انتهت دراسة سياسية حديثة أعدها الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور خليل العناني، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، والذي عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثا في جامعة دورهام البريطانية، إلى أن القمع السلطوي ضد جماعة الإخوان المسلمين لا يزيدها إلا قوة وانتشارا. وتؤكد الدراسة أن القمع يساعد على تقوية الهوية الإخوانية؛ حيث يسجل الباحث في معرض استقرائه لمسار القمع والتضييق على جماعة الإخوان في مراحل متباينة عدم تأثر الهوية الداخلية للإخوان بهذا التحدي، بل على العكس من ذلك، يذهب الكاتب إلى أن مسار القمع والحصار ضد الجماعة، وصمودها في مواجهته، ساعدها في تقوية هويتها الداخلية، إذ دائما ما كان يصب مسار القمع والمضايقة في مصلحتها، وحققت من خلاله ثلاث أهداف رئيسة: اكتساب الدعم الشعبي، وتعزيز التماسك الداخلي، وتجنب مطالب التغيير الداخلية. ويرصد الباحث الأثر الذي أحدثه قمع نظام مبارك للإخوان، ويرى أن هذا القمع لم يساعد الحركة فقط في بقائها ومحافظتها على وجودها، ولكن ساعدها أيضا في تمددها وتماسكها الداخلي وتلافي الإنقسامات والانشقاقات الداخلية. الدراسة أو الكتاب الجديد الذي ترجمه عبد الرحمن عياش ومراجعة عومرية سلطاني يحمل عنوان “داخل “الإخوان المسلمين” الدين والهوية والسياسة”.. ربما يحمل في بعض أطروحاته نقضا لبعض أطروحات العناني التي نشرتها في كتابه الأول “الإخوان شيخوخة تصارع الزمن”؛ ذلك أن الجماعة التي وصفها الأكاديمي المتخصص في شأن الحركات الإسلامية سنة 2007 بالشيخوخة التي تصارع الزمن انتفضت في 2011 وقادت جموع المصريين لموجة أولى من ثورة 25 يناير أطاحت بحكم الطاغية حسني مبارك، وكشف الانفتاع الواسع على الحريات بعد الثورة القوة والحيوية التي تتمتع بها الجماعة وهو ما مكنها من الفوز بجميع الاستحقاقات النزيهة خلال المرحلة ما بين 11 فبراير 2011 حتى 03 يوليو 2013م. الجماعة والتماسك الداخلي وبخلاف دراساته السابقة، يحاول العناني هنا الغوص في البنية التحتية للجماعة التي مكنتها ولا تزال من مواجهة المحن والشدائد وصبغتها بقدر من القوة الذاتية التي تمكن الجماعة من الحفاظ على كيانها ضد الهجمات الضارية التي تستهدف القضاء عليها. ومن خلال الإجابة على سؤال (كيف يمكن للمرء أن يصير إخوانيا؟) تمضي الدراسة في محاولة للكشف عن طريقة بناء الهوية داخل الجماعة والتي تحدد خصائص وملامح الجماعة والتي تميزها عن غيرها من الجماعات والحركات الاجتماعية الأخرى، ويصطلح المؤلف على هذه الهوية، ب”النزعة الإخوانية”. ومع ملاحظة صفة الوحدة والتماثل في تصرفات الإخوان، يؤكد الباحث في دراسته، أن هذه الهوية ليست مجموعة جامدة من القيم المقدسة أو الروحية، ولكنها تمثل مجموعة من المعايير الإجتماعية والتنظيمية التي تم خلقها واستثمارها في الحياة اليومية للأفراد. ويقدم الباحث تفصيلا للمعايير المشكلة لهذه الهوية، مختصرا إياها في خمسة معايير هي: البيعة، والطاعة والثقة والالتزام والانتماء. ويسلط الكتاب الذي يقع في 256 صفحة وتنشره “الشبكة العربية للأبحاث والنشر” ببيروت ، الضوء على الكيفية التي تعزز بها الجماعة هويتها عبر صهر مكونات إيديولوجيتها ومعاييرها وأهدفها معا. ويركز الباحث بهذا الخصوص على عمليات التنشئة والتلقين التي تحدث داخل الإخوان، وذلك من خلال مقاربة جديدة، تعتمد التركيز على العوامل الفكرية من جهة، والعوامل المؤسسية من جهة ثانية، فقد سلط الباحث الضوء على ما يسمى في أدبيات الإخوان ب”المحاضن التربوية” التي تتم فيها عملية التنشئة، والتي تضمن تطابق إيديولوجية الجماعة مع معاييرها وأهدافها. كما يسلط البحث الضوء على الأدوار التي قامت بها البنية التنظيمية في تحصين الحركة في وجه الضربات التي تلقتها من قمع النظام، إذ استطاعت بهذه البنية المؤسسية أن تحافظ على وجودها وتضمن تمددها وتوسعها، وتحيد الآثار السلبية لمفعول القمع على الحركة. وينتهي البحث في فصله السابع، لتقرير خلاصة مهمة، تؤكد على أن “النزعة الإخوانية” تعمل كنظام للهوية، يساعد على الحفاظ على نشاط الحركة وبقائها. مستقبل الجماعة يستعرض المؤلف في خاتمة الكتاب موقف الإخوان في التعاطي مع الربيع العربي ومع تدبير الانتقال نحو الديمقراطية، وسلوكهم داخل مربع السلطة، والمواقف التي اتخذوها من نظام السيسي، ويسلط الضوء على الفرز الحاد الذي وقع داخل مكونات الإخوان، لاسيما بين ما أسماه بالجيل القديم وجيل الشباب. وعلى الرغم من تأكيده على وظيفة الهوية في الحفاظ على تماسك الجماعة وتلافي الإنشقاق الداخلي، إلا أنه توقف عند التباينات الحادة في مواقف الطرفين بخصوص التعامل مع نظام السيسي، إذ يجنح الشباب – في تقييم الباحث بنزعتهم الراديكالية اليائسة من إمكانية تحقيق تغيير سلمي إلى الدعوة إلى موقف أكثر حزما في مواجهة نظام السيسي، فيما تستمر الكوادر التقليدية القديمة على نفس استراتيجيتها الإصلاحية المتدرجة، التي تسعى للحفاظ على الحركة وتحصين تماسكها وتحسين صورتها في الخارج. لا يغفل الباحث في خاتمة كتابه أن يقدم رؤيته الإستشرافية لمستقبل الجماعة، ففي تقديره، لا تزال الجماعة تعيش تحدي البقاء والإستمرار في نشاطها، ويتأرجح مستقبلها بين التحول إلى جماعة ثورية، وبين العودة إلى خيار التسوية وتجنب الصدام، وهو بذلك يبتعد عن طرحه السابق الذي وصف الجماعة بالشيخوخة التي تصارع الزمن. لكن هذه التحولات بحسب المؤلف تحتاج إلى إحداث تعديلات مهمة على مستوى إيديولوجي واستراتيجي وتكتيكي. ويلاحظ الباحث أن جواب الجماعة ينبغي أي يأخذ بعين الإعتبار الضرر الذي لحق صورتها من جراء الأخطاء التي ارتكبتها في مربع السلطة، بسبب ضعف أدائها الاجتماعي الاقتصادي، ودور القيود الإيديولوجية في منعها من نسج تحالفات واسعة والحيلولة دون تبني خطاب وسلوك استيعابي للقوى السياسية الأخرى بحسب الدراسة. ومع تأكيد الباحث على نفس خلاصته السابقة بشأن دور حملة القمع في تماسك الجماعة ووحدتها، فإنه يرى أن الجماعة تحتاج إلى جهد كبير لإعادة بناء شبكاتها الإجتماعية وقواعدها، وإلى إعادة صوغ العلاقة بين السياسي والدعوي، وقراءة واقع ما بعد الثورة بمقاربة أخرى، تتجه بخطوات سريعة نحو الاستيعاب والتكيف مع البيئة السياسية ومكوناتها وقواعدها.