ذهب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى إثيوبيا والتقى الرئيسين السوداني والإثيوبي وعاد ليقول: "كونوا مطمئنين تماما، تم الاتفاق على عدم الإضرار بأي طرف ومصلحة الجميع ستتحقق ونحن نتكلم كدولة واحدة ولا مشكلة بشأن المياه.. مبروك"، دون أن يذكر أسباب تفاؤله، ولماذا قال "مبروك"؟ ليتم الكشف عرضا عن أنه وقع اتفاقا جديدا سريا به تنازلات جديدة. كل ما تم هو اتفاق السودان ونظام الانقلاب وإثيوبيا خلال قمة أديس أبابا، الاثنين، على تكوين لجنة من وزراء الخارجية والري ومديري الأمن والمخابرات في البلدان الثلاثة لمتابعة القضايا وتبادل المعلومات دون حل أي مشكلة. تفاصيل الاتفاق السري كشفها السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشئون الإفريقية، في تصريحات عرضية للصحف والفضائيات المصرية، وأستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة د.نادر نور الدين وتتلخص في: 1- ستقوم إثيوبيا بحجز 15 مليار متر مكعب من المياه سنويا عن مصر والسودان، لمدة 3 سنوات، حيث يمتلئ السد ب45 مليار متر مكعب (قدرته 74) ليبدأ تشغيل الكهرباء (ولا يعرف كيف سيتم ملء بقيته). 2- ستتنازل مصر عن نصف الكمية (7.5 مليار متر مكعب سنويا) ما يعني تناقص حصتها السنوية من 55.5 مليار إلى 48 مليارا فقط. 3- تتنازل مصر أيضا عن زراعة الأرز مدة ثلاث سنوات وتقوم باستيراده من الخارج بدعوى أن زراعة الأرز تستهلك 7.5 مليار متر مكعب مياه. 4- كيف جرت الخديعة؟ ولماذا؟ كانت تصريحات مفاجئة لقائد الانقلاب حين قال "مبروك" وتحدث عن إنه لم تكن هناك أزمة بين مصر والسودان وإثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة الذي تبينه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وعاد للعبة تشابك الأيدي مع البشير وديسالين، لأنه لم يتم الكشف عن أي تفاصيل على عادة السيسي في تجاهل المصريين والتصرف باعتباره لويس التاسع عشر أي الدولة وحده. وحتى سامح شكري، وزير الخارجية المصرية، اكتفى بالقول إنه تم الاتفاق خلال القمة الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، على الانتهاء من الدراسات الفنية الخاصة بسد النهضة خلال شهر واحد، دون ذكر أي تفاصيل. أما الأكثر غرابة فكان نشر الصحف الحكومية تصريحا لوزير الري يقول فيه "إن الوزارة لا يوجد لديها أي معلومات حول الاتفاق الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، والمخول له الحديث في هذا الشأن هو المتحدث باسم الرئاسة"! ولكن السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشئون الإفريقية كشف أنه تم توقيع اتفاق بالفعل في تصريحات لصحف موالية للسلطة مثل البوابة والفجر، قائلا: إن "الاتفاق الذي جرى بين مصر وإثيوبيا والسودان جيد إذا تم تنفيذه". وقال "حليمة"، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "حضرة المواطن"، على فضائية "الحدث اليوم"، أن الاتفاق نص على أن حصة مصر ستزيد إلى 59 مليار متر مكعب بعد ثلاث سنوات، وإذا حدث ضرر جسيم في حصة مصر فستقوم إثيوبيا بتعويض مصر. وأشار إلى أن إثيوبيا ستقوم بتخزين 15 مليار متر مكعب من المياه سنويا في سد النهضة، وستتنازل السودان عن 7.5 مليار متر مكعب، ومصر عن 7.5 مليار لمدة ثلاث سنوات، وهذه المياه هي التي كان سيزرع بها الأرز، لذلك سيقوم البنك الدولي بتعويض مصر عن هذه المياه، وستدفع إثيوبيا ثمن ذلك من كهرباء سد النهضة بعد ذلك. الإثيوبيون ضحكوا على السيسي أما خبير المياه نادر نور الدين فكشف عبر صفحته علي فيس بوك ان الاثيوبيين ضحكوا علي السيسي واخذوه في السكة التي يريدونها ومنها: توقف مصر عن زرع الأرز ثلاث سنوات وترك الأرض بورا بلا زراعة ما سيخرج هذه الارض بعد ثلاث سنوات من توقف زراعة الأرز أي كل أراضي شمال الدلتا (1.5 مليون فدان) عن الإنتاجية وتصبح أراضي بور عالية الملوحة ولن يمكن إعادة استصلاحها؟!؟ وهذا على الرغم من أن أوغندا وتنزانيا وكينيا يزرعون الأرز بلا تحفظات وإثيوبيا نفسها تزرع مساحات هائلة من القطن قصير التيلة الذي يستهلك مياه أكثر من الأرز، كما أن مساحة الأراضي الزراعية في إثيوبيا عشرة أضعاف مساحة الأرض الزراعية في مصر، وتبلغ هناك رسميا 35 مليون هكتار مقابل 3.5 مليون هكتار فقط في مصر (الهكتار 2.38 فدان). وكشف عن النقص الذي سيحدث بعد الملء الأول لسد النهضة في حصة مصر سيكون 12 مليار متر مكعب سنويا لا 7.5 مليارا، ولم نأخذ تعهدا من إثيوبيا بالحفاظ على تدفقات النيل الأزرق عند نفس مستوياتها قبل بناء السد. وقال: "أرغمونا على الموافقة على ملء السد في ثلاث سنوات (كانت مصر تطالب ب7 سنوات)، وفرضوا إرادتهم علينا كالمعتاد، رغم كل التقارير الدولية التي تحذر من الملء في أقل من ست إلى سبع سنوات". والغريب أن وزارة الري كانت مصممة على 5 سنوات، والتصريحات المصرية الرسمية تقول 10 سنوات، ولكن السيسي وافق على ملء خزان السد في 3 سنوات كأنه يعمل لصالح إثيوبيا لا مصر! أيضا ينفي الخبير المصري قدرة إثيوبيا على توليد كهرباء من السد بكميات كبيرة وتعويض مصر بها كما يزعمون قائلا: "إثيوبيا ستسدد لمصر ثمن الأرز من عائد بيع الكهرباء!؟! أتحدى لو عائد بيع الكهرباء اشترى شوال أرز واحد والبروفيسور الإثيوبي الأمريكي اسفو بينيني تحدى لو أنتج السد ثلث كمية الكهرباء المعلن عنها وأنها نصبة كبيرة على دول الجوار!!". وتابع: "ولسة بنصدقهم ونخليهم يأكلونا أرز مستورد على كيفهم"، مشددا على أن الإثيوبيين "ليسوا أصحاب المياه لكي يفتشوا ورانا ماذا نفعل بها ويفرضون علينا ما نزرعه وما لا نزعه، فنهر النيل نهر دولي عابر للحدود". وانتقد فرض الإثيوبيين السيادة المطلقة على كل ما يمر بأراضيهم حتى المياه المشتركة ونوقع لهم على ذلك، بينما لا نستطيع أن نفرض سيادتنا المطلقة على ما نفعله بمياهنا ولا ما نزعه. وبموجب هذا الاتفاق السري نجحت إثيوبيا مع دول أخرى في منابع النيل في هدم اتفاقيات مياه النيل القديمة، وهدم الشروط المصرية التي تؤمن المياه لمصر، عبر ما سمي (الاتفاقية الإطارية لدول النيل) أو "اتفاقية عنتيبي" التي رفضت مصر والسودان توقيعها ولكنها دخلت حيز التنفيذ بتوقيع 6 دول عليها حتى الآن من 9، لتلغي ضمنا الشرطين المصريين. فقد أقرت "الاتفاقية الإطارية لمياه النيل" في عنتيبي فكرة تقسيم مياه النيل على جميع دول المنبع والمصب، وهو ما استغلته إثيوبيا لبناء سد النهضة وتسعى دول إفريقية أخرى للاستفادة منها ببناء سدود أخرى لحجز مياه النيل بما قد يؤثر على حصة مصر. وحاولت أديس أبابا ودول منابع النيل تغيير اتفاقيات مياه النيل القديمة الموقعة بينها وبين مصر، عامي 1929 و1956 لأن الاتفاقيات القديمة كانت تكبلهم بشرطين: (الأول): عدم المساس بأمن مصر المائي (حصة 55.5 مليار متر مكعب) و(الثاني): ضرورة الإخطار المسبق لكل من مصر والسودان بالمشروعات والسدود التي تنوى دول المنبع إجراؤها على نهر النيل (يسمى الفيتو المصري). أما بعد اتفاق السيسي السري الذي أبرمه على عجل ودون إبلاغ الشعب أو حتى برلمانه الطرطور فقد ضاعت كافة حقوق مصر المائية وأصبحت إثيوبيا تتحكم في المياه التي تصل مصر برضاء قائد الانقلاب، وكذا التحكم فيما تزرعه مصر، وهو القرار الذي حين تطبيقه قد يثير غضب الفلاحين أكثر على سلطة الانقلاب. فهل ستتحقق فعلا على يد الانقلاب مقولة إن مصر تتعرض للعطش؟