كان وقع خبر مقتل(الأنبا ابيفانيوس )بالغ الألم والأسف على كل المصريين, ليس فقط للطريقة الدموية البشعة التى تمت بها الجريمة..ولا لمكانها (دير للعبادة)..ولا لتوقيتها (أثناء خروج الأنبا لتسبحه باكر)..ولكن أيضا لخسارة حبر واسقف بمكانة وعلم وتاريخ الرجل. ماذا حدث وماذا سيحدث..وكيف حدث هذا..؟؟الأنبا ابيفانيوس(64عاما) طبيب تخرج عام 1978من طب طنطا وبعد 6 سنوات من تخرجه قرر ان يسلك طريق الرهبنة فالتحق بدير الأنبا مقار بوادى النطرون عام 1984 وبعد 18 عاما من الرهبنة تم ترسيمه قسا(2002)ثم اسقفا(2013)ثم رئيسا للديرفى نفس العام بأغلبية أكثر من 100 راهب بالدير وبترشيح وتزكية من الأنبا ميخائيل شيخ المطارنة ورئيس الدير والذى طلب إعفاؤه لتقدمه فى السن(توفى بعدها بعام واحد 2014 عن 93 عاما)..الأنبا ميخائيل كان مرشحا قويا لخلافة غبطة البابا المتنيح شنودة الثالث هو والأنبا باخوميوس مطران البحيرة الذى نتمنى له الشفاء والعودة سالما من لندن . خمس سنوات فقط قضاها نيافة الأنبا ابيفانيوس فى رئاسة الديرالأهم(الأنبا مقار)بين جميع الأديرة القبطية دير أبو مقار الذي تبلغ مساحته نحو 2700 فدان أي ما يعادل 11340000 متر مربع تقريبا(مصر بها ما يقرب من 50 دير عامر وحوالى 15 دير بالخارج)..ويكتسب الدير أهميته بين الأديرة القبطية بكونه ارتبط باسم رمز كبيرمن رموز الرهبنة والكرازة المرقسية والأقباط بل ومصركلها:(الأنبا متى المسكين)صاحب كتاب(حياة الصلاة الأرثوذكسية )الذى ترجم الى الفرنسيةوالانجليزية والايطالية وصاحب كتاب (مع المسيح) و(الكنيسة والدولة)وصاحب شرح أسفار العهد الجديد فى 16 مجلدا والذى وصف بأنه أحد أهم قادة الفكرالروحى النسكى اللاهوتى الأرثوذكسي فى العالم..الأنبا ابيفانيوس أحد أهم تلاميذ الأنبا متى المسكين والسائر الأمين على دربه.. وهو ما يجعل ظروف تنيحه محل سؤال كبير داخل وخارج الكنيسة.. فى الأصل كان تاريخ الأنبا متى المسكين داخل الكرازة المرقسية تاريخا ملتبسا ملىء بالصعوبات والصراعات وكان الرجل يترفع عن كل ذلك مستندا إلى قامة علمية راسخة وواسعة.. الأمرالذى حشد حوله عدد كبير من التلاميذ والمريدين ..ولم تكن له دوافع خفية ولا طموحات سرية كما يقولون فى التنظيمات والجماعات المغلقة..ولولا مكانته العلمية الكبيرة وترفعه عن الوجاهات الاجتماعية( كان من أسرة ثرية وتربى تربية خالية من الحرمان المادى والنفسى)لكان قد قضى عليه مبكرا مبكرا..تقول الحكاية التى هى وراء الحكاية ..أنه وفى أواخر الأربعينيات كان الأب متّى المسكين يقطع طريقه إلى صحراء القلمون ليكون راهبًا..بعيدًا عن تفاصيل الحياة الخارجية إلى أن طٌلب منه ان يكون وكيلا للبطريركية في ا?سكندرية بدرجة(قمص)حيث عمل على تنظيم الخدمة والأمور المالية تنظيما جيدا وجديدا الأمر الذى تمت مواجهته من القدماء وأصحاب الثياب البالية(كما يصف توماس كارلايل العاجزين عن التطور والتجدد)ودفعته تلك المواجهات الى محاولة ترك الخدمة مرتين إلى أن أقاله البابا يوساب الثاني البابا 115 عام 1955 ليستقر في مغارة بدير الأنبا مقار بوادي النطرون حيث بدأ الرهبان يحيطون به..عرف عن الأب متى المسكين أنه كان يريد العودة بحياة الرهبنة الى مسارها الصحيح(بعدها وتحديدا الأسبوع الماضى سيصدر الأنبا تاوضروس 12 قرارا هاما لضبط حياة الرهبنة..أرجوا ان لا تكون قرارات متأخرة يا غبطة البابا)وكان لكتاب الأنبا متى المسكين(حياة الصلوات الاثوذكسية)أثرا هاما لجذب الشباب للرهبنة( خاصة الجامعيين). البابا كيرلس السادس الرجل المسالم الهادىء ! سيصدر قرارا بعزلة من الرهبنة والكهنوت سيستمر9 سنوات عاشها الرجل وتلاميذه في مغارات وادي الريان وبينما هم في تلك العزلة طالهم قرار آخر من ا?نبا ثاؤفيلس أسقف دير السريان(الدير الذى ترهبن فيه البابا شنودة الثالث)بتجريدهم من رتبهم وأسمائهم الرهبانية(سيكون العنف الشديد ملازما لكل تعامل يجرى معه )ويحدثنا الأستاذ كمال غبريال (الأقباط والليبرالية) عن انتهاج العنف _الذى أبعد ما يكون عن رسالة السيد المسيح_خلال هذه الفترة فيقول أن(غبطه البابا شنودة كان يتدخل برهبانة فى حياة القرى المحيطة بديره_ دير السريان_ وقت ان كان راهبا تحت اسم انطونيوس السريانى مستخدما العنف بطريقة مفرطة وعنصرية وكأنه قائد كتيبة مقاتلة وليس قائد نساك ماتوا عن العالم مما حدا ببعض مؤرخى الرهبنة الأجانب لأن يأبوا إدراجه فى عداد أباء الرهبنة القديسين)..كانت هناك خصومة لدودة عنيفة من جانب الراهب انطونيوس السريانى تجاه الراهب متى المسكين والتى وصلت إلى حد الاتهام بتسميم المياه التى يشرب منها الراهب متى المسكين هو ورهبانه !! البابا كيرلس السادس وفى أخريات عمره سيتصالح معه ويعيد اليه مكانته ويعهد اليه بديرالأنبا مقار..ومرت الأيام بما تجرى به ويتنيح البابا كيرلس السادس ويجلس على كرسى البابوية الأنبا(انطونيوس السريانى)والذى سيصبح البابا شنودة الثالث..ستستعر الخلافات والصراعات والتى ستترعرع وتكبر وتعيش وتمتد حتى حامت بظلالها على ظروف مقتل(الأسقف ابيفيانوس)التلميذ النجيب والأمين للأنبا متى المسكين . سيكون هاما هنا ان نعرف رأى الأنبا متى المسكين في بطريركية البابا شنودة الثالث فقال في حوار لمجلة التايم عام 1981(البابا شنودة هو أفضل بطريرك متعلم في تاريخ الكنيسة إلا أن رسامتة كانت بداية المشكلة لقد حل العقل مكان الإلهام..والتخطيط مكان الصلاة..في سنواته الأولى كنت أصلي له ولكنني أري أن الكنيسة تسير من سيء إلى أسوأ بسبب سلوكياته). في أول لقاء للأسقف المقتول بغبطة البابا تاوضروس الثانى قال له البابا (وصيتى لك أن تعيد لدير القديس الأنبا مقار صورته المشرقة الأولى وتلم شمل الدير)..وواضح طبعا من الوصية انه كان هناك ما يقلق غبطة البابا وهو ما حدث وتجاوز القلق ..وقلوبنا مع غبطته . يوم الخميس الماضى 2 أغسطس أصدرت لجنة الرهبنة وشؤون الأديرة بالمجمع المقدس برئاسة البابا تواضروس الثانى وبحضور الأنبا دانيال السكرتير العام للمجمع المقدس وأيضا 19 من الأباء المطارنة والأساقفة رؤساء الأديرة وأعضاء اللجنة عدة قرارات تتعلق ب( انضباط الحياة الرهبنية والديرية) فى ضوء الجريمة وتم إصدار 12 قرار..سيكون لها ما بعدها.. ولن تصبح الأحوال فى كنيسة مرقس الرسول كما كانت من قبل. أولها وقف رهبنة أو قبول أخوة جدد فى جميع الأديرة القبطية الأرثوذكسية داخل مصر لمدة عام /الأماكن التى لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والإعلان عن ذلك مع عدم السماح بأى أديرة جديدة/تحديد عدد الرهبان فى كل دير بحسب ظروفه وإمكانياته وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية وتجويد العمل الرهبانى /إيقاف سيامة الرهبان فى الدرجات الكهنوتية (القسيسية والقمصية )لمدة ثلاث سنوات /الالتزام بعدم حضور علمانيين_من غير رجال الدين_ على الإطلاق فى الرسامات الرهبانية لحفظ الوقار والأصول الرهبانية الأصيلة /تستقبل الأديرة الزيارات والرحلات طوال العام باستثناء فترة صوم الميلاد والصوم الكبير فتكون أيام(الجمعة والسبت والأحد )فقط /الاهتمام والتدقيق بحياة الراهب وإلتزامه الرهبانى داخل الدير واهتمامه بأبديته التى خرج من أجلها ودون الحياد عنها /كل راهب يأتى بالأفعال التالية يعرض نفسه للمساءلة والتجريد من الرهبنة والكهنوت وإعلان ذلك رسمياً :1_الظهور الإعلامي2_التورط فى أى تعاملات مالية أو مشروعات لم يكلفه بها ديره 3_التواجد خارج الدير بدون مبرر والخروج والزيارات بدون إذن مسبق من رئيس الدير/لا يجوز حضورالأكاليل والجنازات للرهبان إلا بتكليف وإذن رئيس الديربحد أقصى راهبين/إعطاء الرهبان فرصة لمدة شهر لغلق أى صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعى(غبطة البابا تاوضروس الثانى أغلق صفحته)/مناشدة جموع الأقباط بعدم الدخول فى أى معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات وعدم تقديم أى تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم/تفعيل دليل الرهبنة وإدارة الحياة الديرية الذى صدر من المجمع المقدس فى يونيو 2013 .. وقد صدق غبطةالبابا على هذه القرارات باعتباره الرئيس الأعلى للأديرة القبطية الأرثوذكسية. الموقف صعب وأليم وهى المرة الأولى التى يقتل فيها قيادة كنسية كبيرة داخل الدير وبين أسواره وهو ما دفع غبطة البابا لرفع الموضوع برمته إلى الدولة .. وحسنا فعل غبطته .