كما كان الرئيس المخلوع مبارك كنزا استراتيجيا للكيان الصهيونى باعتراف قادتهم؛ لأنه كما قال الكاتب نعوم تشومسكى: "كان مبارك يتبع أسلوب السياسة الناعمة مع الغرب، وتعودوا منه على تلبية أى مطلب بما فيها التى تضر بالأمن القومى المصرى"، صار الفريق أول السيسى هو البطل القومى فى إسرائيل، كما ذكرت صحيفة "هاآرتس" الصهيونية. وفى ذلك رد مبدئى على ما تردده أجهزة الإعلام الانقلابية من عمالة الرئيس المخطوف مرسى وجماعته وحزبه للكيان الصهيونى، حتى تطوع أحد الأساتذة المصريين العاملين فى الجامعات الأمريكية - وهو يسارى وناصرى التوجه بشكل مرضى - بوصف الإخوان بالصهيونيين المتأسلمين!! فهل حقيقة وجود الإخوان وتوليهم السلطة فى مصر يمثل انتصارا للمشروع الصهيونى الأمريكى فى المنطقة؟! هل الرسالة البروتوكولية الروتينية التى ترسلها وزارة الخارجية إلى رؤساء الدول الأجنبية تحت مصطلح صديقى العزيز ( (Dear friend والتى أرسلت إلى رئيس الكيان الصهيونى بتوقيع مرسى دون مراجعة مؤسسة الرئاسة، تمثل عمالة الرئيس للكيان الصهيونى؟! ثم ألا يدرك الطفل العربى أن حماس التى هى تابعة للإخوان المسلمين فى فلسطينالمحتلة هى الشوكة فى حلق الكيان، وهى العدو الحقيقى له وشكل المقاومة الوحيد ضمن الحركات الإسلامية المجاهدة للاحتلال الصهيونى لفلسطين، ورغم ذلك يتهم العميل الصهيونى المتأسلم الرئيس مرسى من قبل سلطات وإعلام الانقلاب بتهمة التخابر مع حماس! هل وصلت أخبار التخابر مع أمريكا والكيان الصهيونى وبعض دول الخليج التى أجراها وزير الدفاع فى وجود الرئيس المنتخب للإعداد للانقلاب، واعترف بها قائد الانقلاب فيما بعد الى مسامع القوم؟! ولعل ما قاله الكاتب اليهودى الأمريكى نعوم تشومسكى فى مقاله الخطير يوم 7 سبتمبر 2013 فى جريدة الجارديان يستحق التوقف عند كل فقرة، كى نعلم من يحمى المشروع الصهيونى الأمريكى، "جنرالات مبارك هم أنفسهم من انقلب على النظام الوليد، وهم من أخرجوا مبارك لأنهم لم يتفقوا مع الإخوان على صيغة للتفاهم، فالإخوان أرادوا أن تكون المميزات والهيبة للجيش المصرى وأراد الجنرالات الهيبة للمجلس العسكرى والفرق واضح. والجيش يملك مملكة اقتصادية كانت تحتمى فى الرئاسة التى حجبتها عن أعين الجميع لعقود متتالية، وخسارة العسكر لمؤسسة الرئاسة سيجعل الباب أمام الإخوان مفتوحا لرؤية كنز اقتصادى لو انتزع تدريجيا من الجيش سيساعد الإخوان على الأقل فى تنفيذ مشروعهم الاقتصادى دون التعرض لأزمات يعانى منها المصريون. فكرة الانقلاب العسكرى مطروحة على مائدة العسكر من قبل أن يلقى عمر سليمان خطاب تخلى مبارك عن السلطة". ولعل ما نشر فى موقع "واى نت" الإخبارى الإسرائيلى "دعا المعلق العسكرى رون بن يشاى الغرب إلى تنفيذ خطة مارشال لدعم حكم السيسى محذرا من عواقب فشل الانقلاب، وطالب بدعم قائد الانقلاب بدون تحفظ على اعتبار أنه يقود المعركة ضد الذين يحاولون إعادة الإسلام للصدارة مجددا، محذرا الغرب من الركون لفكرة نشر الديمقراطية؛ لأن فشل الانقلاب يعنى حرمان الجيوش الغربية من المزايا التى تقدمها مصر حاليا". ولعل ما يحدث فيما يسمى لجنة الخمسين لتشويه دستور الشعب المصرى من تعديل يفقد مصر هويتها الإسلامية ويسمح لغير الأديان السماوية بممارسة شعائرهم، وما يتبع ذلك من فوضى وفتنة فى بلد يحكمها المزاج الإسلامى وشريعته منذ صدر الإسلام!! يؤكد دور الانقلاب وهدفه الحقيقى الذى أكده المحلل دان مرغليت كبير معلقى صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، معبرا عن شعوره لو فشل الانقلاب "سنبكى دما لأجيال إن سمحنا بفشل الانقلاب وعاد الإخوان للحكم"، وأضاف بشكل أكثر وضوحا لا يتمتع بها أحد من ساسة أو إعلاميى الانقلاب "إن السيسى يمعن فى القتل لأنه يدرك مغزى فشله، وعلينا أن نجند أنفسنا لإنجاح حكمه، فهذه قصة حياة أو موت ليست بالنسبة له بل لنا أيضا"!!. هذا باختصار الموقف الصهيونى دون الخوض فى تفاصيل أكثر تؤكد من يحمل المشروع الصهيونى الأمريكى فى مصر، لكن ما هو الموقف الأمريكى؟ عودة إلى الكاتب نعوم تشومسكى فى مقالته إذ يقول: "فى البحث عن الدور الأمريكى نجد أن هذا الانقلاب لم يكن ليحدث دون موافقة البيت الأبيض لأن الخلافات بين مرسى وأوباما أثبتت لأمريكا أن مصر لم تعد منطقة نفوذ أمريكى، أما مرسى والذى لا ينتمى للمؤسسة العسكرية فلم يوافق على الجملة التى عرضت عليه ليقولها أثناء المؤتمر الذى كان سيعقد بينه وبين أوباما أثناء زيارته لأمريكا وهى (وستعمل مصر وأمريكا على إيجاد حلول لكى ينعم الشعبان الفلسطينى والإسرائيلى بالأمن الدائم والسلام الشامل) والهدف من الجملة هو الضغط على مرسى فقط لذكر كلمة إسرائيل والتلفظ بها ولو مرة واحدة تكون اعترافا منه بدولة إسرائيل، وهو الذى ذكرهم بالقردة والخنازير فى عهد مبارك، وهنا توترت العلاقات فى السر، وبدأ كل طرف البحث عن حلول...". وليس سرا أن السفيرة الأمريكية اتصلت بلجنة الشئون الخارجية فى حزب "الحرية والعدالة" بعد الانقلاب بأسبوع لتؤكد أن مرسى لن يعود!! وما ذكره لى أحد القريبين من مؤسسة الرئاسة ونحن فى رابعة أن آخر اتصال هاتفى تم بين الرئيسين المصرى والأمريكى استمر حوالى ثلثى الساعة، ولرفض مرسى الخضوع للطلبات التى أملاها الرئيس الأمريكى فأنهى المكالمة بهذه الجملة "اعلم أننا ضد الانقلابات العسكرية لكن لو تحرك جنرالات الجيش المصرى ضدكم فلن نعترض"، وهذا هو الموقف الأمريكى حتى هذه اللحظة!!. وهنا نتساءل: هل فشل مرسى فعلا فى العام الذى تولى فيه مسئولية الحكم فى مصر؟! وقد خرجت من تحت سيطرته الأعمدة الأربعة فى الدولة (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام)؟ قلت سابقا وأكرر: العكس هو ما حدث! ولأن مرسى أنجز لذا فقد تقرر الانقلاب عليه بعيدا عن صناديق الانتخابات! ولو فشل لتركوه حتى يتأكد فشله ويخسر شعبيته وفى أقرب استحقاق انتخابى يمكن للكارهين تحقيق كل أهدافهم! وكان ذلك سيحدث فى الانتخابات البرلمانية التى دعى لها الرئيس مرسى فى أبريل الماضى، لكن لم يتحقق ذلك حيث أوقفها القضاء بحكم قضائى سياسى وهو ما أقره المستشرق الإسرائيلى إيال زيسر فى مقال له فى صحيفة "إسرائيل اليوم" "أن قرار الإفراج عن مبارك مؤشر على أن القضاء المصرى يعمل وفق توجيهات سياسية ومعتبرا أن جنرالات الجيش غير قادرين على التخلى عن مبارك". هنا نستشهد مرة أخرى بالكاتب الأمريكى اليهودى نعوم تشومسكى فى نفس مقاله موضحا الدور الذى قام به مرسى فى ظل رئاسته، واستوجب قيام هذا الانقلاب العسكرى الدموى ضده "اتجه مرسى إلى الصين وروسيا والهند وباكستان والبرازيل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بل وإيران، وبدأت الاتفاقيات العسكرية مع الهند والاتفاقيات النووية مع روسيا، والصناعية مع البرازيل والصين، والزراعية مع السودان، وتقديم عروض زراعية أخرى لكثير من دول أفريقيا، وأدركت أمريكا أن سبل الضغط على مصر ستتلاشى تدريجيا إن لم يزح الإخوان عن الحكم دون سقوط الدولة، واتخذت هذا الطريق.. ويكفى أن يقول وزير خارجية أمريكا لنظيره الخليجى إن الإخوان خطر عليكم كعائلة مالكة ليعلن الخليج عداءه لمصر سرا وعلنا"!!. الواضح بعد استعراض الموقف الصهيونى الأمريكى نستطيع أن ندرك وجود أطراف عديدة تحمل المشروع الصهيونى الأمريكى وتحميه فى مصر، وقد توحدت ضد نظام الرئيس مرسى، يقول عنها تشومسكى: "ونفهم من كل هذا أن أطرافا عدة اجتمعت نواياها وتوحدت أهدافها حول ضرورة إزاحة الإخوان... ونفهم أيضا أن الجميع يبحثون عن مصالحهم لا عن مصلحة مصر... أما الإخوان فسابقوا الزمن من أجل فرض أمر واقع لا يمكن الانقلاب فى ظله، ولكن سبقتهم أدوات الشر.." انتهى. لكن ما الخطورة من استمرار الانقلاب العسكرى على الأمن القومى المصرى؟ هذا ما كتبته يوم 10 يوليو فى المقال الأسبوعى بالأهرام لكنه لم ينشر طبقا لتعليمات الرقيب العسكرى الذى سيطر على كل جهات الإعلام المصرى الفضائى والورقى! اليوم بعد ما يحدث فى سيناء من افتعال أزمات وأحداث وقتل لأبرياء، صرخ أهل سيناء وشرحوا الظلم والتعسف والقهر الذى يمارس ضدهم بلا تمييز! ومن لقاءاتى بأهل سيناء فى البرلمان وميدان رابعة العدوية تأكدت من أن الجهاديين المتواجدين على الحدود ليس لهم خصومة مع الجيش المصرى أو الشرطة، وقد صرحوا هذا مرارا وتكرارا، بل مهمتهم كما يراها هذا الفصيل هو مقاومة الكيان الصهيونى وحماية حدود مصر! ولا شك أن تصفيتهم اليوم يخدم نفس المشروع الصهيونى الأمريكى، بل إذا تزامن هذا مع هدم كل الأنفاق وحصار غزة وحرمانها من الدعم المصرى بكافة أشكاله، هذا معناه أننا مقدمون على ضربة عسكرية صهيونية لقطاع غزة، بعد أن تم تجفيف كل منابع الدعم لحماس (الرئيس مرسى وجماعة الإخوان والتأييد الشعبى والأنفاق بالانقلاب والاعتقال والتغييب والتشويه والتحريض الإعلامى والردم) لتصفية حسابات قديمة مع الشعب الفلسطينى وكتائب المجاهدين التى أذاقت الصهاينة كأس العذاب فى حربين متتاليتين! وهذا تهديد للأمن القومى المصرى الذى تحمى حدوده الشرقية كتائب المجاهدين فى غزة شاء من شاء وأبى من أبى!!. وفى النهاية ما نتائج هذا الانقلاب وما مستقبله؟! أترك لنعوم تشومسكى من خارج مصر وهو يتابع المشهد عن بعد الرد على ذلك إذ يقول: "لم يخسر الإخوان ومن معهم كل شىء، ولم يكسب الانقلابيون بعد أى شىء.. هذا هو الواقع لازال الإسلاميون قادرون على الحشد بأعداد كبيرة وفى أماكن تغطى مصر، والعالم يرى ما يحدث لا ما يفرضه الانقلابيون على مؤيديهم كأمر واقع... أمسكت أمريكا العصا من المنتصف ولا زالت". والسؤال الأخير: هل من الممكن أن يعود مرسى؟ يسأل تشومسكى ثم يجيب: "لن يصمد الانقلاب أمام عزلة دولية ولا أمام أزمة اقتصادية ولو بألف كذبة إعلامية.. والمهم هنا.. هل سيصمد الإسلاميون على حشودهم ومطالبهم.. هنا فقط يمكن أن نقول إن عودة مرسى ليست أمرا مستبعدا" انتهى. إذاً فمستقبل المشروع الصهيونى الأمريكى الذى يحمله ويحميه الانقلابيون سيبقى بائسا، ولن يكتب له النصر، قد يكسب أنصارا أو مساحات من التاريخ أو الجغرافيا، لكنه أبدا لن يستقر ولن ينتصر، ولأن أقدار الله غالبة، ولأن الغباء جند من جنود الله ينصر به أولياءه فى كل زمان ومكان، تبقى ثقة ثوار مصر فى نصر ربهم مع سلميتهم مهما طال الوقت، فلعل فى ذلك كشفا للزيف والكذب وسقوطا للأقنعة عن هامات كنا نحسن بها الظن، فليحترق كل المنافقين وكل رجال أمريكا وبنى صهيون فى مصر، ولنبذل كل الجهد المطلوب ونستفرغ كل طاقة رفضا للظلم والقهر والفساد الذى تسارعت خطوات عودته عقب هذا الانقلاب العسكرى الدموى، ولن يصح إلا الصحيح، ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريبا.