تصريحات الأنبا أرميا، الأسقف العام، رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي،مساء أمس الجمعة 08 مارس 2019م، والتي ينفي فيها وجود انقسام داخل الكنيسة حول البابا تواضروس الثاني تؤكد هذا الانقسام ولا تنفيه؛ إذ ليس متوقعا أن يخرج مسئول كبير أو صغير بالكنيسة ليؤكد هذا الانقسام؛ فالمؤسسات الكبرى، دون استثناء، تحاول دائما التغطية على حجم الخلافات والانقسامات بداخلها حتى تخرج للعلن ولا يكون هناك مجال للنفي والإنكار. وجاءت تصريحات الأنباء أرميا، خلال الاحتفال بذكرى رحيل كيرلس السادس البابا ال116 من باباوات الكنيسة، بحضور عدد من رجال الدين البارزين، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء المصرية. حيث تضمنت العناصر الآتية: أولا، طالب ما أسماه بشعب الكنيسة بعدم تصديق الشائعات؛ واتهم من وصفهم بالذين يحاولون أن يشقوا وحدة الكنيسة بأنهم “مغرضون” حيث قال: «الذين يحاولون أن يشقّوا وحدة الكنيسة وأن يُفتتوا رباط الكنيسة مغرضون، ولهم أغراض خارجية، فليس كل ما يقال يصدق، وليس كل ما يقال سليم». ثانيا، التشديد على أن «البابا تواضروس الثاني هو رمز للكنيسة كلها، وإن من يمسّ بابا الكنيسة فقد مسَّ الكنيسة كلَّها، ومن يُهن بابا الكنيسة فقد أهان كل آباء المجمع المقدس». ثالثا، نفي وجود أي انقسام حيث قال: «لا توجد أي خلافات داخل المجمع المقدس (أعلى هيئة كنسية)، ولا توجد أي خلافات داخل الكنيسة». بحسب محللين ومراقبين، فإن هذه التصريحات تعد أو تعليق من مسؤول ديني بارز حول أنباء تتداول منذ أسابيع بشأن وجود انقسامات داخل المجمع المقدس (أعلى هيئة كنيسة) حول البابا تواضروس. وتشير تلك الأنباء التي لم تُعلِّق عليها الكنيسة مسبقاً إلى عدم الرضا عن أداء البابا، لاسيما في التعامل مع اعتداءات طالت مسيحيين، وتصاعدت في فترات سابقة ببعض محافظات الجنوب. وثمة فريقان بالكنيسة، الأول قطاع كبير ولا يستهان به يؤيد البابا الحالي استنادا إلى علاقته الجيدة بنظام الانقلاب بعد المشاركة الواسعة من الكنيسة في تأسيس هذا النظام على أنقاض ثورة 25 يناير والمسار الديقمراطي الذي جاء بالإخوان المسلمين. كما يبرر هؤلاء دعمهم ومساندتهم لرأس الكنيسة بما تحقق في عهده من إنجازات منها، تأسيس أكبر كاتدرائية بالشرق الأوسط، وصدور قانون ينظم إنشاء الكنائس والأديرة دون قيود أمنية ما أدى إلى تقنين مئات الأبنية والكنائيس خلال السنوات القليلة الماضية. وفي أغسطس 2018 الماضي، طالب المجمع المقدس الأديرة غير المعترف بها بتقنين أوضاعها خلال شهر، والخضوع للكنيسة الأرثوذكسية التابعة لها وإلا ستعتبر “عاصية وخارجة” عنها. وفي 29 يوليو2018الماضي، جرت أحداث نادرة داخل الأديرة شملت العثور على الأسقف إبيفانيوس مقتولا داخل دير أبومقار شمال البلاد الذي يترأسه. وبعد أيام من مقتله أصدرت الكنيسة المصرية 12 قرارا لضبط حياة الرهبانية داخل الأديرة، من بينها وقف قبول رهبان لمدة عام، وحظر الظهور الإعلامي وإغلاق صفحات التواصل الاجتماعي بالنسبة للرهبان، وأغلق البابا صفحته بالفعل آنذاك. وتلا ذلك، تجريد الراهب بالدير ذاته أشعياء من الرهبنة وطرده من الدير، في 5 أغسطس، وبعدها بيوم أقدم الراهب فلتاؤس على محاولة انتحار ونقل للمستشفى، قبل أن تتهمهما النيابة بقتل الأسقف وحبسهما على ذمة التحقيقات، ثم الحكم عليهما بالإعدام وهو حكم أولي قابل للطعن. iframe width=”560″ height=”315″ src=”https://www.youtube.com/embed/2S_8KC1xetE” frameborder=”0″ allow=”accelerometer; autoplay; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture” allowfullscreen/iframe خلافات عقائدية رغم المساعي الكنسية للتغطية على حادث مقتل الأنبا إبي فانيوس رئيس دير الأنبا مقار بالبحيرة، وتصدير خطابات إعلامية تتناوله من جانب جنائي فقط، فإن فرضية تصفية الحسابات الفكرية والعقائدية ظلت قائمة، وفق مراقبين يرجعون ذلك إلى تاريخ الدير المعروف ب”تمرده” على الكنيسة المصرية. وربط محللون وخبراء الحادث بالخلافات العقائدية والصراع الكنسي التاريخي بين البابا الراحل شنودة الثالث، والأنبا متى المسكين، الرئيس الأسبق للدير. ويعد الدير معقل المدرسة الإصلاحية التي أسسها متى المسكين (1919-2006)، والتي كانت على خلاف واسع مع المدرسة التقليدية، المتمثلة في البابا شنودة (1923-2012)، ومن قبله البابا كيرلس السادس (1902-1971). يعود تاريخ دير أبو مقار الواقع شمال غرب القاهرة إلى القرن الرابع الميلادي، وتبلغ مساحته الإجمالية نحو 11 كيلومترا مربعا. ولسنوات ظل الخلاف العقائدي قائما بين شنودة والمسكين، إذ لم يقم الأول إلا بزيارات محدودة للدير، كان آخرها عام 2009 بعد وفاة المسكين بثلاث سنوات. وفي عام 1996 زار شنودة الدير والتقى المسكين، وفق مقطع فيديو وثَّق الزيارة، وآنذاك نقلت تقارير صحفية محلية عن شنودة قوله “ما من مرة مرض فيها المسكين إلا وزرته، لكن العقيدة شيء والعلاقات الاجتماعية شيء آخر”. وامتد الخلاف العقائدي بين شنودة ومدرسة المسكين بعد وفاة الأخير، إذ استقال الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط السابق، من رئاسة دير أبو مقار، وهو يعد أحد أبناء مدرسة المسكين. وجاءت الاستقالة احتجاجا على إلباس البابا شنودة رهبان الدير قلنسوة (غطاء رأس الرهبان) -وكان يرفضها المسكين- خلال زيارة شنودة للدير عام 2009. وفي مارس 2013، أجريت انتخابات لاختيار رئيس جديد للدير بمبادرة من الأنبا ميخائيل؛ أسفرت عن اختيار الأنبا إبيفانيوس، أحد المحسوبين على متى المسكين، لتعود مناوشات الجبهتين من جديد. الصراع بين شنودة والمسكين يعود إلى ستينيات القرن الماضي، وبعيدا عن التفاصيل اللاهوتية المعقدة يكمن الصراع في أن المسكين كان ميالا إلى انحصار الدور الكنسي في الشق الديني، على خلاف شنودة الذي سعى إلى توسيع سلطة الكنيسة ودورها السياسي. كما كان المسكين ميالا للانفتاح على الكنائس الأخرى على خلاف انزواء شنودة بالكنيسة الأرثوذكسية بعيدا عن كنائس الغرب. لم يكن المسكين على خلاف مع البابا شنودة فقط، إذ سبق أن اختلف مع سلفه كيرلس السادس، إلى حد قيام الأخير بتجريده عام 1960 من الرهبنة لمدة عشر سنوات، إثر رفضه قرار المجمع المقدس بعودة الرهبان إلى أديرتهم. وكان ذلك أحد أسباب استبعاد المسكين من ترشيحات الانتخابات الباباوية التي فاز بها شنودة عام 1971. وأصدر المسكين عقب تجريده من الرهبنة آنذاك مؤلفات عدة، من بينها كتاب “الكنيسة والدولة” (صدرت طبعته الأولى عام 1963)، وهو الكتاب الذي أدى إلى اتساع الخلاف بين المسكين وكيرلس ومن بعده شنودة. وفي الكتاب، هاجم المسكين الكنيسة، لما وصفه “بمنازعة” الدولة، محذرا من صدام بين الطرفين، وهو ما اعتبرته الكنيسة تحريضا عليها. وفي مقاطع فيديو تعود لتسعينيات القرن الماضي، رصد شنودة نقاط خلاف عقائدية بينه وبين المسكين ورهبان أبو مقار، تمثل أغلبها في أمور كهنوتية معقدة تدور حول “تأليه الإنسان” وتفسير النصوص الإنجيلية. ورد شنودة على سبب عدم تجريده المسكين من الرهبنة بأنه “لا يريد أن يقال إن الكنيسة اضطهدت أحدا، بل على العكس الكنيسة صبرت وتحملت منه البدع والتضليل والإهانات”. لم تتوقف الحرب بين الطرفين بموت المسكين وشنودة، بل اشتعلت مجددا مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتبارى صفحات وحسابات محسوبة على الجبهتين يتابعها الآلاف، في اتهام الطرف الآخر “بالهرطقة والكفر”. وتتهم الصفحات المحسوبة على جبهة شنودة رئيسَ دير أبو مقار المقتول إبيفانيوس بأنه تلميذ للمسكين، و”يؤمن بكل بدعه”. وحول علاقة تواضروس بالتيارين، فإن ثمة من يحسبه على مدرسة متى المسكين المنفتحة على الكنائس الغربية، لكن أنصار “المسكين” ينتقدون مخالفته بعض آرائها خاصة المتعلقة بعلاقة الكنيسة والدولة. وفي الوقت نفسه، يلاقي تواضروس معارضة شديدة بين أبناء الجيل الثاني في مدرسة شنودة. وتولى البابا منصبه كرئيس للكنيسة الأرثوذكسية بمصر، في نوفمبر2012، بعد إجراءات لا تعاد إلا في حالات نادرة بينها الوفاة. وبيما تشير إحصاءات رسمية إلى أن عدد الأقباط في مصر لا يتجاوز 5% (حوالي 6 ملايين نسمة من أصل 104 ملايين) إلا أن الكنيسة تبالغ في تقدير أعداد الأقباط نتصل بهم إلى “15” مليونا بهدف توظيف هذه الأرقام لتحقيق مكاسب سياسية ومالية. iframe width=”560″ height=”315″ src=”https://www.youtube.com/embed/1UDn2EkyCH8″ frameborder=”0″ allow=”accelerometer; autoplay; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture” allowfullscreen/iframe