“لو في حد مصري يطول معتز مطر أو أيمن نور أو محمد ناصر يقتلهم، ولو هتقول لي إنت بتحرض على القتل، آه بحرض على القتل، وإذا أتيح لأحد أن يقتلهم فليفعل”، كان ذلك التحريض كفيلا بأن يزج بصاحبه إلى قفص الاتهام فيما لو كان في مصر قضاء حقيقي، ولكن بما أنه لا قضاء إلا قضاء العسكر، ولا عدالة إلا عدالتهم، ولا قانون إلا ما يخدم ديكتاتوريتهم، لذلك يُحرض الإعلامي محمد الباز على القتل المباشر على الهواء وهو لا يخشى الندم. “الباز”، الذي تربّى في مواخير الصحافة الصفراء، بات يشغل منصب رئيس مجلسي إدارة وتحرير جريدة الدستور، علق على البلاغ الذي تقدم به طارق محمود، المحامي بالنقض والدستورية العليا، ضد أيمن نور ومعتز مطر، لاتهامهما بالتحريض على العنف، ونشر أخبار كاذبة، قائلًا: “لو كنا منصفين، فهؤلاء الأشخاص يستحقون القتل”. ولا يُعد هذا التحريض المباشر على قتل المعارضين المصريين الأول من نوعه، فقد سبق أن أطلق بعض الساسة والإعلاميين المؤيدين لسلطة الانقلاب تصريحات مماثلة في أوقات سابقة، دون أي مساءلة من القضاء المصري أو نقابة الصحفيين أو الإعلاميين بمصر. تحت التعذيب وشهدت مصر في عهد قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، سلسلة من الاغتيالات والتصفيات الجسدية طالت من عارضوا الانقلاب العسكري في يوليو 2013، خاصة من جماعة الإخوان المسلمين، وقد قضى بعض المعارضين حتفهم إما نتيجة الإهمال الطبي داخل السجون والمعتقلات، وإما تحت التعذيب، وإما بإطلاق النار عليهم حتى داخل شققهم. وتزامن تحريض إعلام السفيه السيسي على قتل المعارضين للانقلاب في الخارج، مع أحكام قضائية بالإعدام صدرت بحق عشرات الشباب، بعضها أحكام نهائية، وبعضها الآخر قابل للنقض، بالإضافة إلى حملة اعتقالات واسعة النطاق شنتها داخلية الانقلاب ضد عشرات المنتمين لأحزاب وقوى المعارضة خلال الأيام القليلة الماضية. وتواجه بيانات داخلية الانقلاب بالتشكيك من قبل شخصيات سياسية وحقوقية، وذلك بسبب تكرار ذات الرواية في كل حادث، وعدم إصابة أي فرد من الشرطة في كل مرة، في حين يتم قتل جميع المتهمين في المكان بالكامل، وفي معظم تلك الحالات؛ يقول حقوقيون وأهالي الضحايا إن من تمت تصفيتهم هم معتقلون تم إخفاؤهم قسريا، ثم قتلوا بدم بارد لاحقا؛ بعد تلفيق التهم بحقهم. وتعليقًا على هذا التحريض الإعلامي والرغبة الدموية في الاغتيالات؛ قال المحامي الحقوقي إسلام مصطفى، إن هذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها تصفية الخصوم السياسيين من قبل قوات الأمن بهذه الطريقة، وأوضح أنه “سبق أن قامت بتصفية مجموعات من جماعة الإخوان المسلمين، مدعية أن أفرادها قاوموا القبض عليهم، وأطلقوا النار على رجال الأمن”، مشيرا إلى أن “الشرطة مستمرة أيضا في بطشها ضد كل معارضي النظام، سواء كانوا من الإخوان، أم من الليبراليين”. من جهته؛ قال أستاذ العلوم السياسية عبد الخبير عطية: إن الوضع الأمني الآن في مصر أصبح مضطربا بشكل كبير، وازداد سوءا خلال الشهرين الأخيرين بسبب كم الغضب الموجود من الشباب ضد الانقلاب، وأكد أن “الغضب الشعبي هو السبب وراء زيادة بطش الداخلية وارتفاع أعداد القتلى على أيدي الشرطة، خصوصا أن الأمن يعتمد على شماعة محاربة الإرهاب، والتي منحته صكا لقتل الناس دون محاسبة”. سجون السيسي وقال جاكسون ديل، نائب رئيس تحرير صحيفة “واشنطن بوست” في مقال له: إن نظام الانقلاب لا يزال يحتل المرتبة الأعلى عالميا بعد كوريا الشمالية في عدد المعتقلين السياسيين السلميين، وتحت عنوان “سجون السيسي الممتلئة”، قال جاكسون إن الأممالمتحدة ألهمت حكاما مستبدين مثل فلاديمير بوتين والسيسي، ويضيف أن عدد المعتقلين يزيد على 60 ألفا، منهم أكثر من ألف معتقل يواجهون حكم الإعدام. من جهته، أعرب المرصد العربي لحرية الإعلام عن بالغ قلقه وانزعاجه من التهديدات التي أطلقها السفيه السيسي ضد الإعلام المصري المعارض الذي يُبث من الخارج، ولأول مرة، هدد السفيه السيسي إعلام المعارضة في الخارج، قائلا: “أي حد يتكلم في القنوات التلفزيونية اللي بره والله كله هيتحاسب.. والله كله هيتحاسب.. اللي بيخدع الناس.. واللي بيضحك على الناس ويخدعهم، ويحطم آمال الناس.. كله هيتحاسب”. حماية الإعلام الثوري وقال المرصد العربي لحرية الإعلام في بيان له إن “هذه التهديدات التي تعد الأعنف من نوعها، والتي قد تطال العاملين في تلك القنوات والمتعاملين معها، تحمل تهديدات خطيرة”، وأضاف: “ولأنها لم تحدد نوع المحاسبة التي يقصدها فإنها تفتح الباب على مصراعيه أمام تكهنات كثيرة في ظل استمرار الانقلاب في الانتهاكات التي تصل في أحيان كثيرة إلى حد تصفية المعارضين خارج إطار القانون، وكذلك المحاكمات الهزلية وتهديد المعارضين باعتقال أهلهم وذويهم داخل مصر وغيرها من الأساليب”. وأشار إلى أن “سلطات الانقلاب بذلت جهودا كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية لوقف بث تلك القنوات وإغلاقها، وقدمت ملفات للعديد من الجهات الدولية تتضمن ما تصفه سلطات الانقلاب بتحريض على العنف والكراهية والإرهاب، وهو ما لم تقتنع به تلك الجهات الدولية التي تدرك طبيعة الحالة الإعلامية والسياسية المصرية جيدا، وتعرف حالة القمع الممنهج لحرية الصحافة والإعلام في مصر”. وطالب المرصد المؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة وعلى رأسها مؤسسات الأممالمتحدة بأخذ تهديدات السفيه السيسي على محمل الجد، وتحذيره من مغبة تنفيذها، مطالبا الدول التي توجد بها مكاتب خدمية لتلك القنوات بتوفير الحماية اللازمة للعاملين فيها من أي اعتداءات متوقعة.