لقد جاوز الشياطين المدى تجاه شباب وشعوب مسلمة أرادت الحياة والإنعتاق من منظومة عسكرية وبعثية ويسارية مجرمة، فقامت دول الخليج العربي في التصدي لأشواق الحرية عند الشعوب الثائرة، وذلك بمساعدة الطغاة بكل الطرق غير المشروعة، ففي مصر مولت السعودية والإمارات حملة السفيه السيسي لقتل ونهب المصريين بطريقة بشعة، وفي ليبيا قام خليفة حفتر بقتل الليبيين بوحشية، بدعم مباشر من محمد بن زايد والملك الراحل عبد الله آل سعود وطائرات السفيه السيسي في مصر المنكوبة. وكعادة شياطين الإنس لا يهدأ العسكر دون إتمام مؤامراتهم ومجازرهم، وعلى ألحان تلك القاعدة الإجرامية وصل إلى أحضان السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، رئيس الأركان التابع للقيادة العامة لما يسمى ب"لجيش الوطني الليبى"، الفريق عبد الرازق الناظورى، أحد أذرع جنرال الانقلاب خليفة حفتر. وتحت لافتة لا تخدع رضيع يلتقط ثدي أمه، يقوم السفيه السيسي برعاية اجتماعات المؤامرة والخيانة، والتي يطلق عليها زوراً "مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية"، التي تتم برعاية المخابرات الحربية بعد سحب الملف من وزارة الخارجية في حكومة الانقلاب، بعدما صار الجيش يسير كل كبيرة وصغيرة في مصر. حفتر يرفض! وسبق أن رفض حفتر فكرة إجراء الانتخابات في ليبيا، وأبلغ السفيه السيسي بذلك، ويعود هذا الرفض إلى أنه إذا خاض الانتخابات على منصب الرئيس لن يفوز، وأصوات المعسكر الشرقي لن تضمن له النجاح، ولذلك يرغب في التدخل العسكري والسيطرة على العاصمة. الحديث عن حل الأزمة التي صنعها الانقلاب في ليبيا، هذا ما لن تقبله إمارات محمد بن زايد ولا تريد أن ترى للإخوان المسلمين إلا السحق والقمع والسجون وأعواد المشانق، كما هو الحال في مصر مع عسكر السيسي وفي ليبيا مع عسكر حفتر وفي سوريا مع نظام الأسد. وتعمد السفيه السيسي أن يحشد مؤيدي انقلاب حفتر في القاهرة، على غرار الحشد الذي تم في ميدان التحرير يوم 30 يونيو 2013، لكي يتم خداع العالم أنهم ممثلون حقيقيون عن الشعب الليبي، ولأمر آخر بالطبع ليتسلموا رواتبهم وثمن خيانتهم بمليارات الدولارات المحولة من الإمارات إلى البنوك المصرية، ولن ينسى السفيه السيسي بالطبع خصم عمولته. وضم اجتماع المؤامرة والخيانة إضافة إلى السفيه السيسي ومدير المخابرات الحربية والعامة، عمداء بلديات وعدد من الشيوخ والأعيان والحكماء والوجهاء بالمنطقة التي تحتلها قوات الانقلابي اللواء خليفة حفتر، وجدد المتآمرون العسكريون التأكيد على مبايعة حفتر لإتمام الانقلاب على الثورة في ليبيا، ودارت مناقشاتهم التفصيلية حول توحيد أذرع الانقلاب لحسم المعركة مع الثوار الليبيين. سكرتير الإمارات ويحتار المراقبون في الأسباب الحقيقية "مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية"، الذي يرعاه السفيه السيسي نيابة عن أبو ظبي، التي تقوم بالتدخل في كافّة شؤون العالم العربيّ بل وحتى شؤون الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا عموما، بهذه الأساليب الفظّة التي لا تني ترتدّ على شعبها بشكل أو بآخر. فالسفيه السيسي هو في حقيقة الأمر سكرتير لدى الإمارات، وبات السؤال ما الذي دفع حاكم الإمارات في الخوض بدماء المسلمين، وإدخال بلاده في مخاض الصراعات السياسية الخليجية والعربية، وتوريط قوّاته في اليمن وليبيا، وتمويل حركات الاستبداد العسكرية العنيفة، ومحاولة الانقلاب على أي شكل من أشكال الديمقراطية والحراك المدني في العالم العربي؟ آخر أشكال هذه التدخّلات ظهر عبر صحيفة "اليوم السابع" المقربة من المخابرات الحربية، مع إعلان عارف النايض، سفير ليبيا السابق في الإمارات، نيّته الترشّح لانتخابات الرئاسة الليبية، واضعاً، بشكل واضح، أوراقه السياسية على الطاولة، وذلك بالترحيب بتدخّل السفيه السيسي في بلاده، وبالإشادة بالجنرال خليفة حفتر، وبالهجوم على الإخوان المسلمين زاعماً أن أفكارهم هي التي أسست للفكر الداعشي، غير أنه سها على ما يبدو، عن إعلان كلمة السر وراء ترشيحه: "الإمارات". تزكية بالرصاص وتكشف زيارة الفريق عبد الرازق الناظورى، أحد أذرع جنرال الانقلاب خليفة حفتر للقاهرة، محاولة حفتر البقاء في المشهد ورغبته في أن يكون رئيساً لليبيا على غرار السفيه السيسي، فيما تفحص الإمارات التي لها الكلمة الفصل في السيرة الرسمية المنشورة للنايض، أهمها عضوية لجنة أكاديمية استشارية بمؤسسة إماراتية، ومالية عبر إدارته شركة لتكنولوجيا المعلومات تضم مكاتب في ليبيا والإمارات، كما أن تأميم أملاك والده يفسّر، حسب ما هو منشور، دعمه لثورة فبراير الليبية، لكنه يفسّر أيضاً اختياره هذا الدعم عبر تواصله مع السلطات الإماراتية، التي قامت باعتماده وسيطاً رئيسياً لها في الشأن الليبي، وسفيرا لبلاده فيها، أما استقالته اللاحقة فكانت، على ما يبدو، للوصول إلى هذا الإعلان الأخير عن ترشحه للرئاسة. تسجّل تعليقات السياسيين والناشطين الليبيين الساخرة نقاطاً مفيدة للتعاطي مع موضوع علاقة أبو ظبي بليبيا، فعضو المؤتمر الوطني السابق، عبد الرحمن الشاطر، يقول إن الإمارات تسيطر على 70 % من الإعلام الموجه لبلاده، وطائراتها تقصف المدن الليبية، فيما يخلص ناشط للقول: "المفروض أن نسجل ليبيا باسم الإمارات ونرتاح!". تقديم النايض أوراق اعتماده للسفيه السيسي، وإبدائه الودّ تجاه خليفة حفتر، لا يعني أن الطريق صار معبّداً أمامه نحو رئاسة ليبيا، ولا نتحدث هنا عن الأطراف السياسية الخارجة عن إطار سيطرة مصر والإمارات، بل كذلك عن الجنرال حفتر نفسه، فمن غير المتوقع لهذا الجنرال المنفلت من عقاله، والطامح لرئاسة ليبيا بنفسه، أن يترك شخصاً آخر ينافسه على ما يعتبر أنه حقه الذي حازه بالقتل والمجازر والرصاص.. مثل السيسي!