بعد أن دمر نظام الانقلاب المصري الاقتصاد لصالح الكيان الصهيوني، من خلاله بيعه الغاز الطبيعي بأبخس الأثمان تارة، ثم شراؤه من نفس الكيان بأسعار مرتفعة تارة أخرى، والتي كان آخرها صفقة توريد ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الإسرائيلي إلى مصر، من خلال اتفاقية بين شركة Delek Drilling الإسرائيلية وشركة Noble Energy في تكساس، وهما شريكان في حقلي تمار وليفياثان في إسرائيل، وشركة دولفين القابضة المصرية الخاصة، في شهر فبراير الماضي. وكشف تقرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أنه مع التحكم في خط الأنابيب الواصل ما بين الكيان الصهيوني ومصر، يمكن أن يتدفق الغاز بسرعة مع نهاية العام إلى مصر، وكذلك عائداتهم. وقال إنَّهم أُبلغوا بأنَّهم سوف «يحصلون على الأموال في فترةٍ قصيرة جداً من الوقت». لا حاجة لغاز إسرائيل جاء الاتفاق بين سلطات الانقلاب في مصر والكيان الصهيوني، حينما تعمدت سلطات الانقلاب إحداث أزمة في البيوت والمصانع المصرية من انقطاع التيار الكهربائي نتيجةً لنقص الطاقة، حتى جاءت الحقيقية مزعجة لتجار الغاز الإسرائيليين، وهي أنَّ مصر أصبحت مكتفيةً ذاتياً من الغاز تقريباً. وقال إيلاي ريتيج، الزميل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والمحاضر في جامعة حيفا: «على الأقل نظرياً، لا توجد حاجة إلى الغاز الإسرائيلي بعد الآن». لكن هناك حاجة ماسة لإسرائيل لبيع الغاز، فكلما طالت مدة بقاء الغاز غير المباع، سيُكتشف المزيد من الغاز في البحر المتوسط، ويزداد احتمال تأجيل حلم إسرائيل بتحقيق مبيعات إقليمية فعالة من حيث التكلفة إلى أجلٍ غير مسمى، خاصة وأن تكلفة الغاز الإسرائيلي أكثر من الغاز المصري. فيما أوضح موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن صفقة الغاز التي أُعلن عنها، في فبراير الماضي، ستسمح لشركتي Delek وNoble Energy والشركاء الأصغر في هذا المجال بالاستمرار في الاستثمار في ليفياثان، أكبر حقل للغاز في إسرائيل، الذي لم ينتج بعد أي غازٍ منذ اكتشافه في عام 2010، حيث استثمرت الشركات بالفعل 3.75 مليار دولار في المرحلة الأولى من تطوير حقل لفياثان، الذي وصفته بأنَّه أكبر مشروع للطاقة في تاريخ إسرائيل. وقال التقرير إن منطق الصفقة بالنسبة للقاهرة أقل وضوحاً بكثير، فبمجرد أن تتمكن مصر من تلبية احتياجاتها المحلية، وهو الأمر الذي يمكن أن يحدث في وقتٍ مبكر من عام 2019، فإنَّ الغاز الإسرائيلي، كما يقول المحللون، سيُكلف على الأرجح أكثر من الغاز المصري بسبب التكاليف الإضافية لاستيراده. ومن المحتمل أن يعاد تصدير الغاز من محطتي تسييل عاطلتين عن العمل إلى حدٍّ كبير في بلدتي إدكو ودمياط المصريتين، وهما المرفقان الوحيدان من هذا النوع في شرق البحر المتوسط. دهشة من الصفقة وأضاف أنه إذا حدث هذا، ستستفيد مصر من التحصيلات ورسوم العبور. لكنْ هناك أيضاً اعتقاد واسع النطاق بين مراقبي الصناعة، بأنَّه لن يمر وقتٌ طويل قبل أن تكتشف مصر المزيد من الغاز، وسوف ترغب في استخدام القدرات المحدودة لمحطات الغاز الطبيعي المسال، لتصدير منتجاتها بنفسها. إلا أنَّ أياً من هذه التفاصيل لم يمنع الصفقة من المضي قدماً. والوقت يمضي سريعاً بينما تحاول الشركات التي تبيع الغاز الإسرائيلي الدخول إلى واحدةٍ من الأسواق المحلية الحيوية. في غضون ذلك، أعرب بعض المصريين، مثل المحلل السياسي والجيوفيزيائي السابق خالد فؤاد، عن دهشتهم من الإقبال على إتمام هذه الصفقة. هدية لإسرائيل وقال فؤاد، الذي يعمل حالياً في المعهد المصري للدراسات في إسطنبول: «الصفقة لا تخدم مصر، ولا تخدم أمنها القومي بأي شكلٍ من الأشكال. هل تحتاج مصر للغاز الطبيعي؟ لا، ليست بحاجةٍ إليه». وأضاف فواد أنَّ الصفقة قد تكون خاصة، لكنَّ السياسيين لا يزالون يشيرون إلى الصفقة باعتبارها مبرمة بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية. وأكد على أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إنَّ الأموال العائدة من الصفقة ستُستثمر في تحسين الصحة والتعليم للإسرائيليين. وأضاف فؤاد: «نحن بحاجة إلى نفس الشيء بالنسبة لمصر. لدينا الكثير من القطاعات التي تحتاج إلى تطوير، لكنَّنا نعطي إسرائيل هديةً مقابل مكاسب بسيطة». فيما اوضح التقرير أن الصفقة ليست سوى الفصل الأخير في ملحمة شرق البحر الأبيض المتوسط، التي شهدت صعود وهبوط الغاز الإسرائيلي والمصري، وغموض مصيرهما وتشابكهما. إنَّها أيضاً ملحمةٌ تركت الإسرائيليين والمصريين يجهلون نقاطاً مختلفة. قبل عقدٍ من الزمان، كانت مصر مصدراً صافياً للغاز، إذ كانت توفر 40 % من الغاز الطبيعي لإسرائيل بأقل الأسعار في العالم. وأُبرمت الصفقة الحميمة بين شركتين حكوميتين مصريتين وشركة غاز شرق البحر المتوسط (EMG)، التي تتخذ من مصر مقراً لها، وتشكلت في عام 2000 لبناء خط أنابيب بين مصر وإسرائيل، ومن شركائها عميل المخابرات الإسرائيلي السابق وقطب الطاقة يوسي ميمان. و أثارت الصفقة انتقادات المصريين، ودفعت نحو نشوب الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك في عام 2011. وفي عام 2012، أُدين اثنان من المصريين، اللذين يعتبران مهندسي الصفقة الأصليين، وهما وزير البترول الأسبق سامح فهمي ورجل الأعمال حسين سالم، وحكم عليهما بالسجن لمدة 15 سنة، وبُرِّئا فيما بعد. وبحلول عام 2013، عانت مصر سنواتٍ من عدم الاستقرار السياسي وسوء إدارة قطاع الطاقة، بما في ذلك الصفقات الأخرى المشكوك فيها التي حقَّق فيها موقع Middle East Eye، بالإضافة إلى الهجمات المتكررة في سيناء على خط أنابيب الغاز. لم تتمكن مصر من تلبية احتياجاتها المحلية والوفاء بعقود التصدير. وبدلاً من ذلك، بدأت في استيراد الغاز الطبيعي السائل عالي السعر، لسد حاجة السكان المتزايدين، الذين كانوا يعانون من انقطاع التيار الكهربائي بانتظام. من سيشتري الغاز الصهيوني؟ ودخلت مصر في ركودٍ اقتصادي مرتبط بقطاع الطاقة، لكنَّ المستقبل بالنسبة لإسرائيل، التي كانت تستورد الغاز منذ فترةٍ طويلة، كان يبدو مشرقاً. وفي عام 2009، اكتشفت شركتا Noble وDelek حقل تمار، وسرعان ما تبعهما اكتشاف حقل ليفياثان في عام 2010، وهو أحد أكبر الاكتشافات العالمية في هذا القرن. وقال وزير البنية التحتية الإسرائيلي آنذاك عوزي لانداو، إنَّ هذا الاكتشاف كان «أهم خبر متعلق بالطاقة منذ تأسيس الدولة»، وكان هناك حديثٌ عن أنَّ إسرائيل أصبحت مركزاً إقليمياً للغاز. لكن في السنوات الأخيرة، كافحت الشركات من أجل حل عقدة المشاكل السياسية والاقتصادية ذات الصلة بقضيةٍ واحدة، ألا وهي: كيفية بيع الغاز. وفي عام 2015، بعد أن استثمرت شركات الطاقة مليارات الدولارات لاكتشاف الحقول وانتظرت سنواتٍ لإنتاج الغاز، وافقت الحكومة الإسرائيلية على لوائح لجعل القطاع أكثر قدرة على المنافسة، وهي خطوة يعتقد الكثيرون أنَّها تخيف المستثمرين الأجانب، الذين لا يعرفون ما قد تفعله الحكومة بعد ذلك. بعد مرور ما يقرب من عقدٍ من الزمان على اكتشافه، أنتج حقل تمار فقط الغاز للاستهلاك التجاري. ويوفر حالياً كل الغاز الإسرائيلي تقريباً، لكنَّ عملاءه غير المحليين هما فقط شركة البوتاس العربية المملوكة للحكومة الأردنية وشركة البرومين التابعة لها. وقوبلت صفقة تمار، واتفاقيةٌ أكبر بكثير وُقِّعَت في عام 2016 تقضي بتوريد الغاز من حقل ليفياثان لشركة الكهرباء الوطنية المملوكة للدولة في الأردن (NEPCO)، باحتجاجاتٍ في الشوارع وانتقاداتٍ من البرلمانيين الأردنيين. وكان هناك كذلك حلمٌ ببيع الغاز من خلال EastMed، وهو خط أنابيب تحت الماء مقترح بطول 1900 كم، بتكلفة 7 مليارات دولار من إسرائيل عبر قبرص إلى اليونان وإيطاليا. لكنَّ التكلفة والتحديات اللوجستية الكبرى سحقت هذه الفكرة، تاركةً لإسرائيل زبوناً واحداً فقط محتملاً للبيع السريع، ألا وهو مصر. حاجتنا للغاز مشكوك فيها في حين أكد التقرير أن حاجة مصر إلى الغاز الإسرائيلي مشكوكٌ فيها. ففي يوليو 2015، اكتشفت شركة الطاقة الإيطالية «إيني» حقل ظهر العملاق، أكبر حقل غاز اكتُشِفَ على الإطلاق في البحر الأبيض المتوسط، ثم بدأت في إنتاج الغاز في ديسمبر الماضي. ومن المتوقع أن تملك مصر فائض غاز في وقتٍ مبكر من العام المقبل. لذلك عندما أُعلن عن الصفقة بين شركتي Delek وNoble من جهة، وشركة دولفين من جهة أخرى، في فبراير، اعترض الكثيرون. وتساءل ديفيد باتر، زميل برنامج تشاتام هاوس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: «هل سيدفع المستهلكون المصريون أكثر من قيمة الغاز في صفقةٍ لصالح شركاتٍ إسرائيلية وأمريكية؟ وخيار الغاز الطبيعي المسال معقد لأنَّ الرسوم الإضافية ستضعف قدرتها التنافسية. ماذا يحدث إذا وجدت مصر كمياتٍ أكبر من الغاز؟». أحاطت المزيد من الشكوك بالصفقة، عندما ظهرت تقارير قبل أسبوعين تقول إنَّ شركة إيني حققت اكتشافاً جديداً قبالة ساحل سيناء. وانخفضت أسهم الطاقة الإسرائيلية، لأنَّ الأمر بدا وكأن مصر قد لا تحتاج إلى غازٍ إسرائيلي على الإطلاق. ومنذ ذلك الحين أنكرت شركة إيني التقارير، وقالت فقط إنَّ استكشاف حقل نور، محل الادعاء، سيبدأ في شهر أغسطس المقبل. وحسب المحللين، الأمر مجرد مسألة وقت، قبل أن تكتشف مصر المزيد من الغاز، وهذا هو السبب في أنَّ هذه الصفقة تتقدم بسرعة.