انطلقت أعمال مؤتمر “وارسو” العاصمة البولندية اليوم الأربعاء 13 فبراير2019م والذي يستمر ليومين برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية، بمشاركة 60 دولة حسب تصريحات وزير الخارجية البولندي جاسيك كزبوفيتش، منها 10 دول بالشرق الأوسط هي: السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وعُمان، إضافة إلى (إسرائيل)، كما يشارك دول الكتة الأوروبية. ويكتسب المؤتمر أهميته من رعاية واشنطن له حيث يشارك نائب الرئيس الأميركي مايك بينس وفريق إدارة الرئيس ترامب المشرف على عملية سلام الشرق الأوسط وما يُطلق علية “صفقة القرن”. وقبل انطلاق المؤتمر، اليوم وغدًا، تحت عنوان “مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط”، تلقّت الجهود الأميركية لحشد موقف دولي ضد إيران ضربات قوية، مع تأكيد حضور عدد محدود من الشخصيات البارزة، وتخفيض مستوى التمثيل من معظم الدول، إضافة إلى مقاطعة أخرى، وهو ما دفع الولاياتالمتحدة وبولندا لتخفيف جدول الأعمال.وعبّرت روسيا والمفوضية الأوروبية وفلسطين عن عدم مشاركتها. يناقش المؤتمر عدة قضايارئيسية تتعلق بالمنطقة منها الملفين السوري واليمني، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إضافة إلى المشاكل الإنسانية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والإرهاب، وأمن الطاقة والتهديدات السيبرانية. ويعقد المؤتمر في بولندا لعدة أسباب، أولا لأن بها حكومة شعبوية متطرفة يتشابه خطابها مع خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتسعى من خلال استضافة هذا المؤتمر إلى التقارب مع واشنطن حتى تكتسب دورا بارزا على الساحة العالمية والدولية، كما أنها تتمتع حاليا بعضوية غير دائمة في مجلس الأمن لعامي 2018 و2019، وتأمل في أن يضعها استضافة مثل هذا التجمع مكانة عالمية مرموقة. كما تأمل الحكومة البولندية من هذا المؤتمر أن يسهم في تقاربها مع الدولة العربية الحليفة مع إسرائيل مثل السعودية والإمارات ما يمكن أن يسهم في زيادة معدلات الاستثمار بها. حماس سعودي إماراتي صهيوني وباتت مشاركة معظم الدول منطلقة من الضغوط الأميركية، باستثناء ثلاثة أطراف يبدون متحمسين للمؤتمر إضافة لأميركا، هي الإمارات والسعودية وإسرائيل التي يسعى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لعقد سلسلة لقاءات تشمل مسؤولين عرباً في وارسو، وذلك مع تصاعد حديث الإعلام الإسرائيلي، وآخره تقرير للقناة الإسرائيلية ال13 الإثنين، عن عمق العلاقة بين إسرائيل والإمارات. وعدا عن هذا الثلاثي، فإن المشاركة الدولية ستكون مجرد إرضاء لأميركا، ومحاولة تفادي استفزازها حتى من دون وجود رغبة دولية في السير بتوجه واشنطن مواجهة طهران مثلما تقترح أميركا. ولتفسير الحماس المفرط من جانب الرياض وأبو ظبي فإن ثمة عوامل تفسر ذلك: الأول أن الرياض اختارات أن تتجاهل تجاوزات ترامب المسيئة للسعودية، وشجعها خطابه المعادي للاتفاق النووي مع إيران وإقدامه على الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات قاسية على إيران. الثاني: مواجهة قانون جاستا -ومعناه العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي- والذي أقره الكونغرس بما يشبه الإجماع قبل نهاية عام 2016. وفُصل هذا القانون كي يتم من خلاله توجيه الاتهام للمملكة السعودية وأعضاء أسرتها الحاكمة بالضلوع بصور مباشرة وغير مباشرة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. الثالث: يتقاطع حماس الرياض مع رغبة الرئيس ترامب في إظهار أهمية ومكانة السعودية الجيوستراتيجية، وهو ما دفعه لعدم اتخاذ موقف متشدد من مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي. أمام هذا الواقع، بدا أن واشنطن تسعى لتوجيه المؤتمر نحو ملف آخر، هو الترويج لخطتها التي تعدها حول الملف الفلسطيني، والمعروفة ب”صفقة القرن”، خصوصاً أن مستشار الرئيس الأميركي، صهره جاريد كوشنر، والذي يُعتبر من أبرز العاملين على الصفقة، سيحضر مؤتمر وارسو، ويلقي كلمة خلاله، مع العلم أن قناة “فوكس نيوز” الأميركية كان قد كشفت أخيراً أن الصفقة انتهت وأن كوشنر سيستغل مشاركته في المؤتمر للترويج لها مع المسؤولين الحاضرين، فيما كانت القيادة الفلسطينية رفضت المشاركة. “الناتو العربي” وحول الأهداف المستترة من دعوة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى مؤتمر وارسو ل«الحد من الخطر الإيراني»، خاصة بعد تغيير الهدف المعلن إلى «بحث السلام في الشرق الأوسط»؛ بسبب التحفظات الأوروبية. حيث يرى محللون أن الولاياتالمتحدة تهدف إلى تحقيق عدة مكاسب من المؤتمر، أولها الضغط على إيران وحصارها، وإشراك إسرائيل في أعمال المؤتمر لفرض الكيان الصهيوني كلاعب رئيس على الساحة في مواجهة النفوذ الإيراني. ويرى بشير عبدالفتاح، الخبير في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه من السابق لأوانه الحديث عن نتائج المؤتمر في ظل الالتباس المحيط به، معربا عن تخوفه من تمرير أجندة أمريكية لخدمة إسرائيل على حساب العرب. ويبقى الهدف الرئيس من المؤتمر هو تأسيس تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي”، أو اختصارا بكلمة “ميسا” (MESA)، ويطلق عليه رمزيا “الناتو العربي” وذلك بالضغط على الدول العربية من أجل المساهمة في هذا التحالف وتمويله. وترغب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تأسيس التحالف الذي يضم -إضافة إلى بلاده- ثماني دول عربية، هي دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن، وذلك لمواجهة إيران والعمل على استقرار الإقليم بحسب مزاعم الإدارة الأمريكية. وتسعى واشنطن كذلك الترويج “لمستقبل يعمه السلام والأمن في الشرق الأوسط”، كما ذكر بيان للبيت الأبيض. وبحسب مراقبين فإن ثمة معوقات تقف أمام هذا التحالف الصهيوني العربي المرتقب، وتدور هذه العقبات حول عدم اتفاق دول التحالف على تحديد مصادر التهديد الذي يواجهها؛ فبينما ترى السعودية والإمارات والبحرين أن إيران خطر كبير يجب مواجهته بكل السبل، لا تؤمن بقية دول التحالف بأن إيران هي الخطر الأول عليها. بينما قطر والكويت وعُمان تجمعهم علاقات جيدة بالنظام الإيراني، أما مصر والأردن فيشتركان في عدم الإيمان بالعداء الإيراني ويساعدهما على ذلك البعد الجغرافي من إيران، وهما تهتمان أكثر بإسرائيل وملابسات القضية الفلسطينية. إلا أن مصر والأردن -في الوقت ذاته- تعتمدان بصورة كبيرة على مساعدات مالية وعسكرية واسعة من دول الخليج ومن الولاياتالمتحدة، وهو ما يعقد موقفهما. كذلك يعيق تشكيل هذا التحالف المشبوه استمرار الأزمة الخليجية وكذلك تبعات أزمة مقتل الصحفي السعودي في قنصلية بلاده بإسطنبول جمال خاشقجي. في الوقت الذي تربط فيه تقارير وأوساط إعلامية أهداف هذا المؤتمر وذلك التحالف بملف التطبيع الخليجي مع إسرائيل، إذ تعتقد إدارة ترامب أن من شأن آلية التحالف أن تقرّب بين إسرائيل والدول الخليجية، لما يجمعها من هدف رئيسي يتمثل في مواجهة إيران. وتزامناً مع انعقاد المؤتمر، يسافر الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى روسيا، التي رفضت حضور اجتماع وارسو، حيث سيلتقي في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لمناقشة الوضع في سورية. على الرغم من ذلك، فإن إدارة دونالد ترامب لا تزال تصعّد ضد طهران، ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون “يضع حجر الأساس للحرب (على إيران)”، بحسب اتهامه من قِبل السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، الذي نفى أمس قول بولتون إن “إيران تسعى للحصول على أسلحة نووية”، مضيفاً “المخابرات تقول العكس وهو يعرف ذلك.