عمرو عبد الهادي: تطلعات النخبة المدنية للسلطة جعلتها تدوس على الديمقراطية وترتكب حماقات وازدواجية المعايير والسلوك. بدر شافعي: أبرز تناقضات الرموز المدنية قبولهم الوصول للسلطة بغير الآليات الديمقراطية وسكوتهم على الانتهاكات الواسعة. أحمد خلف: بعد فشل النخبة المدنية في جميع الاستحقاقات الانتخابية قررت الوصول للسلطة بغير الآليات الديمقراطية السلمية. رصد خبراء تناقضات النخبة المدنية وأبرز رموزها قبل وبعد وصولها للسلطة، مؤكدين ما تعانيه من ازدواجية التفكير والمعايير والسلوك، فهي ابتداء جاءت للسلطة بطريقة تتناقض تماما مع ما كانوا يدعون إليه، فبعد فشلهم في جميع الاستحقاقات الانتخابية قبلوا بالمجيء للسلطة بغير الآليات الديمقراطية التي طالما تشدقوا بها، وشهدت العديد من الملفات في حكمهم تدهورا كبيرا، تلك المتعلقة بفرض ومد حالة الطوارئ والاعتقالات وبالحقوق والحريات العامة لشرائح واسعة، حيث شهدت انتهاكات خطيرة وهم بالسلطة، سواء للمواطنين والعمال والطلاب، دون أن يحرك أحدهم ساكنا، ولم يعترضوا على انتهاكات السياسات القمعية للسلطة، بل إنهم يقومون بتبريرها سواء هم أو منظمات حقوق الإنسان المتبنية نفس الشعارات البراقة. من جانبه يرى عمرو عبد الهادي - عضو جبهة الضمير - أن النخبة المدنية ليست كتلة واحدة، ففيها أقلية لازالت ملتزمة بالديمقراطية وتؤمن بها، خاصة شريحة من الشباب داخلها، وهذه المجموعة تؤمن بالآليات الديمقراطية وما تسفر عنه من نتائج أيا كانت وأيا كان التيار الذي تأتي به للحكم ما دام جاء بالصندوق، ولكن أغلبية النخبة المدنية تطلعاتها للسلطة جعلتها تدوس على الديمقراطية وترتكب حماقات وتعاني ازدواجية في التفكير والمعايير والتصرفات وهذا هو سلوك أغلبها. ودلل "عبد الهادي" في حديثه ل"الحرية والعدالة" بأن عددا من المرشحين الخاسرين بالانتخابات الرئاسية الذين كانوا جزءا من التيار المدني وقيمه طيلة الوقت نجدهم بعد الانقلاب يقبل أحدهم طواعية بأن يدعم الفريق السيسي، وبعضهم يدعم مجيئه بتفويض شعبي وبدون انتخابات، والآخر تنحى صامتا. واستشهد "عبد الهادي" بموقف محمد سلماوي المتحدث باسم لجنة تعديل الدستور الخمسينية من القضاء العسكري حيث قال سلماوي إن مثله مثل القضاء العادي، أما حكومة الببلاوي فتتجه للأسوأ بجميع المجالات، وشهدت فيها الحريات عموما وخاصة حريات العمال والطلاب تراجعا كبيرا، بينما هذه الرموز المدنية نفسها اعترضت بشدة على حالة الطوارئ ببورسعيد ومدن القناة التي كان بها انفلات أمني كبير، بينما هؤلاء أنفسهم هللوا لمد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، ليس هذا فحسب، فهناك تناقضات كثيرة يفعلونها بأنفسهم ليكشفوا بأيديهم حقيقتهم للشعب المصري. واعتبر "عبد الهادي" أن ملف العمال هو أكثر الملفات التي تكشف تناقض دعاة المدنية وحريات العمال وحقوقهم التي طالما رفعوها بعهد الرئيس مرسي ويتغاضون الآن عن قمعها والتضييق عليها، بعد أن كان العمال يتمتعون بحق الاعتصام حتى بمكتب الوزير نفسه الآن يتم تكميم أفواههم وقمعهم عند المطالبة بأبسط حقوقهم المشروعة ونموذج ذلك ما حدث من قمع للعمال بمدينة المحلة والسويس.ولم نسمع تحركا من وزير العمال القيادي العمالي الذي وعد بتطبيق الحد الأدنى للأجور خلال أيام ثم أرجأته حكومته لشهر يناير؟؟ كذلك طالما تحدث رموز التيار المدني بحكومة الانقلاب عن حقوق الطلاب وحرياتهم بينما نجد اتجاها لحرمان الطلاب من العمل السياسي بالجامعات وتقييدهم والعودة بهم لما قبل حكم مرسي أي لعهد المخلوع. من جانبه يرى د.بدر شافعي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه طبعا من الواضح أن هناك تناقضات في المواقف للرموز المدنية بعد وصولها للسلطة بداية من رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب الذي قدم استقالته من قبل عندما كان نائبا لرئيس الوزراء في عهد حكومة شرف على خلفية أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها عشرات الأقباط، في حين لم يحرك ساكنا لاستشهاد الآلاف في عمليات الحرس الجمهوري، رمسيس، المنصة، رابعة، النهضة وغيرها، بل وجدناه يبرر استخدام القوة لفض الاعتصامات على غرار ما فعلته القوات الأمريكية في فيتنام ابان الحرب العالمية الثانية. وتابع "شافعي" في حديثه ل"الحرية والعدالة" وبالتالي ليس بمستغرب حدوث تراجع في التصريحات، وتناقضات في المواقف، فقد تراجع منذ فترة عن تطبيق الحد الأدنى للأجور الذي وعد به لعدم توافر الموارد المالية، لكن حكومته عدلت عن ذلك مؤخرا خشية ازدياد حالة السخط الشعبي عليها. وقال "شافعي" ومن هنا يمكن القول بأن الذي يحكم هؤلاء ليس المبادئ بقدر المصالح والمواقف الشخصية، ووقت الجد يتنصل كل وزير من المسئولية، وربما هذا يفسر أسباب تنصل وتراجع كل من وزيري العدل والتعليم العالي عن إصدار الضبطية القضائية، ذلك ليس اعتراضا على مبدأ تقييد الحريات التي تعتبر أكبر مكتسبات ثورة يناير، ولكن بسبب تخوفهم من غضب الطلاب داخل الجامعات وإذا كانوا هؤلاء فعلا لا يعلمون شيئا فالأجدر بهم الاستقالة وعدم الاستمرار في مناصبهم لأن هذا تجاوزا لهم. وأضاف "شافعي" نفس الأمر ينطبق على دعاة الليبرالية التي تعني الديمقراطية والحرية السياسية، وكذلك الحال بالنسبة لدعاة المدنية التي هي النقيض للعسكرية، فنجد هؤلاء يقبلون بالمجيء كوزراء ليس عبر صناديق الانتخابات الديمقراطية، ولكن عبر انقلاب عسكري، لأن هؤلاء لو كان لديهم ثقل شعبي كبير لوافقوا على اقتراح الرئيس مرسي بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، من شأن الفائز فيها تشكيل الحكومة ومشاركة الرئيس في القرارات، لكن هؤلاء ليس لهم ثقل شعبي كبير. ودلل "شافعي" بإمكان معرفة ذلك بالعودة الى نتائج الانتخابات البرلمانية في 2011، حيث لم يحصل مثلا الناصريون والقوميون على أكثر من 5%، بل ان حزب كالكرامة كان ضمن تحالف الاخوان، أما حزب كالدستور فلم يشارك اصلا في أية استحقاقات انتخابية،فيما لم يحقق الوفد نسبة 5% المعتادة، وهكذا وبالتالي ليس بمستبعد على هؤلاء أن يتحالفوا مع العسكر او الفلول على حساب المبادئ الديمقراطية على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة. ورصد "شافعي"أيضا نفس التناقض الذي نجده في منظمات حقوق الانسان التي يسيطر عليها اليساريون والقوميون الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من أجل حمادة المسحول، في حين خرست ألسنتهم أمام الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الآن.لذلك سيفقد هؤلاء وهؤلاء مصداقيتهم أمام الشعب الذي ستتكشف له الأمور عما قريب، ويعلم أنه وقع أمام حالة خداع كبير. من جانبه يرى أحمد خلف - باحث بمركز الحضارة للدراسات السياسية -إنه لأمر مؤسف أن يجد المرء نفسه أمام شخصيات تعلم منها عددا من القيم والمبادئ العليا التى تتعلق بالحرية والكرامة والديمقراطية وحقوق الفقراء ونصرة الضعفاء ثم نجدهم يتخاذلون عن نصرة الأفكار التى كانوا يدعون لها. والسبب فى ذلك فى تقدير "خلف" في حديثه ل"الحرية والعدالة" يعود إلى أنهم تأثروا كثيرا بنظام الخمسينيات والستينيات وما جرى فيه من ترسيخ لأفكار وأيديولوجيات غربية وشرقية نشأت فى ظل ثقافة ونتاج تطورات تاريخية معينة فى تلك البيئات ولا تمت للواقع ولا الفكر ولا المزاج المصرى العربى الإسلامى بصلة، وفرضتها الدولة حينئذ بالقوة القاهرة والقوة الناعمة، وكان للتنظيم الطليعى وسائر أجهزة الاتحاد الاشتراكى دور مهم فى بناء نخبة جديدة تتشدق بقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، لكنها لا تتجرأ على انتقاد الدولة البوليسية والقمع الذى كان موجها أغلبه ضد الإسلاميين. ورصد "خلف" أنه وبسبب قمع مبارك حصل تقارب بين هذه النخبة والإسلاميين فى مسائل الحقوق والحريات وصل ذروته فى ثورة 25 يناير، لكنهم فوجئوا فى الاستحقاقات الانتخابية المتتالية منذ الثورة بداية باستفتاء مارس وانتهاء بدستور 2012 مرورا بانتخابات الشعب والشورى والرئاسة أنهم غير قادرين على حصد ثقة الناخبين التى توجهت للإسلاميين، وبدت الأمور تتجه إلى التكرار فى الانتخابات التشريعية التى كان مزمعا إجراؤها عقب انتهاء المحكمة الدستورية من الموافقة على قانونى الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية، فطوعت لهم أنفسهم بعد إغواء العسكر لهم أن لا أمل فى الوصول إلى السلطة إلا بالتحالف مع العسكر والوصول إلى السلطة بغير الطرق والآليات الديمقراطية وقواعد التداول السلمي للسلطة. وأكد "خلف" أن هذه فى الحقيقة ورطة كبيرة؛ لأنهم حين قبلوا بمبدأ تدخل العسكر فى الحياة السياسية واكتشفوا أنهم لا يملكون مسوغ الاعتراض على الجرائم التى ترتكب بحق المواطنين من قبل القوات الأمنية وقياداتهم؛ لأنهم رضوا بتدخلهم بل شجعوهم على هذا التدخل.فتوالت التنازلات عن حقوق المواطنين والعمال والطلبة وحرياتهم، ولم ينتفضوا كما كانوا من قبل ينتفضون ضد أدنى تجاوز حتى ولو متوهم ودون أدلة تجاه أصغر طالب أو عامل أو أى مواطن ولو ارتكب هو تجاوزا تجاه غيره من المواطنين أو السلطات. وتابع:"خلف" حتى وصل الأمر إلى قيام العسكر بالترويج مثلا للضبطية القضائية لأمن الجامعات دون علم الوزير المختص الذى كان أحد أكبر دعاة الحرية والعدالة الاجتماعية قبل ثورة يناير وبعدها حتى فوجئنا به أحد رموز سلطة الانقلاب. وأرجع "خلف" سبب تناقضهم الرئيسى إلى تبنيهم أفكارا وأيديولوجيات تتصادم مع المرجعية الأساسية للشعب المصرى وهى المرجعية الإسلامية وكانت القيم التى ينادون بها من الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة مجرد زينة يزينون بها دعوتهم حتى إذا ما تبين لهم أن لا سبيل إلى الحكم والسلطة عبر الآليات الديمقراطية دهسوا تلك القيم تحت نعالهم غير مبالين بحقوق الشعب فى الاختيار ولا فى حقه بأن يُحْكَم مثل دول العالم المتقدم والمتحضر بواسطة ممثلين مدنيين عنه يختارهم بإرادته الحرة ويحاسبهم ويغيرهم كيف شاء دون خوف من بطش عسكرى ولا إرهاب متطرف. وخلص "خلف" إلى أنهم الآن يخوضون معركة وجود يشعرون فيها أنهم إن لم ينتصروا فلن تقوم لهم ولا لما يتبنون من أفكار قائمة فيما بعد، وهذا سر إصرارهم على البقاء وعدم الاعتراض أو الاستقالة احتجاجا على التجاوزات بل الجرائم التى ترتكب ليل نهار وأمام أعين الجميع.