القمة العربية في تونس تأتى لتأكيد هشاشة العالم العربي في هذه المرحلة من تاريخه، سواء من محيطه الإقليمي المتمثل في تركيا وإيران، أو العالمي، مع عدم قدرة المنظومة العربية إلا أن تكون رد فعلٍ بغض النظر عن صواب موقفها من عدمه. ومن المؤكد أن العالم كله لن يلتفت إلى كافة المواقف التي تلخصها كلمات اعتادها الجمهور العربي، في ظل حضور ركيك على مستوى القمة، وتطمح دول رباعي الحصار أو دول الاعتدال الموالية للأمريكان بالمنطقة، إلى أن تظهر القمة هذا الشكل، وصرف أنظار الطامحين من الدول عن حل مشاكلهم الحقيقية، والإشارة إلى أن هذا هو العنوان الخاطئ إن أرادوا ذلك. غياب الجزائر مشروع إعلان تونس الذي رفض قرارات ترامب بشأن الجولان والقدس، وتعرض في أغلب نقاطه (البيان الختامي) لمعظم الأزمات العربية في ليبيا وسوريا واليمن، فضلا عن رفض التدخلات الإيرانية بالمنطقة، وهو الاتهام الذي نفته طهران مرارًا، غاب عنه مناقشة الاحتجاجات السودانية والثورة الجزائرية والتي لم تضع بعد أوزارها. وربما كان ذلك بسبب غياب رئيسي الدولتين، فباستثناء سوريا المجمد عضويتها، يغيب 8 زعماء عن القمة، أبرزهم الرئيسان السوداني عمر البشير، والجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وسلطان عمان قابوس بن سعيد، وملك المغرب محمد السادس. لكن كان من اللافت حضور رئيس مجلس الأمة الجزائري عبد القادر بن صالح، ممثلا في القمة الثلاثين عن دولة الجزائر بديلا عن الرئيس بوتفليقة، وهو الاسم الذي طرحه رئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح، ضمن طرح توليه فترة انتقالية وفق المادة 102 من الدستور الجزائري. انصرافات مفاجئة وكان اللافت مغادرة السيسي وملك السعودية وملك الأردن قمة تونس قبل إعلان البيان الختامي، وسبقهم أمير قطر الذي غادر القمة قبل إلقاء كلمته. حيث لم تقدم القمة الكثير في معالجة ملف الأزمة الخليجية، بل شهدت انحياز أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط، وزير خارجية المخلوع مبارك، بالانتقاص من حلفاء قطر بشكل تلميحي غير مباشر عن القوى الإقليمية في المنطقة. وأرسل الأمير “تميم” رسالة شكر لرئيس القمة ال30، باجي قايد السبسي، رئيس تونس، رغم غياب مناقشة حقوق قطر المحاصرة ظلمًا من دول الجوار الخليجي مع احتفاء مجاني بهم. وقبل مغادرة أمير قطر، سعى رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي إلى المطار لإقناعه بعدم المغادرة، إلا أنه لم يتم الكشف عن تفاصيل هذا اللقاء وتلك المحاولة. وفور مغادرة الأمير تميم، أطلق الذباب الإلكتروني- بمساعدة اللجان الإلكترونية في مصر- هاشتاج #تميم_يهرب_من_قمه_تونس، في محاولة منه لربط مغادرة الأمير مع كلمة الأمين العام للجامعة العربية، التي هاجم فيها تركيا وإيران، مع الدور الذي قدمته الدولتان لصالح قطر في حصارها المستمر منذ 5 يونيو 2017، إلى الآن. ولأن انسحاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد من القمة، فكانت كل الانسحابات الأخرى تالية له، ومنها انسحاب السيسي الذي لم يتمكن من ذلك في قمة ميونخ للأمن التي عقدت مطلع فبراير الماضي. وغادر الملك سلمان حيث أقلعت طائرته قبل دقائق من انتهاء الجلسة الافتتاحية، ولم يحضر العاهل السعودي الجزء الأكبر للجلسة الافتتاحية، وخرج الملك من قاعة الاجتماعات للقمة بعد انتهاء كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، برفقة 3 أشخاص، متوجها مباشرة إلى المطار. حضور ضعيف وكعادة القمة العربية أن يغيب عنها أغلب القادة العرب، مع تصور أعدادهم حال حضور ترامب للقمة أو أن يندب نتنياهو مندوبًا عنه، كما سخر الكثير من غثاء التجمع العربي الحالي. ونجحت توقعات صحيفة النهار اللبنانية، التي كشفت قبل نحو شهر عن أن سوريا (نظام بشار) ستغيب عن القمة، بعد فيتو أمريكي على تطور الصلات الدبلوماسية بين الدول العربية- رباعي الحصار بشكل خاص- والأردن مع نظام بشار الأسد، بإعادة فتح السفارات والقنصليات، وكانت جامعة الدول العربية قد علّقت مشاركة سوريا منذ مذابح 2011. ورغم زيارة محمد بن زايد إلى القاهرة مؤخرًا، إلا أن الإمارات كانت مساوية للصومال والمغرب في أضعف مستوى تمثيل ضمن القمة، فندبت أبو ظبي حمد الشرقي، حاكم الفجيرة عضو المجلس الأعلى للاتحاد (أرفع سلطة دستورية وأعلى هيئة تشريعية وتنفيذية)، في ثاني تمثيل إماراتي بعد ترأس وفد بلاده في القمة العربية الأوروبية التي انعقدت في فبراير الماضي بمنتجع شرم الشيخ. يشار إلى أن القمة العربية 2019، هي القمة الثالثة التي تستضيفها تونس، حيث سبق وأن عُقدت قمتان بها في عامي 1979 و2004. بضاعة ركيكة ولم ترق خطابات رؤساء وفود القمة العربية اليوم إلى المظاهرة التي انطلقت في تونس العاصمة اليوم بالتزامن مع “القمة”، ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني وضد الانقلابي السيسي، وأحرق المتظاهرون علم الكيان الصهيوني، مع إعلان أن القدس عاصمة فلسطين، وأن الجولان أرض عربية. وفي أي لقاء له داخل مصر أو خارجها، في المحافل الدولية، لن يحدثك السيسي عن تنمية، أو مستقبل أو تطور أو نهضة علمية، لن تجده يذكر مشكلات كالفقر والبطالة والفساد والروتين أو إهدار الموارد الطبيعية، كما لن يبحث عن حلول لأنه مفلس، لا يملك بضاعة سوى “تجديد الخطاب الديني” والتهديد بالإرهاب، كما رأت الكاتبة الصحفية شيرين عرفة. وكان السيسي قد وصل متخفيًا لتونس الثورة ويده تقطر بدماء الأبرياء، وأحكام الإعدام تصدر يوميا ضد معارضيه، فاستعمل الحيلة في قدومه فبعد أن أعلن أنه لن يشارك في أعمال القمة العربية، وصل وغادر بطريقة مفاجئة وغير معلنة مسبقا؛ لتجنب مظاهرات شعبية كانت ستعترضه أو ملاحقة حقوقية واحتجاجات على تواجده. صداع عربي وعشية انطلاق القمة أمس السبت، عقدت اللجنة الرباعية التي تضم الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي اجتماعا لها حول الملف الليبي. وعبّرت الجامعة العربية عن دعمها للمبادرة الثلاثية لدول تونسوالجزائر ومصر الهادفة لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية. وأكدت الجامعة العربية ضرورة دعم الحل السياسي بعيدًا عن الحل العسكري ودون تدخل أجنبي. وكان كل ما كان يشغل بال هؤلاء المجتمعين هو صعوبة إدماج تيار الإخوان في السلطة المقبلة ومعارضة حفتر التعامل معهم، مع دعوتهم إلى ضرورة تجميع كل القوى السياسية، ما عدا الإخوان، الذين اعتبرهم مندوب تونس أنهم «قوة معطلة»؛ لأنهم يعملون وفق أجندات خارجية، على حد تعبيره. ورأى وزير تونسي أن التحركات العسكرية التي ينفذها المشير خليفة حفتر في الجنوب، تمثل موقفًا ما زال متأرجحًا بين الفشل والنجاح، وعليه أن ينسق أنشطته مع مجلس الرئاسة في طرابلس، وأن يمد يديه إلى كل الليبيين. إعلان منقول وبالنظر لإعلان تونس، فهو لا يختلف عن إعلان الرياض أو إعلان القاهرة أو غيره من العواصم، بما شهده من انتقاصات بحق العالم العربي وقضية فلسطين المركزية. فهو أولا قلص حق المسلمين في عموم القدس إلى تأكيد فقط أن الهوية العربية هي فقط “للقدس الشرقيةالمحتلة، عاصمة دولة فلسطين”. كما أكد الإعلان الذي نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية نسخة من مشروعه، أن “السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط كخيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام العربية التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت عام 2002م”، داعيا إلى “إعادة إطلاق مفاوضات سلام فلسطينية إسرائيلية”.