أسوأ ما ورثناه من نظام مبارك هو التدهور الأخلاقى والدينى الذى كان مقصودا وممنهجا كى يستمر الفاسدون فى النهب؛ لأن الفساد السياسى والاقتصادى أشبه بسمكة لا تستطيع العيش إلا فى بيئة من مياه التدهور القيمى والأخلاقى. وأسوأ ما أخفقت ثورة 25 يناير فى تحقيقه -بعد هذا الارتقاء الروحى الذى لمسناه فى أيام الثورة الأولى- هو محاربة هذا الفساد الأخلاقى المتغلغل داخل نسيج المجتمع المصرى بفعل الانهيار الصادم فى القيم المصرية الأصيلة، عبر منظومة متكاملة من إفساد ذوق المصريين بأفلام هابطة مليئة بالشتائم والممارسات القذرة، وإعلاء شأن الراقصة أو لاعب الكرة أو ممثلة على شأن العلماء والرموز الثقافية والعلمية، حتى بتنا نرى مفكرا جليلا أو عالما أفنى عمره فى المعامل يهرول وراء المواصلات العامة، فيما ممثلة شابة ليس لديها أى مؤهلات علمية تفرش لها السجاجيد الحمراء وعشرات الكاميرات وملايين الجنيهات!!. هذا الفساد الأخلاقى متصل شئنا أم أبينا بديننا.. مصدر الإلهام والإبداع الوحيد للأخلاق.. ولهذا أشعر بفزع شديد عندما أرى معارضين يساريين أو علمانيين ينتهكون عرض هذه الأخلاق ومعها الدين لمجرد خلافهم من الإخوان، وأتصور أنهم يحاربون الفكرة الإسلامية نفسها، وإلا فما معنى هذا السيل الجارف الآسن من التصريحات الفجة لرموز محسوبة على جبهة الإنقاذ؟. ما معنى أن يقول البرادعى: "لن يرهبنا الحديث عن الأخلاق لوأد حرية الرأى"، وما معنى أن يقول حازم عبد العظيم: "لن نكتفى بالإخوان وسننهى على الشىء اللى اسمه الإسلام السياسى فى مصر"، أو يقول عمرو حمزاوى "لا بد أن نكافح من أجل ألا تكون هوية مصر إسلامية"، أو يقول محمد العدل -الذى يحتل وزارة الثقافة- "إنه سيقاتل ويحمل السلاح من أجل عدم حذف المشاهد الجنسية من الأفلام"؟!، أو قول وحيد حامد: "مفيش حلال وحرام فى السياسة والفن، واللى حانسمعه يقولها حانمسحه من على وش الأرض"، أو قول مايكل نبيل: "لن تحكمنا الشريعة غصب عن الله ورسوله وجماعة المؤمنين"، أو قول جورج إسحاق: "يوم 30/6 يوم انتهاء الإسلام"!!. الأمر بات أخطر من هذا، وذهب بعض هؤلاء الجهلاء لحد عداء كل الشعب المصرى المتدين وكل المسلمين لا مرسى أو الإخوان، وإلا بماذا تفسرون قول فاطمة ناعوت: "إن القرآن فيه تناقضات"، وقول أبو حامد "إن القرآن به ألفاظ تجرح مشاعر الآخرين"!!، وقول المدعو حامد عبد الصمد إن: "فاشية محمد بدأت عند فتح مكة"، وقول من يسمى نفسه (المستشار) أحمد ماهر: "اللى عاوز يقلد النبى يروح جبلاية القرود"!!. القضية أكبر من مجرد عداء للرئيس أو الإخوان.. ولو ترك الرئيس محمد مرسى الحكم سيظل هؤلاء يروجون للفساد الأخلاقى والدينى لأنها البيئة التى يتعايشون داخلها ودونها يموتون وتلقى أفكارهم فى صفائح القمامة، ولو تخلت مصر عن الدين والأخلاق اللذين يميزان شعبها لن يبقى من كيانها وخصوصياتها ورونقها شىء وستصبح مجرد قطعة أرض تتصارع فوقها قطعان من الهمج، كما يحدث الآن فى صورة مصغرة فى زحام المرور عندما ينزل الناس ويضربون بعضهم بعضا بالسكاكين والشوم، لمجرد خلاف مرورى لم نكن نراه من قبل إلا عندما ضاعت الأخلاق وضاع الدين. هؤلاء الذين يدعون للثورة على الرئيس يستغلون عواطف نبيلة لشباب متحمس ملتهب لا يرضى بعد الثورة إلا بالإنجازات السريعة ولا يعترف بعقبات أو تحديات تواجه الرئيس والدولة، ولكنهم يقودون هؤلاء الشباب لمعركة بلا أخلاق أو دين وشتائم واعتداءات على منازل أسر خصومهم وإشارات بذيئة بالأصابع تقوم بها بعض مدعيات الثورة!. الأخلاق تشهد الآن تدهورا مروعا بمعدلات فلكية، والمعارضون -ليس كل المعارضين- الذين يتبنون هذا السقوط الأخلاقى فى مصر لن يرضوا عن الرئيس مرسى حتى لو أصبح اقتصاد مصر هو الأفضل فى العالم؛ لأن الصراع ليس سياسيا، لكنه تحول إلى صراع دينى، ويحاولون فرض فكرهم المتصادم مع الدين والأخلاق على الشعب المصرى المتدين بطبعه. المعركة ليست معركة "مرسى" أو الإخوان، لكنها معركة هوية واضحة.. فريق يسعى للعودة لأخلاق وهوية المصريين المتدينة المعتدلة وفريق يتحرك ضد أخلاق وتدين الشعب المصرى حتى ولو قال عكس هذا!