وقع تيار الاسلام السياسى فى تناقض منطقى وتعثر فى كل مشكلة وتحولت الحلول السياسية الى معضلة أما السبب فهو استخدام أدوات غير سياسية لمعالجة مشاكل سياسية! تماماً كما يستخدم الجراح أدوات الجزار فى عملية جراحية، أو كما يستخدم الطبيب أدوات المشعوذ فى علاج مرضاه! أما المعضلة، فهى تناقض الخطاب السياسى مع المرجعية الدينية فالدين مطلق والسياسة نسبية والإدارك الدينى وجدانى، والإدراك السياسى عقلانى! والحقائق السياسية تتطلب معطيات واستدلالات وصولاً لنتائج يقبلها العقل، بينما الإدراك الوجدانى يختصر الأدوات! والقانون السياسى السائد فى كل الدنيا براجماتى نفعى فالغاية تبرر الوسيلة كما قال مكيافيللي، والنجاح يبرر وسائله، ويجُب ما قبله ولا أخلاق فى السياسية! ولا تفسير لمهرجان الأخطاء والخطايا التى وقع فيها الرئيس مرسى إلا هذا التناقض، وإلا أنه وجد نفسه داخل الفخ الذى نصبه بنفسه! فكما قدم نفسه بمرجعية دينية، راحت الناس تحاسبه بمعايير الدين المطلقة، لا بمعايير السياسة النسبية! وكما وقف يعظ الناس فى المساجد، راح الناس يحاسبونه على الكذب السياسى! فهو الذى برر مد عمل التأسيسية شهرين لإتاحة فرصة للتوافق فإذا بالدستور الجديد يصدر دون توافق، ودون مد أجل، وبليل! وهو الذى وعد من قبل بإعادة تشكيل اللجنة التأسيسية، فحنث بوعده! وجماعة الإخوان المسلمين هى التى أعلنت فى بدايات الثورة أنها لن تدفع بمرشح فى أول انتخابات رئاسية. وحنثت بالوعد! ولو أن أى جماعة سياسية أو حزب سياسى هو الذى أعلن ذلك وحنث لما اهتم أحد، وما حاسبه أحد ولاعتبر ذلك من المناورات والاحابيل السياسية المشروعة! لكن هذا السلوك يكون مرفوضًا وكريهًا ومستهجنًا، جماعة ترفع لواء الدين، وتستخدمه كمرجعية أخلاقية، وكحجية وصولاً للسلطة! لقد انقلب السحر على الساحر، وراح المعارضون لجماعة الإسلام السياسى يستخدمون ذات السلاح فى محاسبة الرئيس محمد مرسي، على وعوده التى لم تتحقق وابتعاده عن المصداقية! فهو الذى استدعى خطابه من التراث السلفي، وحاكى الخلفاء الراشدين، وقدم نفسه للناخبين باعتباره امتدادًا لهم قائلاً: إذا أخطأت فقوموني، وإذا لم أحقق ما وعدت به فثوروا علىّ كما فعلتم مع الطاغية المخلوع! ووجدنا الرئيس مرسى ينقلب على عقبيه، حين ثار عليه الرافضون للإعلان الدستورى، وراح يتهم الثوار بأنهم بلطجية ومأجورون ومتآمرون، دون أن يقدم هؤلاء المتآمرين إلى المحاكمة، ودون أن يقدم دليلاً واحداً على المؤامرة! فقد استخدم ذات المنهج الذى كان يستخدمه الطاغية المخلوع.. وذات المفردات وراح يلفق التهم لمعارضيه وخصومه السياسيين! ولاتفسير لذلك إلا أن الرئيس ينكث بوعوده ويخالف شرع الله الذى قال عز من قائل: «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا». ولاعجب فى ثورة التحرير على الرئيس مرسى، الذى منح فلول النظام البائد أن تندس وسط الثوار. فالشعب المصرى المتدين بالفطرة، شديد الحساسية تجاه الدين، وتجاه المتشدقين بالدين! فالناس تتسامح مع لص يكذب لتبرير جريمته، وقد تتفهم ظروفه وأسبابه، وقد تتعاطف معه، لكنهم لا يتسامحون مع رجل دين لا يصدقهم القول. والرئيس مرسى هو الذى اختار لنفسه هذا الإطار، وهو الذى قدم صورته الدينية فى أذهان الناخبين، وقدم نفسه كرجل دين يعظ الناس فى المساجد ويحدثهم فى الأخلاق ويطالبهم بالإخلاص، ويحثهم على الفضيلة! وهو الذى تعهد بمحاكمة قتلة الثوار ومحاربة الفاسدين وإقصاء الذين افسدوا الحياة السياسية! وهو نفسه الذى تستر على جرائم المجلس العسكرى، وقتلة الثوار فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وهو الذى كرم طنطاوى وعنان، ومنح حصانة دستورية ضد فساد وجرائم المجلس العسكرى نشر بالعدد 625 بتاريخ 3/12/2012