“الديمقراطية الكاملة ليست الحل الآن فى بلاد العرب.. الخروج من النفق يتم عبر سيناريو المستبد العادل أو الملكية الدستورية”، هكذا تفتق ذهن الكاتب الصحفي الأمنجي خالد صلاح، رئيس تحرير صحيفة “اليوم السابع”، إحدى مطبوعات المخابرات الحربية، عن هذه الصيغة التي تتماشى مع رغبات السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والذي يستعد لإعلان نفسه حاكمًا للأبد على مصر، ولأولاده من بعده إلى وقت خروج المهدي المنتظر أو إلى يوم يبعثون. اقتبس صلاح، الشهير في أروقة جهاز أمن الدولة باسم “أبو لمونة”، تلك الصيغة من قول منسوب إلى السيد المسيح، عليه السلام، وخلاصة ما هو منسوب “الطاعة للسلطةِ الحاكمة حتى ولو كان الحاكم طاغية مستبدًا وقاتلًا مثل القيصر الروماني وقتها”، وتجاهل أبو لمونة أن الحكومة الاستبدادية التي يدعو إليها هي تلك الحكومة التي لا يخضع فيها الطاغية إلى القانون، ويكون لإرادته قوة القانون إن لم تكن القانون ذاته!. “الموناركية” ببساطة يريد أبو لمونة من المصريين الاستسلام التام لرغبات العسكر ونزوات حاشيتهم، بل أكثر من ذلك الخضوع للقوى التي يخضع لها العسكر، وهى الأنظمة الأوروبية وأمريكا وتل أبيب وعصابة الخليج، الذين باركوا ودعموا الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، ومن ثم يكون الطاغية السفيه السيسي مطلق التصرف وغير مقيد، وبالتالي تكون قضايا حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في أسوأ حالاتها، ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من الطغاة أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر، والعقيد المقتول معمر القذافي، ومن قبلهم الحكومات الإنجليزية قبل ثورة عام 1688، والحكومات الفرنسية لفترة ما قبل ثورة عام 1789. ينادي “أبو لمونة” بالحكومة الفردية “الموناركية”، والتي يتولى فيها السلطة جنرال جاء بالانقلاب ومنح نفسه تفويضا بالقتل، فردا واحدًا لا شريك له من الشعب، يحكم ويأمر دون الاستناد إلى الشعب الذي يحكمه، وإسناد السلطة في ظل هذا الجنرال لأبنائه الجنرالات من بعده من خلال الوراثة ويتحول الحكم إلى ملك. ويضعنا “أبو لمونة” ومن أوحى له بهذه الفكرة من الجنرالات الجالسين على مكاتبهم المكيفة في العاصمة الجديدة، أمام الحكومة الفردية الاستبدادية أو الحكومة الديكتاتورية، وفي ظل الحكومات الاستبدادية يستبد فيها الجنرال الحاكم الذي يسعى إلى تعديل دستور تم وضعه بعد الانقلاب، ولا يسمح لأي جهة أن تشاركه فيه، كما أنه لا يخضع لأحكام القانون الذي يصيغه أيضا ترزية برلمان تم اختيار نوابه بعناية عن طريق التقارير الأمنية والمخابراتية وجميعهم خدم في بلاط الجنرال، ومن ثم لا مجال لتمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم على الصعيد الواقعي. الديمقراطية الكاملة في نظر أبو لمونة ونظر الجنرال الذي صاغ له تلك الفكرة وأمره بنشرها في مقال داخل صحيفته، لا تعني إلا الوجه الحقيقي للحكومة الديكتاتورية، حيث يستمد السفيه السيسي سلطته في ظل هذه الحكومات، وغالبا ما يكون عن طريق القوة، وغير مستندة إلى إرادة الشعب، ومن ثم الانفراد بالسلطة، وهو غير خاضع للرقابة ولا للمسئولية أمام برلمان مخابراتي، كما أنه لا يسمح للمعارضة بالعمل السياسي، ولا يعتد باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ويكون مصير هذه الحكومات مرتبطا بمصير الجنرال. مقال “أبو لمونة” لا يعبر عن نفسه حتى لا يطوله الظلم، ف”أبو صلاح” قلمه مؤجر للأمن في جمهورية العسكر، وهو لا يكتب إلا ما يملى عليه فقط، في حين يترك له أن يضع “التاتش” الصحفي والبهارات والمهارات البلاغية والتلاعب والمراوغة في العبارات والمترادفات، لكنه ومع ذلك نسي أن يفسر لنا التناقض بين التعامل الإنساني مع تظاهرات في ظل حكومة ديمقراطية في فرنسا، ترى أن للمواطن حق التظاهر والغضب ضد ممارسات أو سياسيات حكومية، وبين ما جرى في تظاهرات مصر أو السودان. هل يفسر “أبو لمونة” لماذا لم تطلق الشرطة الفرنسية الرصاص الحي على المتظاهرين كما حدث في الخرطوم والقاهرة، أو تقصفهم بالسلاح الكيماوي كما في سوريا، أو تقتلهم تحت التعذيب كما في المناطق التي يسيطر عليها حفتر في ليبيا، أو في سجون الإمارات المنتشرة في اليمن، أو تنشرهم حتى بالمنشار كما في القنصلية السعودية باسطنبول في تركيا، ولماذا لم تصفهم الحكومة الفرنسية بالخونة الذين تحركهم الأيادي الخارجية، كما هو الحال في الإعلام العربي من المحيط للخليج؟ ولماذا لم يطبل المثقفون عندهم ورجال الدين لماكرون، كما يطبل أبو لمونة وأمثاله للسفيه السيسي؟. جنرال قامع وشعب خانع يتزامن مقال “أبو لمونة” مع ما جرى بالأمس في محكمة عابدين، ومحاولة تمرير التعديلات الدستورية التي يرغب فيها الجنرال المستبد الظالم الذي يطبل له خالد صلاح، يريد الجنرال وأقلامه وإعلامه أن يطفئوا نور ثورة يناير، يريدون أن ينزعوا من الشعب حقه في السيادة وأنه مصدر السلطة، يريدون ببساطة ألا يباشر الشعب بنفسه شئون الحكم، أو يباشر السلطة من خلال ممثليه أو نوابه في البرلمان، الذي يقوم بانتخابهم في تطبيقات الديمقراطية النيابية. لا يريد الجنرالات الذين يقفون خلف قلم “أبو لمونة” للشعب المصري أن يباشر السلطة بالاشتراك مع ممثليه في البرلمان، من خلال احتفاظه ببعض الحقوق كحقه في اقتراح قانون، أو الاعتراض عليه، وحقه في إقالة النائب أو حل البرلمان، أو عزل رئيس الدولة، إضافة إلى تأثيره على الحكام من خلال تطبيقات الاستفتاء الشعبي، يريدون حكما ديكتاتوريا ينتهك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فضلا عن الحقوق الجماعية المقررة للشعوب في إطار المواثيق الدولية. يريدون تركيز السلطة في يد الجنرال السفيه السيسي ومن بعده لأولاده الجنرالات وربما أحفاده وأحفاد أحفاده، لا يريدون أن يتحملوا أي مسئولية عن إجرامهم ودمويتهم ولصوصيتهم أمام الشعب، ولا تخضع رغباتهم ونزواتهم إلى أية رقابة سياسية أو برلمانية أو قضائية إن وجدت. يطبل “أبو لمونة” لعهد مظلم دموي يقوده ديكتاتور تتركز في يده وسائل القوة والإكراه والعنف تجاه الشعب، تأتي معه حكومة ديكتاتورية يقودها الجنرالات والبشوات الجدد، حكومة شمولية توليتارية، تمتد سلطتها إلى كافة جوانب حياة أفراد المجتمع، تلغي الحياة الحزبية وتؤسس حزبا واحدا يسندها في ممارسة السلطة وكسب الخضوع الشعبي لها ولو بالقمع، فهل يوافق المصريون على هكذا حياة يقترحها أبو لمونة لهم ولأبنائهم والأجيال التعيسة القادمة؟.