“السيسي قاتل مثل ابن سلمان ومصر كلها قنصلية”، ذلك أمر بات مفروغا منه ورغم ذلك بُحت أصوات منظمات حقوقية دولية مطالبة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بإثارة قضية انتهاكات حقوق الإنسان في مصر مع السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي خلال زياراته المتكررة إلى برلين، لكن الجدة ميركل التي تبدو على ملامحها الطيبة الأوروبية لا تكترث للمصريين إن سجنهم السفيه السيسي، أو حتى علقهم على أعواد المشانق. وإلى جانب موضوع الهجرة غير الشرعية، الذي وجدت ميركل له حلا بتعيين السفيه السيسي شرطي حراسة، تشكل مصر بالنسبة للشركات الألمانية سوقا تصريفية لمنتجاتها بالدرجة الأولى، حيث كانت ألمانيا ثاني أكثر الدول تصديرا لمصر بعد الصين، خاصة الآلات والسيارات والعقاقير، بينما تتراجع مسألة حقوق الإنسان، والقمع والقتل والإعدام والاختطاف القسري، بل والديمقراطية برمتها، لأن الجدة ميركل تعتبر أن الديمقراطية حكر فقط على الإنسان المسيحي الأبيض. المصالح تتصالح وشهدت العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وجنرالات الانقلاب نقلة نوعية بعد 30 يونيو 2013، حيث بلغ حجم التبادل التجاري 5 مليارات و567.3 مليون يورو، محققا زيادة قدرها 10% عن عام 2015، وتستغل ألمانيا موقع مصر المتميز كبوابة للقارة الإفريقية لنفاذ المنتجات والاستثمارات الألمانية إلى مختلف الأسواق الإفريقية. وأنهي السفيه السيسي زيارته إلى برلين بدعوة رسمية من الجدة ميركل، للمشاركة في أعمال القمة المصغرة للقادة الأفارقة، أعضاء المبادرة الألمانية للشراكة مع أفريقيا في إطار قمة مجموعة العشرين، وتأتي الزيارة وسط انتقادات دولية لسجل حقوق الإنسان في مصر، حيث استبقت منظمة العفو الدولية الزيارة بمناشدة ميركل الضغط على السفيه السيسي في ملف حقوق الإنسان. ورغم الانتقادات الحقوقية تشهد العلاقات الألمانية مع عصابة الانقلاب نموا ملحوظا بعد فترة من الجمود إثر انقلاب 3 يوليو 2013 الذي غدر بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب عقب ثورة يناير 2011، وهو ما يدفع للتساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء توطيد هذه العلاقات. وخلال أول زيارة للسفيه السيسي إلى ألمانيا في يونيو 2015 انتقدت الجدة ميركل على استحياء انتهاكات حقوق الإنسان، ومصادرة الحريات العامة، ورغم هذا توجت الزيارة بعقد ضخم وقعه السفيه السيسي قيمته تسعة مليارات دولار في مجال الطاقة، وثمانية مليارات يورو بالغاز الطبيعي وتوليد طاقة الرياح. وتكرر الأمر في مارس 2017 عندما زار السفيه السيسي ألمانيا للمشاركة بقمة مجموعة العشرين الخاصة بالشراكة مع أفريقيا، حيث خرجت انتقادات ألمانية للقمع في مصر، لكن ذلك لم يحل دون احتفال السفيه السيسي مع الجدة ميركل بافتتاح ثلاث محطات للكهرباء تشغلها سيمنز الألمانية في مصر بقرض قيمته ستة مليارات يورو، وتم الافتتاح عبر الفيديو كونفرانس. واعتبرت صحيفة (تاتس) الألمانية واسعة الانتشار أن الارتفاع القياسي بحجم صادرات الأسلحة الألمانية إلى مصر عام 2017، يظهر عدم مبالاة حكومة الجدة ميركل بحقوق الإنسان، ويربطها بانتهاكات مروعة اقترفها نظام السفيه السيسي بحق مواطنيه، وبمشاركته للسعودية والإمارات بدعم الثورة المضادة بالشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. مصر باتت قنصلية وفي مقاله بعنوان “محاباة القاهرة” قال ماركوس بيكيل إن إعادة انتخاب السفيه السيسي نجح بقمع كافة معارضيه بالقوة الباطشة، وهو ما يعني أن الحكومة الألمانية ستدعم مسار هذا القمع من خلال استمرار صادراتها العسكرية، وأوضح أن موافقة حكومة ميركل عام 2017 على تصدير أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 428 مليون يورو لمصر ،بزيادة تبلغ 7% عن مبيعات عام 2016، يعكس وصول هذه الصادرات لمستوى قياسي. واعتبر المقال أن الحكومة الألمانية أظهرت بهذه الصادرات أنها لم تتعلم إلا القليل من دروس الثورة ضد حسني مبارك، بدليل رهانها مجددا على السيسي الذي يبيع الوهم للعالم بتسويقه الجمود كاستقرار، وصمت القبور كاستراتيجية لمكافحة الإرهاب. من جانبه يرى “دوغ باندو”، المستشار الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، ومؤلف كتاب “حماقات الأجانب.. الامبراطورية العالمية الجديدة بأمريكا”، أن “السيسي تجاوز مبارك بتدميره المستقبل في مصر؛ ففي العام الماضي، طبَّق النظام المصري قانوناً يجرِّم المنظمات غير الحكومية التي تختص بشئون حقوق الإنسان”، وقال: “باتت مصر الدولة سجناً، بحسب تقرير لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان الصادر في سبتمبر من عام 2016؛ فمنذ لحظة الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، اعتقلت السلطات نحو 41 ألف شخص على الأقل”. وسحق السفيه السيسي، قبل خمس سنوات، اعتصاماً سلمياً في ميدان رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة، في مذبحة أسفرت عن مقتل أكثر من 5000 شخص، ومنذ ذلك الحين، فقد مكن القمع المتزايد السفيه السيسي من تعزيز حكمه مع الحفاظ على دعم مؤيديه الغربيين الرئيسيين، ممثلين في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، حيث كانت سياسة بريطانيا تجاه مصر في السنوات الخمس الماضية صادمة، لتؤكد أن لندن تغض الطرف هي الأخرى، وليس الجدة ميركل وحدها عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتفضل دعم الأنظمة القمعية التي تضمن مصالحها التجارية في الشرق الأوسط.