لافتا إطراء رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك السلال على المرشح ماكرون، خصوصا بعد أن صدرت عنه تصريحات وصف فيها الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962) بأنه "جريمة ضد الإنسانية"، لكن زخم تلك التصريحات وأصدائها الإيجابية في الجزائر رسميا وشعبيا، غطت عليها التعليقات الساخرة إزاء مرافقة الانتخابات الجزائرية، فقد نشر الرسام المشهور على ديلام كاريكاتورا في صحيفة "ليبرتي" الجزائرية يُظهر فيه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة جالسًا على كرسي متحرك ويقابله مواطن يرفع علم بلاده وصورة لماكرون يظهر سنُّه (39 عامًا). ورغم أن فرنسا ما يزال يُنظر لها في وسائل الإعلام الجزائرية ولدى قطاعات واسعة من الجزائريين، كبلد مستعمر ويُهاجم بل يتهم بالخيانة أحيانا من يُبدي قربه من سياسة فرنسا، إلا أن هذا البلد الأوروبي تعيش فيه أكبر جالية جزائرية بالخارج وتمنح فرنسا سنويا أكثر من 400 ألف تأشيرة دخول لأراضيها، وتشكل الوجهة الأولى للمهاجرين الجزائريين غير الشرعيين. ولا تبدو الانتخابات الحالية محطة ذات مغزى كبير لقطاعات واسعة من الشباب الجزائري الذي يغرق في الإحباط واليأس، وهو ما يثير مخاوف وتحذيرات عدد من الخبراء الأوروبيين من أن انسداد الآفاق أمام الشباب الجزائري في ظل غياب إصلاحات سياسية عميقة، قد يحوِّل بلدهم إلى أكبر معظلة لأوروبا وتدفق موجات غير مسبوقة من المهاجرين أو اللاجئين. وفي حوار لموقع TSA الجزائري، قال المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، الفرنسي باسكال لامي، الذي يرأس مجموعة جاك دولور للتفكير الأوروبي، والمرشح لتولي حقيبة اقتصادية في حال فوز المرشح ماكرون، "سيأتي يوم وتدخل فيه الجزائر لعالم اليوم" في إشارة نقدية منه لإنغلاق النظام السياسي الجزائري ونظام توزيع الثروات في البلاد، وعدم تكيفه مع التحولات في محيطه وفي العالم. الكاتب: منصف السليمي هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل