يبدو أن اتجاه سلطات الانقلاب نحو بيع بعض أصول الدولة لم يعد مجرد تكهنات تداعب خيالات الاقتصاديين وقراءة في فنجان توقعات خبراء المال والاستثمار، بل بات واقعا ليس بينه وبين التنفيذ سوى الوقت وفقط، لتدخل مصر مرحلة جديدة من التفريط في أموال الشعب، التي دفع ثمنها المصريون في التضخم والبطالة، والفجوة بين الفقراء والأغنياء. ومنذ أكثر من ثلاث سنوات وحديث أذرع الانقلاب الإعلامية عن استغلال أصول الدولة لا يتوقف، والمهندس إبراهيم محلب، المُتهم في قضايا استيلاء على المال العام حينما كان رئيسا لمجلس وزراء العسكر، شدد على بيع أصول الدولة للأجانب، وتعظيم استفادة العسكر من مليارات البيع، كما وافق على مقترح بإنشاء صندوق مصر السيادي "أملاك" تحت لافتة خادعة عنوانها تطوير أملاك مصر. ومع تولي شريف إسماعيل حكومة الانقلاب، أصدر قرارا بتشكيل لجنة وزارية لحصر الأصول، ثمّ جاءت الدكتورة هالة السعيد وزيرة للتخطيط في حكومة الانقلاب، لتكون طوق نجاة لجشع وطمع العسكر، مؤكدة أنها تعكف حاليا مع مجموعة من المستشارين والخبراء على الانتهاء من حصر أصول الدولة وعرضها على العسكر. ليست شرا يقول الخبير والمحلل الاقتصادي "أشرف دوابة": "الواقع أن الخصخصة في حد ذاتها ليست شرا، ولكن الشر في آليات تنفيذها، لا سيما في التجربة المصرية التي كانت مرتعا للفساد في التسعينيات من القرن الماضي حتى قيام ثورة يناير 2011م". مضيفا: "وهو الأمر الذي يعود بالذاكرة لتلك الفترة السوداء من تاريخ مصر التي تم فيها التفريط في أصول مصر بأبخس الأثمان. فعلى سبيل المثال، بيعت شركة عمر أفندي ب650 مليون جنيه، في حين كانت قيمتها السوقية خمسة مليارات جنيه، أي بيعت بأقل من 15 في المئة من قيمتها". وتابع: "كما بيعت شركة إيديال بمبلغ 325 مليون جنيه، في حين كانت قيمتها السوقية خمسة مليارات جنيه. وبيعت شركة إسمنت أسيوط ب2.2 مليار جنيه لمستثمر مصري؛ باعها بعد ستة شهور لشركة فرنسية بمبلغ 78 مليار جنيه، فضلا عن الفساد الفاحش في بيع شركة المراجل البخارية، والحديد والصلب وغيرهما، ليصل عدد الشركات المباعة في عهد مبارك إلى 413 شركة، بحصيلة نحو 57 مليار جنيه، توجه جلها لسداد ديون تلك الشركات، فضلا عن سداد جزء من عجز الموازنة، ومتطلبات المعاش المبكر للعاملين الذين تم تسريحهم من أجل الخصخصة". اعتراف بالتدمير المقال الذي نشرته وزيرة التعاون الدولي في حكومة الانقلاب سحر نصر، بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تحت عنوان "مصر ترسم مسارا اقتصاديا جديدا.. إطلاق طاقات البلاد للنمو من خلال القطاع الخاص الخالية من اليد الثقيلة للدولة"، جاء ليسدل الستار على مضمار التكهنات الخاصة ببيع القطاع العام، حيث أشارت الوزيرة إلى أن عمليات بيع جزئية لشركات وبنوك حكومية، لم يعد خيارا بل ضرورة لعبور مصر أزمتها الاقتصادية الراهنة!. العديد من التساؤلات فرضت نفسها حول آليات تنفيذ مخطط بيع أصول الدولة، وما تحمله من مؤشرات اقتصادية قد تهدد مستقبل الملايين من المصريين، إضافة إلى انعكاسات هذا التوجه على ما يزيد على 40 مليون مواطن تحت مستوى خط الفقر. وزيرة التعاون الدولي- في مقالها- أشارت إلى أن المهمة الأساسية لحكومة الانقلاب هي استعادة الاستقرار الاقتصادي، بعد الوضع الذي عانت منه البلاد منذ ثورة 25 من يناير، وأن الهدف من اللجوء إلى خيار بيع بعض أصول الدولة هو رفع النمو ليصل إلى 6%، وتخفيض عجز الميزانية إلى 10%، والدين العام لأقل من 88% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2018. من الواضح أن تصريحات وزيرة التعاون الدولي ليست الأولى في هذا المضمار في عهد قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، فقد سبقها منذ أشهر قليلة تصريح آخر لوزيرة الاستثمار في حكومة الانقلاب، داليا خورشيد، والتي كشفت عن وجود خطة لبيع حصص من شركات القطاع العام، مشيرة إلى أن هناك ترتيبات تجري حاليا لاختيار بنوك الاستثمار التي ستدير هذه الطروحات، وأن برنامج الدولة لطرح الشركات سيستغرق فترة زمنية تتراوح ما بين 3 و5 سنوات. خورشيد في تصريحاتها أشارت إلى أن قيمة الأسهم التي سيتم طرحها ستصل إلى 10 مليارات دولار، وأن القطاعات التي ستطرح جزئيا في البورصة ستكون في مجالات مثل الطاقة والبترول والقطاع المصرفي، دون توضيح شروط طرح الأسهم. كل ما تتزنق اقلع تلك الجملة الشهيرة التي خرجت للنور لأول مرة في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، في بداية سبعينيات القرن الماضي، تنطبق بصورة كاملة على حكومات العسكر المتعاقبة خلال العقود الأخيرة، مع بعض التغُّيرات الطفيفة على سياقها اللفظي، لتصبح "كل ما تتزنق بيع"، علامة مسجلة لحكومات الانقلاب المتعاقبة. البدايات كانت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ففي عام 1991 طبقت الحكومة سياسة الخصخصة بناء على توجيهات صندوق النقد الدولي، بعدما تفاقمت مشكلة الديون الخارجية لمصر وزاد عجز الميزانية وارتفعت معدلات التضخم، بحسب تقرير صادر عن مركز دعم واتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء، ومن هنا كان "بيع شركات القطاع العام" للمستثمرين. وفي عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي، أعاد إحياء مشروع تنمية القناة تحت مسمى "محور تنمية إقليم قناة السويس"، إلا أنه تعرض لهجوم كبير من سياسيين واقتصاديين، الذين رأوا أنه "باع القناة" لقطر، وهو ما تسبب في عرقلة تنفيذه، فضلا عن الانقلاب عليه قبل أن يبت النظر في أي من تلك المشروعات. ومع قدوم السفيه السيسي بات هذا الشعار منهج حياة، وهو ما يجسده اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، التي وقعتها حكومة الانقلاب مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي قضت ببيع جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر للمملكة.