من أحداث المنيا إلى تعري سيدة مسيحية إلى انقلابات قساوسة الأديرة ثم قتل أحدهم، كل ذلك جعل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تغلي من الداخل، بل ويصل غليانها إلى فروعها المنتشرة في أصقاع العالم الأرثوذكسي، دون حراك حقيقي يذكر من تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ال118، الذي وُلِد باسم وجيه صبحي باقي سليمان، بالمنصورة لأسرة مكونة منه كأخ لشقيقتين، ووالده كان يعمل مهندس مساحة، وفي 4 نوفمبر 2012، تم اختياره عن طريق قرعة مشكوك في صحتها ليحل مكان البطريرك شنودة الثالث الذي تنيح ووافته المنية. واستقبل تواضروس، أمس الإثنين، بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، دارخان كاليتايف، وزير التنمية المجتمعية بجمهورية كازاخستان وأرمان إساغالييف، سفير كازاخستان لدى سلطات الانقلاب، وتم توجيه الدعوة له للمشاركة في مؤتمر ما يسمى ب”رؤساء الأديان العالمية والتقليدية”، الذي يعقد في كازاخستان في شهر أكتوبر المقبل. تقول الناشطة ميرنا لطفي: “طب يا سيدنا فين البابا تواضروس ليه منطقش كلمة المنيا.. الست اللي اتعرت حقها مجاش.. الأقباط مضطهدون في المنيا من شوية عصابات إرهابية.. الأديرة فيها انقلابات.. الرهبان متورطون في قتل إنما البابا شغلته على المدفع برولوم.. مطبلاتي للسيسي #مسيحية_ضد_البابا”. وردت الناشطة روني بهيج، مدافعة عن تواضروس، بالقول: “لما تتكلمي على البابا تتكلمي بأسلوب محترم عيب”، فردت لطفي بالقول: “احترميه انتي براحتك وقدسيه كمان الاحترام عندي ينبع من المواقف، والبابا للنهاردة ملهوش ولا موقف محترم”. ظلم العسكر ويقول الناشط محمد سلامة: “المشكلة إننا في دولة لا تحترم الإنسانية ولا أي حق من حقوق الإنسان.. كلنا سواء مسلم أو مسيحي منتهكين مقهورون من ظلم العسكر.. عصابة وشوية حرامية ماسكين البلد وبيستخدموا كل أساليب السادية لكبح جماح الأمل لدى أبناء الوطن.. الحل بالتكاتف فيما بيننا جميعا وتكون ثورة التطهير”. وانتشر مقطع فيديو لمشاجرة داخل كنيسة أرثوذكسية مصرية في اليونان، وظهرت إحدى السيدات تصرخ في وجه أحد القساوسة بالقول: “والله لأفضحكوا”، فيما طلب لها القس الشرطة اليونانية التي اقتادتها وزوجها إلى خارج الكنيسة، واعترف تواضروس أن الكنيسة الأرثوذكسية تعرضت خلال الأسابيع الماضية لهزة كبيرة، وقال: “لكننا ننظر إليها كأنها بمثابة إفاقة لنا وإيقاظ لنا جميعًا، فالوقت الآن وقت استيقاظ ومراجعة للنفس قبل حلول السنة القبطية الجديدة”، لافتًا إلى أن “رحيل الأنبا إبيفانيوس بمثابة جرس إنذار لنا جميعًا”. ومنذ 30 يونيو 2013 ولا يزال يردد تواضروس في لقاءات متعددة جمعته بالمسيحيين في الداخل والخارج، عبارات أكد فيها دعمه ومباركته لقائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه بأنه رجل كل العصور، وأنه قدم الوعد وأوفى به. وفي وصف آخر قال تواضروس عن السفيه السيسي: “دائما اللي بيشتغل مبيتكلمش والرئيس بيشتغل.. والإنجازات عظيمة للغاية في السنوات الأخيرة، وأن المنظومة كلها أكثر من رائعة وأن الرئيس مثل “المايسترو”، الذي يقود فرقة كبيرة تقوم بعمل ضخم يؤدي إلى نتائج ملموسة”. خلاف سياسي ولعل هذا الدعم غير المسبوق من رأس الكنيسة للسفيه السيسي، دفع عددا من السياسيين والمتابعين بل والمسيحيين إلى نصيحة “البابا” بعدم جر الأقباط لخلاف سياسي، ومنها النصيحة التي وجهها السفير – المعتقل- معصوم مرزوق، رئيس التيار الشعبي، عبر صفحته الشخصية على “الفيسبوك”، والتي قال فيها لتواضروس: “ما زلت أرجو أن يتفادى قداسة البابا توريط شعب مصر في انحيازات سياسية.. السيسي رئيس مصر وليس بابا الأقباط.. وعندما يذهب لن يبقى للأقباط إلا إخوانهم المسلمون.. ما تفعله الكنيسة خطر له عواقب وخيمة في المستقبل، وعليها أن تتحلى بالحياد المطلق وتدع ما لقيصر لقيصر دون أن تتطوع بالانحياز لأي قيصر”، واختتم نصيحته قائلا: “أرجوكم لا تعمقوا الاحتقان والانقسام”. ويقسم رامي عزيز، الباحث المصري بجامعة روما، العلاقة بين الأقباط المسيحيين والسفيه السيسي لقسمين: الأول العلاقة بينه وبين البابا وقيادات الكنيسة، والثانية بينه وبين عموم الأقباط المسيحيين، مشيرا في دراسة مطولة نشرها معهد واشطن لدراسات الشرق الأدنى، إلى أنه في الوقت الذي يشعر فيه الأقباط المسيحيون بخيبة أمل كبيرة تجاه السفيه السيسي بعد التفجيرات المستمرة التى طالت كنائسهم، رغم الدعم اللامحدود الذي قدموه له منذ انقلاب يوليو 2013، إلا أن البابا له موقف مختلف بتأييد السفيه السيسي بشكل غير مسبوق، وهو ما دفع الأقباط لتسميته ب”بابا النظام”. شريك الانقلاب حيث أصبح محل انتقاد المسيحيين لتورطه في بعض الإجراءات التي ترهن مصير الأقباط المسيحيين بأمور سياسية، خاصة أن السفيه السيسي لن يتردد في استخدام القوة ضدهم إذا خالفوه، بدليل ما قام به مع حلفائه المقربين عندما شعر بأنهم مصدر تهديد حتى ولو كان محتملا لمصالحه، مؤكدًا أن السفيه السيسي يعتبر الأقباط المسيحيين طعما لجماعات العنف، حتى يبرر شرعية استمراره أمام العالم كمحارب للإرهاب على غير الحقيقة الواقعة. وعلى النقيض، يرى الكاتب الصحفي صلاح بديوي، مدير تحرير جريدة الشعب سابقا، أن المسيحيين يعيشون أفضل أوقاتهم كما أكد تواضروس بالفعل، حيث يحافظ السفيه السيسي على زيارتهم في كنائسهم، وهو ما لم يحدث من أي رئيس حكم مصر قبل ذلك. وفي المقابل، يقوم بمذابح ضد أبناء أكثر التيارات الإسلامية وعيا وثقافة وعلما بدينهم وحبا لوطنهم، وهو ما يتزامن كذلك مع الحرب الطاحنة التي تقودها أجهزة السفيه السيسي على كل معالم الدين الإسلامي ومظاهره؛ مثل النقاب والحجاب والحرب الدائرة ضد المساجد وتراث السلف والاجتهادات الفقهية وعلماء الدين، مقابل احتضان كل مظاهر الفسق والفجور والإلحاد؛ بداية من المثليين ومرورا بالملحدين ودعاة الطبل والزمر. ويرى بديوي أنه “من المنطقي أن يؤيد تواضروس السيسي، فهو كان شريكه في الانقلاب على إرادة الشعب وعلى ثورة 25 يناير، وهو بذلك يستمر في دفع المسيحيين نحو الحائط، ويجرهم إلى نفق مظلم ليس في صالحهم أو صالح مصر”.